هيبة الكاتب وقيمته الأدبية ؟
هيبة الكاتب وقيمته الأدبية ؟
عنوان مثير للاهتمام ويخفي خلفه الكثير من الأسئلة
وأنا إذ أحاول الابتعاد قدر الإمكان عن التفسير الفكاهي الذي أعطي لهذا العنوان من قبل الأخ د. أيمن والتحول به إلى عناوين جانبية أخرى، سأعود به إلى صيغته الأصلية واطرحه بطريقة أخرى:
وهي هل يفقد ( الكاتب ) هيبته وقيمته من خلال نشره الالكتروني لأعماله.؟
واضع هنا كلمة كاتب بين قوسين لان المقصود به هو الكاتب المعروف على الساحة الأدبية وليس أي كاتب.
والمفروض طبعا من هذا السؤال هو حصد اكبر عدد من الأجوبة المختصرة والمحددة والواضحة عنه ليبدو وكأنه استفتاء للقراء يفضي إلى نتائج واضحة وملموسة ومتعددة تعتمد في النهاية كمرجع لمن يهمه الأمر.
وبما انه لم يطرح كاستفتاء يبحث عن جواب محدد بنعم أو لا بل طرح كموضوع يبحث عن الجواب من مرتادي ومهتمي هذا النادي الأدبي ( لاحظ اهتمام صاحبة السؤال على طرحه في موقع أدبي وليس أي موقع أو منتدى آخر ) يبقى من حقها علينا ومن حق القراء أن يحصلوا على جواب شامل وواضح عن الأمر مستفيدين ممن ملك الخبرة من قريب أو بعيد حوله.
وانأ إذ أدلو بدلوي في هذا الموضوع فبصفتي كقارئ وكاتب هاو مهتم بالأدب بشكل عام وبكتاب القصة بشكل خاص وعلى احتكاك مباشر برواده.
ولكي ابسط الموضوع أكثر سأقسمه إلى ثلاثة أقسام.
الأول: ويتعلق بالكتاب الكبار والمعروفين على الساحة الأدبية في العالم العربي ولهم إصدارات أدبية ومكانة اجتماعية مرموقة ومعترف بها.
والثاني: الكتاب الذين بدؤوا بالظهور على الساحة الأدبية العربية بخطى ثابتة -رغم المعوقات- ليشغلوا بعض من المساحة الشاغرة والتي يستحقونها.
والثالث والأخير: وسأسميهم بأصحاب ( ضربة الحظ ).؟
ولكي أسهل الأمر على نفسي سأقوم بعملية تقمص والبس ثوب كل من الكتاب الثلاثة كل واحد على حدة !؟
التقمص الأول:
حللت بأولهم ضيفا خفيفا مستعيرا مكتبه وكرسيه الذي يكتب من عليه ووسادته التي يرتاح عليها وعصاه التي يتكأ عليها.... وفمه الذي يتناول الطعام ويتحدث من خلاله. وقلمه الذي يكتب به. وعيونه الذي يرى العالم من خلالها... ولم لا عائلته وأطفاله وأصحابه وحتى فراشه الذي ينام فيه.!....
فرأيته على غير ما يراه الآخرون.!... بسيطا وودودا وحميما وشاعريا إلى حد لا يمكن لأي كان أن يتصوره.؟
فهو إن نجح ليصبح كبيرا فبفضل كل أولائك الذين أحاطوا به سلبا ( ليقحموه في صراع بين الحق والباطل وليصنعوا منه عن غير قصد البطل المناسب الذي يدافع عن المظلومين ) أم إيجابا ( بالرعاية والاهتمام والحنان ليخلقوا بفعلهم النبيل الرجل الذي ارتضى الشقاء طريقا يلتمس الإخلاص لمبادئ امن بها من خلاله ) ويكتفي بما منحوه من رعاية مكافئة لا بديل عنها يرضيه.
فأتحسس من خلال ظلمة المكان الذي أحاط بطه حسين تلك الثورة المشبعة بنور الحرية المتوهج يصرخ بوجه الظلم من خلال رائعته ( المعذبين في الأرض ) لأتسلل بخفة الظلال الساكنة إلى قلبه لأجده ينبض بحب لا حدود له للحياة وآمال لا يحدها زمان ولا مكان وقد مهرت ببراعة فنان لا يكل ولا يمل من خلال سيرته الخالدة ( الأيام ) فلم ينتقص من نشرها على مراحل وأجزاء في الصحف ( وهو ما يشبه النشر الالكتروني اليوم ) من قيمة قلمه أو هيبة كاتبه.
وأتعثر بالمارة والبائعين المتجولين وأصحاب المهن الحرة وبائعي الخضار وهم يصيحون لبيع بضاعتهم وأنا في طريقي المعتاد متوجها إلى خان الخليلي حيث أنني على موعد مع طاولتي وكاس الشاي أو فنجان القهوة المعتادة طربا بصوت النادل ينشد طلبات زبائنه وكأنه يغني وقد اختلط بقرقعة الشيشة ورنين الأطباق النحاسية وهي تصطف تباعا على الرفوف الخشبية... فلا تعيقني رائحة الدخان المنبعث من أفواه المرتادين وقد اختلط بروائح البخور المنبعثة من محلات العطارين القريبة.... ولا بصوت فاطمة تنادي على (صبي) بائع الفول ليحضر حصتها منه لفطورها وقد قصدت إثارة انتباهي وهي تتخفى خلف خمارها ملوحة به بين الحين والأخر لتكشف عن بعض مفاتنها المثيرة... فاصنع من كل هذا روائعي الشهيرة الثلاثة ( بين القصرين، وقصر الشوق، والسكرية ) ولا يعيبني أبدا أو ينتقص من قيمتي وهيبتي إذ بدأت بنشر ما اكتب بالصحف أو الجرائد المحلية ولو قدر لي أن أكون على اتصال مع جمهور عريض وواسع عن طريق الانترنت لما تأخرت فوجودي يعتمد على قرائي فانا اكتب لهم ولأجلهم رغم عني لأنني لا اعرف أن افعل أي شيء غير هذا.
