من أكثر وجهات النظر واقعية حول البحث في حياة الإنسان الذي وصل به استنفار العلم والمعرفة لأغراض التوسع على حساب الطبيعة قبل ان تكون هذه المعطيات على حساب نفسه كما تجلى واضحا في الحربين العالميتين, حيث فتحت لمعاناة والظلم والبؤس الذي تعرض الأنسان في مختلف بقاع الأرض .
قد لا تكون النظرة موضوعية لهذه الفلسفة الذاتية التوجه, إذا تم تقسيم الوجوديين إلى مؤمنين وملحدين , لأن هكذا تقسيم سيصنفهم حسب انتماءاتهم الدينية ويتناقض مع انتماءهم لفلسفتهم الوجودية, وجرت العادة أن يصنف مارتن بوبر بكونه وجودي يهودي وكيركجارد بكونه وجودي مسيحي وعبد الرحمن بدوي بكونه وجودي مسلم, وجان بول سارتر بكونه وجودي ملحد.
وفي هذا الصدد يقول جون ماكوري: أن كل وجودي يحترم نفسه يرفض أن يطلق على نفسه اسم الوجودي لأن قوله أنا وجودي يساوي قوله أنا واحد من تلك الفئة من الناس المعروفين باسم الوجوديين, في حين أن الوجودي الحقيقي يريد أن يقول: إنني لست إلا ذاتي ولا أحب ما تبذله من جهد لكي تحشرني في تصنيفك . ويتفق الباحث مع تقسيم الوجوديين إلى مؤمنين وملحدين الله بما أن هذا هو الأجراء المتعارف عليه لدراسة الوجودية من خلال الإطلاع على اغلب المصادر ذات العلاقة, ومن حيث آراء كل فيلسوف وجودي فيما يتعلق بعلاقة الإنسان بذاته, وعلاقته مع الآخرين, وعلاقته مع الله , بوصفها أهم الركائز التي عملت الوجودية على إيضاحها وتجديدها فكريا لتؤسس منطلقا للدعوة إلى أن يحقق الإنسان وجوده, على أن هذا التناول لابد ان يجري دون إهمال الوحدة الوجودية كفكر فلسفي خالص تطور على أيدي الفلاسفة مع اختلاف مرجعياتهم وتنوع مناهجهم وتعدد أطروحاتهم في الفلسفة بشكل عام والوجودية بشكل خاص, إلى أن خلصت الفلسفة الوجودية لشكلها المعاصر.
يعد التعارض بين الذاتية والموضوعية, جوهر الفلسفة منذ نشأتها, وعلى أساس هذا التعارض انقسمت الفلسفة إلى تيارين مختلفين هما الفلسفة الذاتية والفلسفة الموضوعية , والأولى تؤكد الاهتمام بالإنسان, وتجعله محور كل تفلسف ومن خلاله يمكن فهم العلم الموضوعي, أما التيار الثاني فيعطي أهمية قصوى للموضوع, للعالم المادي, وحتى لعالم الطبيعة, ويتجاهل الإنسان, لهذا فأن الأساس الفلسفي الذي تنطلق منه الوجودية هو الذاتية وليس الموضوعية, كما أن بحثها الفلسفي يبدأ من وجود ذات الإنسان.
أن هذا التحول في سير اتجاه الوجودية والتي تبدوا ذات منابع دينية – مسيحية, يؤكد إنها فكرة فلسفية منعزلة تماما عن منابعها أو التي عدت منابعها بسبب كون الذين تعرضوا للبحث في الوجودية هم من رجال الفكر الديني بالدرجة الأساس, وأدى ذلك إلى اصطباغها باللون الديني إلى أن حل محل هؤلاء من لا يمت للدين بصلة , ومن هو اقرب للفلسفة بشكل عام, وللتوجه الفردي فيها بشكل خاص, وليس اقرب لهذا الوصف من نيتشه كأول فيلسوف نتلمس عنده تلك الفر دانية .
خلاصة آراء الفلاسفة الوجوديين
1. خلاصة آراء كيركجارد حول علاقة الإنسان بذاته الأنا هو الوجود الأصيل, هو الأصل الذي اصدر عنه كل أفكاري وأفعالي, وحول علاقة الإنسان بالآخرين ففي سبيل إقامة علاقة مع الله يحكم على الآخر بأنه عقبة في طريقنا إليه , إلى الله , وحول علاقته بالله أن الله له له وجود مستقل , والوجودية تتصف عنده بالمسيحية.
