الكاتب المغربي سامح درويش للشاهد:مشروع الوحدة المغاربية حلم لم يخب، ولا يهمّني ما كتبتُ.. ما لمْ أكتبْه هو الأهمّ.

بسم الله الرحمان الرحيم :
الكاتب المغربي سامح درويش للشاهد:
مشروع الوحدة المغاربية حلم لم يخب، ولا يهمّني ما كتبتُ.. ما لمْ أكتبْه هو الأهمّ.

حاوره: الأستاذ وليد شموري
من هو سامح درويش المبدع والإنسان ؟
أعتقد أن أصعب مهمة أمام الإنسان هي أن يعرف بنفسه، فالإنسان أعمق من إدراك الإنسان نفسه، وما كل الفنون والعلوم والأساطير إلا محاولات لاستغوار معنى الإنسان، أما من حيث التعريف البيولوجي - إن شئت-، فسامح درويش هو من مواليد قرية كفايت بعمالة جرادة المنجمية بشرق المغرب الأقصى، أصيب بداء اللغة في وقت مبكر، وهو يتابع دراسته الإعدادية بمدينة جرادة، حيث استطاعت الصدفة الجميلة أن تقرن الشعر بالحب، ثم لتبدأ بعد ذلك مرحلة الانخراط في قضايا المجتمع والنضال السياسي من خلال الانتماء إلى رؤية المشروع المجتمعي التقدمي، خلال الثمانينيات والتسعينيات من القرن المنقضي بما كانت تحبل به من تطلعات وآمال على الصعيدين القطري والقومي، لتستمر مسيرته الإبداعية في لحظات مد وجزر لتتوج خلال مطلع الألفية بنشر مجموعة " هباء خاص" القصصية، ورواية " ألواح خنساسا" الحائزة جائزة ناجي نعمان الأدبية بلبنان سنة 2003، ثم المجموعة الشعرية " قهقهات" التي تفضلت وزارة الثقافة المغربية بنشرها ضمن " سلسلة إبداع"، ويوجد الآن جاهزا للنشر " كتاب شطحات الدرويش" في جزئه الأول، و مجموعة " خنافس مضيئة" كتجربة أولى في التأسيس لهايكو عربي ، علاوة على ديوان " في نعومة أشعاري " الذي يجمع قصائدي الشعرية العمودية التي كتبتها في تلك المرحلة الفارقة بين الطفولة والشباب .
كيف ولجت إلى عالم الشعر؟ أو بعبارة أخرى، ماهي السياقات الذاتية والمعرفية والتاريخية التي واكبتها شخصية سامح درويش الشاعر والإنسان؟
لقد كانت الطبيعة هي أول حضن ربطني بالشعر، فشغفت منذ طفولتي المبكرة في تأمل تفاصيلها ومناجاة كائناتها، ثم سرعان ما وجدت أميل إلى ما يقوله " شيوخ القصبة" في قصائدهم الصاعدة من نبض ثقافتنا الشعبية، ثم كان لا بد أن تحدُث أشياء كثيرة وتتراكم تفاصيل يومية مثيرة كي تتفتق أكمام الشعر في نفسي، كان من الضروري أن أحبّ كل يوم أكثر من سابقه كي تتحول ثلوج الذات إلى شلال من الشعر والكلمات . كان ثمة قدَرٌ يرتب الأشياء في الخفاء. حيث بدأت أعراض كتابة الشعر تظهر عليّ وعمري لا يتجاوز 15 سنة،فأصبح الشعر من أسراري التي سرعان ما انكشفت. أحببت ببراءة وكتبت شعرا ببراءة مماثلة. كتبت قصائد تمرنت فيها على ركوب بحور الخليل التي سرعان ما تحررت منها لأنال حريتي في عرض البحر السابع عشر ، بحر الحياة بإيقاعاته المتنوعة، فنمت تجربتي الشعرية والإبداعية في كنف الحراك المجتمعي السياسي والثقافي الذي كان يشهده بلدي المغرب ، ومجالي القومي العربي .
ماهي العناصر التي ينبغي أن تتجلى في ذات الشاعر برأيك؟
الشاعر هو إنسان قبل كل شيء، ومن ثمة هو الضمير الحي والحارس اليقظ للقيم الإنسانية الرفيعة، فهو يميل إلى كل ما هو جميل و يتصدى لكل ما يخدش الجمال بدون مهادنة، لذلك فهو حاضر في كل تفاصيل المجتمع يتعهد القيم الرفيعة ويناهض كل تجليات الشناعة والقبح، ومن ثمّ فالشاعر كائن شفاف من خلاله ينظر المجتمع الإنساني إلى صورته كما هي وكما ينبغي أن تكون .. الشاعر هو دوما وعبر العصور مرادف للصدق والحقيقة وضدٌّ للزيف والبشاعة.. الشاعر هو صوت الإنسانية الذي يستغور الذات الجماعية ويشير إلى الأفق .. هو المختبر الذي تتفاعل في ذاتها مختلف الأحداث والوقائع والمواقف ليتم تحويلها إلى موقف جمالي استشرافي، وبالتالي فهو المِرْشح الذي تمر عبره الحياة ليتم تحويلها إلى جمال.
أين أنت اليوم من شعراء الحداثة ؟ وما رأيك بقصيدة النثر؟
لاشك أن الانفتاح الكبير للعالم قد جعل التجارب الشعرية تتعدد وتتلاقح وتتفاعل بشكل يجعلنا نتحدث عن التجربة الشعرية الكونية، حيث لم تعد ثمة فواصل وحدود بين العوالم والرؤى الإبداعية، ولا أظن أن التقوقع في الماضي قادر على صناعة المستقبل، ولا أظن أن الأصالة هي تكرار الذات و اجترار المنجز الثقافي، لذلك فإنني – في نظري على الأقل- أجد نفسي في حلبة الشعراء المنخرطين في التحديث الثقافي، المنافحين عن قيم الحداثة المفتوحة بدورها على التجديد باستمرار.وبناء عليه فإنني أجد نفسي في كون لا تستوعبه – في حالتي- سوى قصيدة النثر،علما أن تجربتي الشعرية قد انطلقت منذ شبابي المبكر من الشكل العمودي الذي كتبت على منواله ديوان " في نعومة أشعاري" الذي لم ينشر بعد، لأمر في تطور إيقاعي تلقائي إلى قصيدة التفعيلة التي لم أجد فيها من حيث الإيقاع تحولا كبيرا عن القصيدة العمودية، لأنتهي إلى قصيدة النثر بعتاد إيقاعي يأخذ من النمطين سابقي الذكر، لهذا فإنني أعتبر أن الشعر يمكن أن يتجلى في مظاهر كثيرة، وما قصيدة النثر سوى أحد هذه التجليات التي اكتسبت شرعيتها من منجزها النصي أولا ومن قدرتها على استيعاب مستجدات العصر وإيقاعاته المتنوعة.
أي علاقة ممكنة بين الابداع الادبي والنقد بأبعاده الثقافيّة والاجتماعيّة والسياسيّة؟
إن الإبداع كيفما كان جنسه وهويته يتربى في تربة مجتمعية وتصقله سياقاته الثقافية والسياسية، ومن هناك لا يمكن أن نتحدث عن أدب بدون هذه الأبعاد، إذ أن المضمون الإنساني هو السقف الكوني لأي أدب، والانخراط في قضايا المجتمع والمحيط بأدوات فنية وجمالية هو واجب الأدب، ومتى ترفّع الأدب عن هذا العمق يصبح سطحيا، فولكلوريا، وغير ذي جدوى، سوى أن التنبيه هنا ضروري إلى كون الإبداع الأدبي أفقا حرا ،و لا ينبغي في أي لحظة أن يخضع لسطوة الإيديولوجيا، وبريق الموقف السياسي المفتوح على التقلبات، الأدب موقف من الكون والمجتمع والتاريخ والسياسة والثقافة، موقف يصوغ ذاته بشكل فني وجمالي قادر على التأثير في هذه المضلعات كلها.

