س/ ما الفائدة من علم الأدب ؟
ج/ (( أعظم فائدة من دراسة الأدب العربي الأصيل : ( معرفة لغات العرب ولهجاتهم وما كان منها فصيحا) ،وقد أثرى الأدب المعاجم بكثرة الألفاظ .
ويذكر من حرص (الحجاج) على اللغة أن تكلم عنده رجل أعرابي بكلمة على وزن ( فعلة ) بضم الفاء وسكون العين فقال له الحجاج : هذه الكلمة ليست موجودة في كلام العرب فأصر الأعرابي وقال : بل هي موجودة فغضب الحجاج وقال : اذهب وأتي بشاهد لها من كلام العرب وإلا فسأضرب عنقك فذهب الرجل يطلب في البوادي فقال : فلما كان ذات يوم وإذا بشاعر ينشد :
(ربَّما تجزع الُّنفوس من الأم ... ر له فرجةٌ كحلّ العقال )فطار بها فرحا .
فتأمل الأهمية ، حتى قال القائل : لو تركتم شعر العرب لضاع كثير من اللغة ؛ إذ القرآن لم يأت بكل اللغة .
وهناك ما يسمى (بأدب المفسرين ) وقد كان الإمام المفسر (الواحدي) يتعلم الأدب تعلما لغويا ، في حين أن زملاءه ذهبوا إلى شيخ المفسرين آنذاك (الثعلبي ) صاحب تفسير الكشف والبيان.
فقال له (أي للواحدي) أحدُهم : لقد سبقك زملاؤك باتجاههم للتفسير وأنت عاكف على دواوين العرب ! فإني أخشى أن يفوتك طلب علم التفسير على يد هذا العالم ! فقال الواحدي : إنما أدرس الأدب تأهلا وتأهبا لتفسير كلام الله ! ثم بعد ذلك ذهب الواحدي وطلب علم التفسير فصار أبرز تلاميذ الثعلبي ، بل فاق شيخه!!
فدونك تفسيريهما ( الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ) للواحدي و( الكشف والبيان )للثعلبي فأكثر من النظر فيهما لتعلم ذلك .
ومن فوائد دراسة شعر العرب :
أنه يرجع إليه في تفسير القرآن فتأمل قوله تعالى : ( طلعها كأنه رؤوس الشياطين )فشبه الله شجرة الزقوم برؤوس الشياطين مع أن العرب ما شاهدوا الشياطين ! فهذا التشبيه من تشبيه المحسوس بالمتخيل !
فلماذا جاء التشبيه هكذا ؟
قالوا : إن الله خاطب العرب بما عندهم فتأمل قول امرئ القيس :
أيقتلني والمشرفي مضاجعي*** ومسنونة زرق كأنياب أغوال
[شبه سنان الرمح بأنياب الغول ولم يرها]
وتأمل قوله تعالى :
{ يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنْتَصِرَانِ }
قوله: { وَنُحَاسٌ } جاء على أربعة معان :
أحدها : أنه الصفر المذاب على رؤوسهم ، قاله مجاهد ، وقتادة .
الثاني : أنه دخان النار ، قاله ابن عباس .
الثالث : أنه القتل ، قاله عبد الله بن أبي بكرة .
الرابع : أنه نحس لأعمالهم ، قاله الحسن .
فكيف الترجيح ؟!!
فبعد الرجوع إلى شعر العرب وجدناهم يقولون :
( والعرب تسمي الدخان نحاسا -بضم النون وكسرها-والقراء مجمعة على الضم، ومن النحاس بمعنى الدخان قول النابغة الجعدي:
[يُضِيءُ كَضَوءِ سراج السَّلِيـ ... ـط لم يَجْعَل اللهُ فيه نُحَاسا ]
فتأمل !!
ومن فوائد الأدب :
*دراسة التاريخ ، فقصيدة الشاعر أو نثر الناثر يدرس تاريخيا ويستنبط منه حياة المجتمع آنذاك . فهاهم البرامكة درس جوانب كثيرة من حياتهم عن طريق أدب معاصريهم .
