الكاتبة الكويتية حياة الياقوت لـ الشاهد:
على الكاتب أن يكون دوما في حالة اغتراب،والجزائر بلد المليون باحث.
حياة الياقوت صوت بارز على السّاحة الأدبية الكويتية والعربية ،تعشق الحرف،وتغار على العربية،كرّست قلمها للكتابة عن القضايا التي تهم اللغة العربية، وحملت على عاتقها هموم الكتابة في القضايا الانسانية والاجتماعية.
حاورها :الاستاد والضحفي :وليد شموري
بداية نود منك لمحة مختصرة عن حياة الياقوت الإنسانة والكاتبة؟
من أعسر الأمور أن أعرّف عن نفسي. أنا كاتبة، ومحبة للغة والأدب. ولدت في عام 1981، درست العلوم السياسية واللغة الإنكليزية، ثم حصلت على الماجستير في علوم المكتبات والمعلومات. لي كتاب لغوي، روايتان، ومجموعة من كتب الأطفال، بالإضافة إلى بعض الإصدارات الإلكترونية.في عام 2003 أسست دار ناشري للنشر الإلكتروني، وهي أول مكتبة ودار نشر إلكترونية غير ربحية في العالم العربي.
تخوضين في حقول وميادين متعددة تكتبين المقال بانواعه والرواية والقصة القصيرة والفت كتبا تعليمية للاطفال وكتب الكترونية اخرى وتمارسين مهنة الاعلام ما سر هذا التنوع و كيف امكنك التوفيق بين جميع هذه الانواع من الكتابة؟
هذا أمر لم أخطط له. كل ما يمكنني قوله لشرح ذلك هو أني لم أشعر بالارتياح في البقاء في مجال واحد، تارة يحركني الفضول، وتارة الملل، وتارة الطموح.
ماهي طبيعة الكتابة بالنسبة لحياة الياقوت وماذا تعني لك؟
الكتابة وسيلة للتعبير. كما أن الكلام هو الوسيلة المعتادة للناس للتعبير عن مشاعرهم أو آرائهم أو شجونهم. الفارق أن الكتابة تمنح الفكرة طبيعة تأملية وتدقيقية، كما أنها تمنحها الخلود.
صدر لك عمل روائي تحت عنوان "الس في بلاد الواق واق" ما سرّ هذه التسمية؟و هل فيها اسقاطات على واقعنا العربي؟
الرواية فانتازية، وكما يظهر من العنوان فيها تناص مع قصة "الس في بلاد العجائب" الشهيرة، لكن التشابه بين العملين هو في الإطار العام فقط. في روايتي، نجد ألس فتاة عربية، تسقط لتجد نفسها في بلاد الواق واق، حيث جميع سكان هذه البلاد مجانين وفاسدون. نعم، ثمة إسقاط في الرواية على واقعنا العربي بشكل هزلي.
وماذا عن روايتك "كاللّولو"هل هي سيرة ذاتية حدثينا عنها قليلا؟
بخلاف ألس في بلاد الواق واق، كاللولو نص خصوصي إذا جاز التعبير. في هذا العمل أردت أن أوثق حقبة الثمانينيات في الكويت من وجهة نظر طفلة. ليست سيرة ذاتية، وكنت قبل كتابة العمل أتوجس أن يظن أحد أنها كذلك، أما الآن فأسعد لو ظن أحد أنها سيرة ذاتية، وأن بطلتها خيال/لولو هي أنا. الرواية مكتوبة بطريقة توحي بذلك على الأرجح. إذ أدخلت قصاصات مكتوبة بخط اليد مثلا لإيهام القارئ بأنها حقيقية.
