بسم الله الرحمان الرحيم :
أحقُّ أنهم دفنوا عليَّا
أحقُّ أنهم دفنوا عليَّا وحطُّوا في الثرى المرءَ الزكيّا؟
فما تركوا من الأَخلاق سَمْحاً على وجه التراب، ولا رضيَّا؟
مضوا بالضاحك الماضي وألقوا إلى الحُفَر الخَفيفَ السَّمْهَرِيَّا
فَمَنْ عَوْنُ اللغاتِ على مُلِمٍّ أصاب فصيحها والأعجميَّا؟
لقد فقدتْ مصرفها حنيناً وبات مكانُه منها خَلِيَّا
ومن ينظرْ يرَ الفسطاطَ تبكي بفائضة ٍ من العَبَرَاتِ رِيَّا
أَلم يَمْشِ الثرى قِحَة ً عليها وكان رِكابُها نحوَ الثُّرَيّا؟
فنَقَّبَ عن مواضعها عَلِيٌّ فجَدَّدَ دارساً، وجَلا خَفِيّا
ولولا جُهْدُهُ احتجَبَتْ رُسوماً فلا دمناً تريكَ لا نؤيَّا
تلفَّتَتِ الفنونُ وقد تَوَلَّى فلم تجد النصيرَ ولا الوليّا
سَلوا الآثارَ: مَنْ يَغدو يُغالي بها، ويروحُ مُحتفِظاً حَفِيَّا؟
ويُنْزِلُها الرُّفوفَ كجوهريٍّ يصففُ في خزائنها الحليَّا؟
وما جهلَ العتيقَ الحرَّ منها ولا غَبِيَ المُقَلّدَ والدَّعِيَّا
فتى ً عاف المشاربَ من دنايا وصان عن القَذَى ماءَ المُحَيَّا
أبيُّ النفسِ في زمنٍ إذا ما عَجَمْتَ بنيهِ لم تجِدِ الأَبِيَّا
تعوّدَ أن يراه الناس رأساً وليس يرونه الذنبَ الدنيَّا
وَجَدْتُ العلمَ لا يبني نُفُوساً ولا يغني عن الأخلاقِ شيَّا
ولم أَر في السلاح أَضلَّ حَدّاً مِنَ الأَخلاق إنْ صَحِبَتْ غَوِيَّا
همَا كالسيف، لا تنصفهُ يفسدْ عليكَ، وخُذْهُ مُكتمِلاً سَوِيَّا
غديرٌ أَترعَ الأَوطانَ خيراً وإن لم تمتلىء منه دويَّا
وقد تأتي الجداولُ في خشوعٍ بما قد يعجزُ السَّيلَ الأتيَّا
حياة ُ مُعَلِّمٍ طفِئَتْ، وكانتْ سراجاً يعجبُ الساري وضيَّا
سبقتُ القابسين إلى سَناها ورحتُ بنورها أحبو صبيَّا
أخذتُ على أريبٍ ألمعيٍّ ومَنْ لكَ بالمعلِّم أَلْمَعِيَّا؟
ورب معلِّمٍ تلقاه فظَّا غليظ القلبِ أَو فَدْماً غَبيّا
إذا انتدب البنون لها سيوفاً من الميلاد ردَّهُمُ عِصيَّا
إذا رشد المعلمُ خلوا وفاقوا إلى الحرية کنساقُوا هديَّا
أناروا ظلمة َ الدنيا، وكانوا وإن هو ضَلَّ كان السامِريَّا
أرقتُ وما نسيتُ بناتِ يومٍ على «المطريّة » کندَفعَتْ بُكيّا
بكَتْ وتأَوَّهَتْ، فَوَهِمْتُ شَرّاً وقبلي داخل الوهمُ الذَّكيا
قلبتُ لها الحذيَّ، وكان مني ضلالاً أَن قلبتُ لها الحذيَّا
زعمتُ الغيبَ خلفَ لسانِ طيرٍ جَهِلْتُ لسانَه فزعَمْتُ غيّا
أصاب الغيبَ عند الطير قومٌ وصار البومُ بينهم نَبيّا
إذا غَنّاهمُ وجدوا سَطِيحاً على فمه، وأفعى الجرهميَّا
رمى الغربانُ شيخَ تَنُوخَ قبلي وراش من الطويل لها دَوِيَّا
نجا من ناجذيْهِ كلُّ لحمٍ وغُودِرَ لحمهُنَّ به شَقِيَّا
نَعَسْتُ فما وجدتُ الغَمْضَ حتى نَفَضْتُ على المَنَاحَة ِ مُقْلَتَيّا
فقلتُ: نذيرة ٌ وبلاغُ صدق وحقٌّ لم يفاجىء مسمعيَّا
ولكنَّ الذي بكتِ البواكي خليلٌ عزَّ مصرعه عليَّا
ومَن يُفجَعْ بِحُرٍّ عبقريٍّ يجدْ ظلمَ المنيّة ِ عبقريَّا
ومن تَتراخَ مُدَّتُه فيُكثِرْ من الأَحبابِ لا يُحْصِي النَّعِيَّا
أخي، أقبلْ عليَّ من المنايا وهاتِ حديثك العذبَ الشهيَّا
فلم أَعدِم إذا ما الدُّورُ نامت سميراً بالمقابر أَو نَجِيّا
يُذكِّرني الدُّجَى لِدَة ً حَمِيماً هنالكَ باتَ، أو خلاًّ وفيَّا
نَشَدْتُكَ بالمنيّة وهْيَ حقٌّ أَلم يَكُ زُخْرُفُ الدنيا فَرِيَّا
عَرفْتَ الموتَ معنى ً بعد لفظٍ تكَّلمْ، وأكشفِ المعنى الخبيَّا
أتاك من الحياة الموتُ فانظرْ أَكنتَ تموت لو لم تُلْفَ حَيَّا؟
وللأشياءِ أضدادٌ إليها تصير إذا صَبَرْتَ لها مَليَّا
ومنقلبُ النجومِ إلى سكونِ من الدَّوَرانِ يَطويهنّ طيَّا
فخبِّرني عن الماضين؛ إني شددتُ الرحلَ أنتظرُ المضيَّا
وصفْ لي منزلاً حملوا إليه وما لمحوا الطريقَ ولا المُطِيّا
وكيف أَتى الغنيُّ له فقيراً وكيف ثوى الفقير به غنيَّا؟
لقد لَبِسوا له الأَزياءَ شتَّى فلم يقبل سوى التَّجريدِ زِيَّا
سواءٌ فيه مَنْ وافى نهاراً ومنْ قذف اليهودُ به عشيَّا
ومنْ قطع الحياة صداً وجوعاً ومنْ مرتْ به شبعاً وريَّا
ومَيْتٌ ضَجَّتِ الدنيا عليه وآخرُ ما تحسنُّ له نعيَّا