وقد كان قبل قرنين بعض لغويي الغرب يدرس النصوص الأدبية وشرحها والتعليق عليها ؛ وكان من أهدافهم من هذه الدراسة اللغوية حل رموز عدد من اللغات القديمة وتفسيرها .
*تكوين ملكة التفكير وهذا مجرب .
*تجعل أسلوب الكتابة متينا لغويا رفيعا يستطيع من خلاله النفوذ إلى قلب القارئ ، وهنا يأتي الفرق بين شاعر وشاعر أو ناثر ومثله ؛ فإننا نلحظ أن الشعراء ليسوا في طبقة واحدة ؛ لأن الذي يقرأ ويوسع أفقه ومداركه يستطيع أن يأتي بمعان جديدة ، ويطوع الألفاظ لتأتي بسحر بياني ، وهذا مثل النهر الذي يفيض عليه الماء من كل جهة أهو أفضل أم نهر لايجري ، وليس له منافذ يؤتى إليه منها ؟!!
ملحوظة :
* يجب أن يلاحظ الفرق بين عصر وعصر فالجاحظ وعصره كان الأدب عندهم عفويا بغير تكلف ، ثم جاءت عصور تكلف فيها الأدب !
وليس التكلف مذموم بالاطلاق ؟!
فربما يكون التكلف محمودا فهانحن نتكلف في التجمل في المظهر فكما جاء عن بعض الصحابة : إن أحدنا يحب أن يكون ثوبه حسن ونعله حسنة فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : إن الله جميل يحب الجمال .
وعلى هذا يخطئ من يذم التكلف باطلاق ويبني على كلامه ذم الحريري وذم المنفلوطي والرافعي .
* ينمي عندك الحس الأدبي البلاغي فيصطبغ خطابك به عفويا ، ولإيضاح ذلك : تأمل هذه القصة :
يذكر أن ( الجزنائي ) الناقد المعروف في العصر الأندلسي جلس عند رجل يقال له (ابن رضوان) فأنشده ( أي ابن رضوان أنشد الجزنائي) مطلع قصيدة لبعض شعرائهم ، قال :
[لم أدر حين وقفت بالأطلال 0000 ما الفرق بين جديدها والبالي ]فقال الجزنائي على البديهة : هذا شعر فقيه !! فقيل له : وما أدراك ؟ قال : من قوله : ( ما الفرق ؟ ) وكان كما قال فالقائل فقيه .
فتأمل كيف أثر تعمقه في الفقه على أسلوبه ! وهكذا من أكثر من قراءة الأدب والبلاغة بصورتها الجميلة .
ودعنا نأخذ فنا من فنون الأدب وهو المسرحية فنجد أنها نص مكتوب انتقل إلى العيان . فالمسرحية - إن خلت من محظور شرعي- إذا مثلت لمسنا نتائج مبهرة كانت مسطرة في الكتب وخصوصا إذا كانت تتعلق بإصلاح اجتماعي أو نحوه ، فمثلها مثل علم البيان إن أحسن البليغ في مواضعه .
والأدب بأنواعه هو أقدر الفنون على إيصال ما يراد إيصاله ؛ ولهذا نلحظ أن الفقهاء الأدباء أفضل من الفقهاء الجامدين وكذا المفسرين كما ذكرت ، فهذا ابن رشد الفقيه المالكي فيلسوف أديب ، كتابه ( بداية المجتهد ) كتاب فقهي متدثر بلحاف أدبي فلسفي ، ولا ننسى أبدا أديب الفقهاء الشيخ علي الطنطاوي .
خاتمة :
يقول الشافعي :
(درست الأدب عشرين سنة لأخدم الفقه )
لفتة / لا بد أن نؤمن أن الإنتاج الفكري الأدبي مقدمة للانتاج الصناعي .
ومن المتخصصين نفيد فما أنا إلا متطفلة على موائد الأدباء فأجبت عنهم .
أنت....لا تمرّ مرور الكرام...أفدنا برأيك