وأتردد بخجل على بائعة التذاكر لأحصل على بطاقتي لدخول المسرح فلا اعرف إذا ما كان هو مصدر اهتمامي أم أن لابتسامة تلك المضيفة الجميلة الساحرة حظ مما أنا فيه لأعود مع دراهمي القلية المتبقية لي من مصروفي الشهري لاشتري بعض من الرز والموز اقتات عليهم في سبيل شيء ما يشدني إليه رغم عني وهو هذا المسرح بشخوصه المتعددة أعيش معها صراعها الأزلي بين الحق والباطل فلا اكتفي بالكلمات المنمقة ولا بالعبارات التي تصدح بالعبرة والفصاحة والحكمة بل تطاولها فضولي إلى المكان الذي يحيط بهم وبالألبسة الزاهية التي يلبسونها وقبعاتهم التي يعتمرونها.؟... ولا أجد تفسيرا إلى دوافعي لكي أضحي بدراستي للقانون التي كان من الممكن أن انجح بها لأعود بشهادة لا تخولني إلا بممارسة التمثيل والكتابة للمسرح.؟... ولا اعرف حقا إذا ما كانت ساحرتي بائعة التذاكر هي الحقيقة المخفية لكل ما جرى لي لأكتب -وأنا أتخيل نفسي بين ذراعيها- روائعي في المسرح ( كاهل الكهف وبيجماليون وصلاة الملائكة وشهرزاد ) وغيرها كثير.!؟... ولهذا كانت روايتي ...قناعي ( عصفور من الشرق ) أم أن عملي في سلك القضاء هو ما أنعش في ذهني تلك النار الخامدة لزمن طويل تحت الرماد، لانتفض من سباتي والتصق بالمسرح وصناعه على فقرهم وقلة حيلتهم، فاصنع معهم أجمل أعمالي.!؟... كل ما اعرفه هو أنني كنت مخيرا أن أعيش كالباشاوات ولكنني مدفوعا بقوة خفية تتجاوزني فضلت أن اخلص لما خلقت له ومهما كان الثمن ولم يضيرني الكتابة حتى على جرائد الحائط. ولو أتيح لي أن اقترب أكثر من جمهور كبير عبر الكتابة الالكترونية لما قصرت أبدا. فالمال لم يكن يوما هدفي، بل إبلاغ رسالة كلفت بها هو مقصدي وخياري.؟.
وأخيرا ها أنا اجلس في مدينة الضباب ( لندن ) احتسي قهوتي وأطالع جرائدي بعد إن أصبت بخيبة أمل لا علاج لها من الضعف والمهانة التي اجتاحت العالم العربي، لتقصف -بعد الهزيمة المريعة لهم في حرب 1967 وتقاعسهم في جني مكاسب انتصارهم في 1973 وترك فلسطين ومن بعدها لبنان لسماسرة القتل.؟...- ولتقذف بمحبي العدالة والحرية والمساواة على أرصفة البيكادلي في لندن والشانزيليه في باريس يتجادلون فيما بقي لهم من عزة وكرامة ...فاصنع بما بقي لي من حبر وورق ثورة الجيل المقهور لأريه عالم لم يعيشه ومذلة لم يتذوقها إلا من خلال الخطابات.؟... ولا يعيبني أي منبر كان ومن أي مكان كان صحيفة أو جريدة أو ندوة أو لقاء أو حتى من خلال الحناجر الصداحة بالحق تغني مآثري... مآثر امة صورتها بامرأة ( فكانت قارئة الفنجان ) كما كان قبلها ولسنين طويلة ( اعتذار لأبي تمام، خمس رسائل لامي، أحزان في الأندلس، رسائل لم تكتب لها ) وآلاف الرسائل والقصائد التي زينت دواويني التي تجاوزت الأربعين تحكي قصتي...قصة نزار قباني... الوطن والحب والمرأة والثورة.
يحيى الصوفي جنيف في 15/05/2005
التقمص الثاني
التقمص الثاني
حللت بأحدهم فرأيته على حاله -منذ أبصر النور وعرف الكلام وخط بقلمه أولى حروفه- مليئا بالحركة والنشاط.!... وقد عقد بينه وبين حبه للمطالعة والكتابة عهدا مقدسا دون شروط تلزمهما بحماية كل منهما لما هو حق عند الآخر.!؟...فلا تفرط بنجاح الأول في الحياة من خلال ما يقوم به من واجبات اتجاه أهله ومجتمعه. وتحفظ للآخر حلمه في نقل ما يجوش به قلبه من مشاعر إلى الآخرين بما يتحلى به من موهبة.!.. ففي نقل المشاعر على الورق والبوح بها وسيلة لتهذيب القلوب ونقل العلم والمعرفة وإيقاد الثورة -إذا أراد- في الصدور
خاصة وان الكتابة ان امتهنها كاي مهنة عامة ترتبط لا تفي حاجته المادية منها
----------------------------------------------
يحيى الصوفي / جنيف في 30 /05 / 2005