لقد سبق لك أن اشتغلت في إطار منظمة "الفضاء المغاربي" إلى جانب ثلة من أبناء الأقطار المغاربية ، .. وقد تم عقد أول مؤتمر للفضاء بالجزائر العاصمة حدثنا عن هذا الفضاء ومراميه ؟
شكرا على إثارة هذه التجربة النابعة من حيوية المجتمع المدني المغربي ، حيث انطلقت فكرة تأسيس " الفضاء المغاربي" من أشغال ندوة تم تنظيمها بمدينة وجدة المغربية سنة 2001 حول دور المجتمع المدني في بناء الوحدة المغاربية" بتنظيم من منتدى المواطنة ومنتدى رحاب بالمغرب، ومشاركة وفود وازنة من فعاليات ومثقفي و الأقطار المغاربية الخمسة، ليتم في السنة الموالية تأسيس هذا الفضاء المدني رسميا بالجزائر الشقيقة .. وقد استطاع الفضاء خلال الفترة التي سبقت ما اصطلح عليه ب" الربيع العربي" أن ينجز عددا من الأنشطة في مختلق الأقطار المغاربية من أجل التأكيد على أن مشروع الوحدة المغاربية هو حلم ومطلب غائر في الوجدان المغاربي المشترك ، هو لمع لم يخب بالرغم من تراكم الرماد السياسي الناتج عن الحرق المتواصل لما ينتجه التاريخ من ضماد لتمزقات الجغرافيا، إذ أنه وبالرغم من كل المعوقات والكوابح التي تمنع قطار الحلم المغاربي من الانطلاق، وبالرغم من غلبة لحظات التعثر والنكوص على مبيان سيرورة هذا المشروع، فإن حلم الوحدة المغاربية يظل كامنا في أغوار الذات الجماعية لشعوب المنطقة، لا يفتأ أن يتقد و تتأجج جذوته بمجرد ما يتم إرسال إشارة أو تعبير عن موقف متناغم مع ذلك الحلم المحفوظ في خلجات الوجدان..مما يسوغ لنا الاعتقاد أن التدخل الشعبي الدافع لمشروع الاتحاد المغاربي إلى الأمام في المرحلة الراهنة أن ينطلق من تمليك فكرة الوحدة لأوسع هيئات ومؤسسات وأنسجة المجتمع المدني المطالبة الآن بلعب دورها التاريخي من أجل إنجاز خطوة جديدة في اتجاه تحقيق هذا المطلب التاريخي.