2. خلاصة آراء مارسيل حول علاقته بالذات يقوله: أنني اخلق نفسي بنفسي أما عن علاقته بالآخر: أنني اخلق نفسي بنفسي وفي نفس الوقت أساعد الآخر على خلق حريته وعن علاقة الذات بالله يقول أن الإنسان يدرك أن هنالك في الأفق الأخير يقوم الأنت, المطلق, الذي لا يمكن أن يدرك على هيئة موضوع, ذلكم هو الإله , والوجودية تتصف عنده بالأمل.
3. خلاصة آراء برداييف حول علاقة الإنسان بالذات يدعو إلى ذاتية شخصانية تميز الفرد عن الآخرين, وحول علاقته بالآخرين يدعو إلى تفتح الذات على ذوات الآخرين وحول علاقة الإنسان بالله الحرية وحدها هي التي تملك صفة مقدسة, ينبغي على الإنسان أن يلغي جميع الأشياء التي أضفى عليها طابع المقدسات منذ فجر التاريخ , والوجودية تتصف عنده بتفهم الآخر.
4. خلاصة آراء نيتشه في علاقة الإنسان بذاته السوبرمان أو الإنسان الأعلى وحول علاقة الإنسان بالآخرين يجب تقسيم البشر تصاعديا حسب وجود الإنسان الممتاز في القمة أما عن علاقة الإنسان بالله مات الله , نحن قتلناه, فوجوده يعني العدم للذات الإنسانية, وهكذا يفتتح نيتشه وجودية ملحدة تغزو الفكر الفلسفي, ويتخذ منها فلاسفة الوجودية الملحدة أساسا لبناء رؤيتهم للذات والآخرين و الله , والوجودية تتصف عنده بالأنا الفردية.
5. خلاصة آراء هيدجر في علاقة الإنسان بذاته أن الموجود هو الإنسان الذي حقق وجوده وحول علاقة الإنسان بالآخرين يكشف الموجود نفسه للوجود, للموجودات أما عن علاقة الإنسان بالله للوجود أولوية على الماهية, والوجودية تتصف عنده بالموت.
6. خلاصة آراء سارتر في علاقة الإنسان بذاته الإنسان هو الموجود لذاته وحول علاقة الإنسان بالآخرين, في مسرحية, لا مفر, حيث يقول الجحيم هو الآخرون أما عن علاقة الإنسان بالله الوجود يسبق الماهية, والوجودية تتصف عنده بالقلق.
7. خلاصة مفاهيم الفلسفة الوجودية,
1. الوجود-في-ذاته :
هو الوجود غير الواعي للإنسان , و وجود الأشياء , و وجود العالم .
2. الوجود-لذاته :
وهو الوجود الواعي للإنسان , و وجود الذاتية.
3. الوجود-للغير :
وهو وجود الإنسان الواعي بتبعية ذاته للآخرين, الغير, أو الله .
امتزجت الفلسفة الوجودية بالأدب, ولأن الفلسفة مادة في غاية الصعوبة لدرجة أن الكثير من الكتب التي تبحث في الفلسفة عسيرة على الفهم لمعظم قراءها وترجع صعوبة الفلسفة إلى صعوبة الميدان الذي تبحث فيه, الإنسان وعلاقته بالكون , ولاسيّما في مجالَيْ الرواية والمسرحيّة، فالشعر والفلسفة صورتان للتعبير عن الوجود, إحداهما للتعبير عن الإمكان, والأخرى للتعبير عن الآنية, والوجود آنية وإمكان , ولأن الفلسفة الوجودية وجدت في الأدب خير وسيلة لتحليل الواقع الإنساني والكشف عما يحدق به من الضغوط والتحديات، وإثارة الوعي والمعرفة, لأن الوعي لا ينفصل عن عملية تحقيق ذات الإنسان , وتحصينه بحريته الكاملة وإرادته لاتخاذ قراراته ومواقفه والنضال لإثبات وجوده واختيار مصيره. ولقد كان معظم فلاسفة الوجودية أدباء عرضوا أفكارهم ونظرياتهم من خلال إبداعاتهم الأدبية عرضاً هو أفضل مما تتيحه النظريات والبحوث الجافة.