ألا تعتقدين اليوم ان الكاتب العربي في حالة اغتراب، اذ اصبح يلهث وراء الجوائز والشهرة وحب الظهور اعلاميا من خلال ابتعاده عن معالجة القضايا الانسانية الراقية ومعالجة قضايا الجنس والسياسة هل هي واقعية السوق؟
الكاتب الجيد –برأيي- يجب أن يكون دوما في حال مفارقة وانفصال واغتراب، لأنه كلما اندمج في المجتمع، تطبّع بالسائد وعسر عليه أن يحتفظ بعينه الفاحصه ولسانه الناقد. لكن الخطر كل الخطر هو أن يشعر الكاتب باليأس من الكتابة لأن التيار السائد يمجد ما لا يستحق التمجيد، وهذه حقا فتنة، ومن الكتاب من يعض على مبادئه بالنواجذ، ومنهم من يحاول أن يوفق بين التيارين المتعارضين بخلط الحليب والماء، ومنهم من يجرفه التيار. وحدها الكلمات تبقى، وحدها الكلمات تشهد.
وما من كاتب إلا سيفنى *** ويبقى للدهر ما كتبت يداه
انت رئيسة تحرير اول دار نشر الكترونية عربية"دار ناشري الالكتروني ماالذي دفعك صوب النشر الالكتروني تحديدا؟
حينما أسست الموقع في 2003 لم تكن الرؤية واضحة كما هي اليوم. كان الأمر أشبه بتجربة نتيجة يأسي من عالم النشر الورقي، وإذا بي أفاجأ –مع مرور الوقت- بالإمكانات التي يحملها هذا المجال. أرى أن النشر الورقي جاء غلى عالمنا ليبقى وليزدهر وليحل محل النشر الورقي. سيستغرق الأمر جيلا أو جيلين حتى يصبح النشر الورقي أمرا تاريخيا متحفيا، لكننا في بداية الطريق إلى هذا التغير الحتمي.
في عام 2007 حينما نشرت أول كتبي "من ذا الذي قدد البيان؟ أخطاء وخطايا لغوية مصورة" طبعت منه ألف نسخة استنفدت مجهودا كبيرا كي توزع. وحينما نشرته إلكترونيا على ناشري، نجد اليوم أنه تم تنزيله أكثر من 70 الف مرة. هذا لا يعني طبعا أن جميع من نزله قرأه، لكنه الفارق دال بشكل أو بآخر على قوة الانتشار التي يوفرها النشر الإلكتروني.
انت تعرفين بدفاعك الشديد عن لغة الضاد حتى انك الفت كتبا حول بعض الأخطاء اللغوية وكذا كتب تعليمية للصّغار، برأيك أي مستقبل ينتظر اللغة العربية في زمن العولمة الثقافية والانترنت؟
التحدى كبير جدا، لكن إذا كنا على قدره، فإن النتيجة ستكون مبهرة. العربية تعاني بذات القدر الذي نعاني منه، أظن أنه من النادر إن لم يكن من المعدوم أن نجد شعوبا تعاني من هوة بهذا الحجم بين لغتها المحكية وتلك المكتوبة. نعم، هناك لهجات، وهناك كلمات عامية في كل اللغات، لكن الهوة لدينا شاسعة جدا. وليس هذا فقط، بل إنها ليست لهجة أو لهجتين، بل لهجات. الخوف كبير من أن تتحول العامية إلى لغة الأمر الواقع. أتذكرأنه وقبل بضع سنين كان من الصعب والغريب والمضحك أن نكتب شيئا بالعامية، أما الآن فإن إرسالنا رسالة هاتفية بالفصحى لأحد يعني أننا نعده غريبا نخاطبه برسمية، في حين أن المراسلة بالعامية تعني الترحاب والألفة. وحتى حينما كان البعض يكتب بالعامية، فإنه لم يكن من الاعتيادي أن يعكس المكتوب النطق العامي، بل الأصل الفصيح، فيكتبون للمؤنثة المخاطبة "شلونك" ومن يقرأ يستنتج أن الكاف تقلب "تش" في اللهجة الكويتية، أما الآن فكتابتي لأحداهن شلونك إهانة، لأنها تستخدم للمذكر، ولا بد أن أكتب شلونج أو شلونچ.