هل تحس بالحاجة الى الآخر ..القارئ ...السامع... الناشر... المعجب ؟؟
في الحقيقة، حين أكتب أي حين أكون في حضرة الكتابة لا أحتاج أحدا، أحتاج إلى خلجات نفسي فحسب، أحتاج إلى ما يتدفق بالداخل فقط، أما حين يتشكل النص، ويصبح كائنا مستقلا عني، فإنني أجد نفسي في حاجة إلى من يشاركني النظر إلى ذلك الدخان أو ذلك النور أو ذلك العبير الذي صعد من كهوف الذات، أجد نفسي في حاجة إلى قارئ يشاطرني مشاعري، وإلى متلق ينصت لخريري أو هديري، وفي النهاية يبقى الشاعر بشرا يحتاج مثل أي وردة تتفتح إلى من يستمتع بالجمال الذي ترسله ، وبالأريج الذي تبعثه.
هل أنت مطمئن إلى كل ما تكتب؟ كلمة أخيرة؟
أبدا، لا طمأنينة مع الكتابة، فهي دوما متوثبة، متنطعة،فأنا حين أمارس فعل الكتابة فإنني أمارسه باعتباري نبات مرحلة تاريخية بكل تفاعلاتها، و المبدع بطبعه تواق إلى ارتياد المجهول، و استكشاف الجغرافيات المظلمة، وهو حين يبدع، فإنه يبدع ليتجاوز ذاته باستمرار، ولا يركن إلى الثبات واكتمال النموذج أو التجربة، لذلك فأنا كلما كتبت شيئا، أجعله ينفصل عني لأكتب شيئا جديدا غيره، وبالرغم من أن الإبداع هو فلذة من ذات المبدع وروحه، فإن المبدع الحقيقي لا يطمئن أبدا إلى ما أبدعه .. أنا لا يهمني ما كتبت ،إن ما لم أكتبه هو الأهم بالنسبة لي.
وفي الأخير أوجه تحية شكر وتقدير لجريدة الشاهد الجزائرية، وبالأخص لطاقمها الساهر على الجانب الثقافي، مغتنما الفرصة أن أوجه تحية إلى الإعلام الثقافي عبر تراب وطننا العربي الذي ينبغي أن يعي مهامه ومسؤولياته في الترويج للإبداع الأدبي والفني والثقافي من غير السقوط في المحاباة أو التطبيل .

[img][/img]