كما أن كثيراً من الأدباء انتهجوا النهج الوجوديّ في رسم رؤاهم وشخصياتهم وتحليلاتهم، حتى تبلور في النصف الثاني من القرن العشرين مايدعى بالأدب الوجودي، ونفهم من هذا الأدب أن وظيفة الفنان أن يقيم دعائم الوجود في الوسط الإنساني الكبير وان يتجاوز الوجود الخام ليكشف عن تلك الكينونة السامية التي هي المعنى لهذا الوجود , وكان من أبرز أدبائه جان بول سارتر, الذي جسد مقولته في أدبه على وفق مبدأ أن كل شيء موجود وجد بلا سبب ويستمر في الوجود من خلال الضعف ويموت عن طريق المصادفة , والذي خلّف عدداً كبيراً من القصص والروايات والمسرحيات مثل: الأيدي القذرة، والبغيّ الفاضلة، وموتى بلا قبور، والدوامة، والذباب وروايتي الحزن العميق ودروب الحرية، وعددٍ من القصص. وكان منهم البير كامو الذي كان يدعى فيلسوف العبث ومن أهم مسرحياته سوء تفاهم، والعادلون، والحصار. ومن رواياته الطاعون والموت السعيد. ومن قصصه المنفى والملكوت ومجموعة أخرى من القصص. ومنهم غابرييل مارسيل الذي برزت وجوديته الأدبية في مسرحية رجل الله, ولكل منهم طابعه الخاص .
وإذا حاولنا رسم الخطوط العامة للأدب الوجودي لم نجد أفضل من المقالة التي كتبها جان بول سارتر عام 1945 بُعَيْد تحرّر فرنسا وجعلها مقدمة لمجلّته الأزمنة الحديثة ومن ثمَّ أصبحت دستوراً للأدب الوجودي .. فلكلّ كاتب موقف في عصره ومسؤولية تجاه مجتمعه والإنسانية بصورة عامة، ولكلّ كلمةٍ صداها، حتى إنَّ الصمت موقف له دلالته. والأديب قادرٌ على التأثير في زمانه من خلال وجوده ومواقفه. وإن مستقبل العصر هو الذي يجب أن يكون محور عناية الأدباء, والمستقبل إنما يتكون من أعمال الإنسان الجارية ومشاريعه وهمومه وآماله ومواقفه وثوراته ومعاركه, فعند نهاية الثورة الجزائرية أدرك سارتر أن حريته تكتسب قيمة ومعنى من خلال المطالبة بحرية الغير ولهذا اتخذت نظريته في الفلسفة الوجودية لنفسها إطارا واقعيا في أحداث عصره , والأديب يكتب عن عصره ومعاصريه، ويتحدث عن نفسه وعنهم في آن واحد وعلى حدٍ سواء فكلهم متساوون وأحرار، ولا يقتصر على طبقة معينة أو ينساق في تيار الدكتاتورية.
لكن موقفه سيقوده حتماً للوقوف في صف طبقته التي يشاركها المعاناة, والوجودية فلسفة الفرد والذات ضمن موقع خارجي، ولابد للذات أن تقوم بسلب مستمر لوجودها الباطني لكي تشعر بوجود الآخر فالذات ليست الآخر , والكاتب يطمح إلى تغيير المستقبل عن طريق خلق مواقف مشابهة لموقفه، وتتراكم هذه المواقف وتتآزر لتحدث التغيير المنشود. وهكذا يتجلى التضافر بين الذات والمجتمع، وتصبح الآداب تعبيراً عن ذاتية ومجتمع في حالة ثورة دائمة, لذا لامهادنة ولا إخاء مع القوى المحافظة التي تتمسَّك بالتوازن ولأجل ذلك تضغط على الحريّة وتمارس القمع والظلم. ولابد لكل كاتب، ولكلّ إنسان، من النضال. والكاتب موقف وقضية في صميم المعركة. ويظل موقف الأديب الوجودي إلى جانب المضطهدين ولمسلوبي الحركة، فيعمل لتحريرهم أولاً ثم يضعهم أمام ذواتهم وإراداتهم، ليحددوا مواقفهم ويتخذوا قراراتهم, لقد حرص سارتر في كتاب الوجود والعدم على أن يثبت للإنسان حريته وان يجعل منه خالقا مشرعا لأفعاله , والفرد الحرّ عليه أن يختار، بل هو ملتزم أن يختار موقفه الذي يقرر مصيره ومصير البشر, كما لايوجد انفصال بين الفرد والمجتمع، والفردية مع هذا تبقى وفق هذا التصور هي المقابل للجمعية , لايوجد انفصال بين الروح والجسد، ولايعرف الوجوديُّ سوى واقعٍ واحد لايتجزأ هو الواقع الإنسانيّ والجماعة لاتلغي الفردية بل عليها أن تحترم تفتحها الذاتي مادامت لا تُصادر حرية الآخرين، وكلُّ لجمٍ لحرية الفرد أو إلزامٍ له بآراء شمولية جاهزة أو تعامٍ عن الفروق الفردية يعتبر ضرباً من الاستبداد والدكتاتورية , وبهذا يتضح كيف تختلف المنابع الفكرية لكل من الأدباء الوجوديين.