إذا طالعنا ويكيبيديا، نجد أنه تم إضافة لغة جديدة إلى قائمة اللغات المتوفرة، المصرية! ومن يتصفحها يجد أن ثمة جهود حقيقة لإضافة مقالات بالعامية المصرية باعتبارها لغة قائمة بذاتها. وحينما نشاهد فيلما لأسطون صناعة أفلام الأطفال "دزني" نجد أنها صارت تدبلج أعمالها غلى العربية بالعامية. هذا التطبيع المفرط مع العامية الذي أتاحته ثورة المعلومات يقلقني جدا، كان للعربية هيبة، ومعدل تآكل الهيبة في ارتفاع.
لو سالتك عن الكتابة للطفل العربي هل تلقى اهتماما كافيا من طرف المهتمين..لماذا؟
الطفولة بشكل عام ينظر غليها نظرة قاصرة باعتبارها حالة عجر وتطفل وحاجة. والحقيقة أنه يجب أن ينظر إليها نظرة وعي واهتمام يصل إلى حد القلق. وهذا الاستصغار انعكس في رؤيتنا لما يقدم للطفل باعتباره شيئا أسهل ومن درجة أدنى. فحينما تقول لأحد أنك ألفت كتابا للطفل، وتقول له أنك كتبت مجموعة قصصية للكبار، فإن شعور التقدير تجاه العمل الموجه للكبار سيكون أعظم بشكل أو بآخر. وهذه النظرة مستفزة وتعيق نمو الأعمال الموجهة للطفل.
يقال ان الرجل هو هاجس المرأة الشرقية، ما تعليقك؟
برأيي الكرامة هي هاجس المرأة الشرقية، وحينما يقف المجتمع، حينما يقف الرجل، حينما تقف التوقعات الاجتماعية في وجه سعيها للكرامة، من الطبيعي أن يشكل أي من هذه العوامل هاجسا لها.
ما هو النقد بالنسبة اليك وهل تخشينه؟
بل أخشى من غيابه! هلا لاحظت الطباق في الجذر بين النقد والنقود، يقال أن النقد سمي بهذا الاسم لأن الناقد يحكم على من ينقده، كما يحكم أحدهم على النقود أهي من معدن أصيل أم مغشوشة. غياب النقد يعني غياب التدقيق والضبط والمساءلة في عالم الكتابة.
ماهي اهم التحدّيات التي واجهتها حياة الياقوت؟
لكل مرحلة، لكل تجربة تحدياتها. لكن إذا كان من تحد يبرز في معظم المراحل هو هذه الحالة من الضيق لأن الناس تفضل الأسهل؛ يفضلون القراءة بالعامية، يفضلون قصص الحب والنميمة، يبدو أن الناس لا يفضلون من يجبرهم على اكتشاف مناطق منسية في عقولهم، لا يفضلون التغيير، لا يفضلون أن يخرجوا من نطاق الراحة.
ما هي مشاريعك وطموحاتك المستقبلية؟
أعمل على أكثر من عمل في الوقت نفسه؛ رواية جديدة، وأيضا كتاب للطفل، بالإضافة إلى مجموعة قصصية انتهيت منها هذه الأيام آمل أن ترى طريقها للنشر قريبا بإذن الله.
كيف هي علاقتك بالجزائر؟
بشكل عام أكن للمغرب العربي الكثير من التقدير والإعجاب بتلك الثقافة الخاصة التي تميزه، وأرى أننا نحتاج إلى مزيد من الجسور بين المشرق والمغرب العربيين. أصادف على الإنترنت الكثير من الكتاب والمثقفين الجزائريين، ويبدو لي أن الجزائر ليست فقط بلد المليون شهيد، بل بلد المليون باحث.
كلمة اخيرة
خالص الشكر لكم على هذه النافذة.
[url=
]
[/url]