فنجد كير كيركجارد متحمّساً للمسيحية، ونرى كامو غارقاً في مأساة الوجود الإنساني وعبثية الأقدار والحياة وأجواء الكآبة والقرف واليأس. أما سارتر فقد نشر فلسفة الحرية والالتزام والمسؤولية والكفاح لأجل الجماعة والإنسانية متأثراً بمعاناة فرنسا من الاحتلال النازيّ، وإدراكه أن المصير متعلقٌ بالحرية، ولا مناص من المقاومة بكل الوسائل. وقد سادَ هذا الاتجاه ولقي قبولاً في كل أنحاء العالم الباحث عن الحرية المناصر لقضايا الشعوب المستضعفة, فلا غرابة أن يعدّ سارتر المعلم الأول للنزعة الوجودية المناضلة. وقد استمر هذا التيار إلى أواخر القرن العشرين واعتنقه كثير من الشبان المثقفين والثوريين, والنثر عند الوجوديين أداة كشف وتغيير، ويؤثر في الجماهير عن طريق الإقناع، والناشر كاتب حرّ يخاطب أحراراً ولكن لابد في النثر من الجمالية، وإلاّ فلا يكون أدباً, وجماليته ليست مقصودة لذاتها بل هي إضافية ومكمّلة ولا تنفصل عن الموضوع, والحكم الموضوعي هنا على العكس من الذاتي ينبع من نفس الموضوع والذات هنا أشبه بآلة تصوير تعكس الشيء عكسا مجردا عن الميول والعاطفة , والشخصيات بشر واقعيّون من لحمٍ ودم وروح، يعون قضايا الإنسان المعاصر بكثافة وعمق، ويُعانون الصراع في المجتمع لإثبات حريتهم والتمتع باختيار موقفهم ومصيرهم في هذا الكون المعقد، وإثبات إرادتهم الحرة، ومن ثم الالتزام الخاصّ وتحمّلُ مسؤولية القرار.
البحث عن إجابة فيما يتعلق بانتصار الإنسان أم انهزامه, يؤكد انه سوف يبقى هدف الفلسفة الوجودية رفض كل ما يمس فردا نية الفرد , هنالك اختلاف يطابق التفاؤل أو التشاؤم عند الكاتب, ومن المتفائلين سارتر مع انه يبرر اليأس الكامن في كتاباته بقوله:انه الاعتقاد في أن غاياتي, أهدافي الأساسية لا يمكن بلوغها وانه بالتالي يوجد في الواقع الإنساني فشل جوهري , كذلك يهتم الأدب الوجودي بأن يكون واضحا في الإشارة إلى أهدافه, ويتجلى ذلك حتى في محاوراتهم النقدية والفلسفية وليست الأدبية الدرامية فقط, فهنالك محاورة تصلح مثالا لهذا المدخل قد جرت بين سارتر واحد الماركسيين المتعصبين لفلسفة ماركس وللتوجه السياسي الشيوعي, يقول نافييل: أن الذين يريدون أن يفهموكم ويقصد الوجوديين سيفهمونكم, والذين لا يريدون أن يفهموكم لن يفهموكم , ويرد عليه سارتر بقوله: الفلاسفة اليوم نقلوا الفلسفة إلى الساحات العامة والأسواق وحتى ماركس نفسه والذي ينتمي إليه نافيل لم يتوان عن أن يدعوا إلى فكره ويعممه بين الناس من خلال المنشور الشيوعي , ومن السلبيين المتشائمين كامو, أما من حيث الشكل الفنّي للأجناس الأدبيّة، فالوجوديون ,شأنهم في ذلك شأنُ أدباء القرن العشرين, لايُقدّسون الأطر القديمة والأشكال الشائعة بل يعيدون النظر في كلّ الطرائق والأساليب ويحطمون المألوفات السابقة ويحاولون خلق تقنيات جديدة, لكنهم جميعاً متفقون على أن الجمالية عنصر ضروريٌ في الأدب شعراً ونثراً وتستمد من طبيعة الموضوع والمتطلبات الخارجية. ولذلك كثر التجريب، وولدت أنماط جديدة من المسرحية والرواية والشعر , وسنتناول عرض أهم نتاج الكتاب المسرحيين الوجوديين في الأدب المسرحي العالمي .
أن النصوص المسرحية التي سنتناولها هنا تعد علامات فارقة يستدل بها على الأدب المسرحي الوجودي العالمي, نظرا لأن كتابها اشتهروا بتوجهاتهم الفلسفية الوجودية, ولكون هذه النصوص تمثل خلاصة آرائهم من ناحية, وتعبر عن واقع الفكر الإنساني من وجهة النظر الوجودية من ناحية أخرى, لتحاكي العصر الذي تحول فيه الإنسان إلى مجرد شيء مادي يعامل مثل بقية الظواهر الطبيعية مختبريا , حتى أن اختيارهم كان لمواضيع حساسة ودقيقة جدا وتمثل عمقا وفهما عاليين للأزمة الإنسانية.
وهي مواضيع ترتبط ارتباطا وثيقا بأزمات العصر ومشاكله, فيقول سارتر: من المستحيل على الكاتب أن يتملص أو يفلت من الاندراج في العالم وتكون كتاباته تتميز بصفتين.. تفرد كينونتها وعمومية مراميها , ويقصد من ذلك أهمية أن تحتك الفلسفة الوجودية بالواقع من خلال الآداب والفنون.
وتجدر الإشارة إلى مقولة سارتر لتوضيح أهمية الاختيار عند الوجوديين: أن اختيارنا لنمط معين من أنماط الوجود هو بالوقت ذاته تأكيد لقيمة ما نختار لأننا لا نستطيع اختيار الشر بل ما نختاره دائما هو خير لنا بل لجميع الناس , و تنطلق النصوص التالية من دراسة ذات الإنسان أولا وأخيرا .
أن النص المسرحي الوجودي يميل إلى التعميم والشعبية, ويمتاز بصفة التغيير ومحاولة التأثير في الأوضاع وأحداث الانقلابات بين الجموع, وهو لا يعتمد على المحاكاة البلاغية ولا يقف على دعائم من التعبير اللغوي المنمق, فقد جاءت أعمال الوجوديين خالية من المحسنات اللفظية, وبهذا يتم إحالة الفكرة الفلسفية إلى واقع حسي ملموس , وهكذا تصل الفلسفة الوجودية لأبسط الناس بشكل يسهل فهمها, لكن هذا لا يعني إهمال الناحية الجمالية في الأسلوب الأدبي عند الوجوديين , بل يضع الشكل في المرتبة الثانية بعد المضمون, وواقعية عملية إدراك القيم من قبل الجمهور الذي يهدف إليه الأدب الوجودي إنسانيا.
حرص كبار المسرحيين في القرن العشرين على أن يفكروا تفكيرا مركزا عميقا عاكفين على دراسة المشاكل الاجتماعية الكبرى, وعلى أن يدفعوا المتلقي للتفكير بهذه المشاكل , وعلى رأسهم كتاب النص المسرحي الوجودي, أمثال مارسيل وكامي وسارتر. *للمزيد ينظر: سرمد السرمدي, تفكيك المسرح الوجودي, رؤية نقدية, المركز الثقافي للطباعة والنشر(بابل), مسجل لدى دار الكتب والوثائق العراقية, بغداد, رقم الإيداع 250 - السنة 2011م.
الكاتب
سرمد السرمدي
أكاديمي - ماجستير فنون مسرحية - كلية الفنون الجميلة - جامعة بابل
العراق