السفير :اسمك وتاريخ ومكان الولادة
المواطن :اسمي أحمد محمد جاسم بن يعرب بن قحطان من قبيلة كنعان من اليمن ذات أصول شامية وجذور مصرية , وصوت مغربي ولهجة عراقية , وتاريخ الولادة 0-0 -0000
السفير : سمعت أنه عندك حالة خاصة ومهمة , ولا تحل إلا بمقابلة السفير , فهل لي أن أعرف ما هي قضيتك ؟
المواطن : أنا ولدت من أبوين كريمين , وغرسا في عقلي الحرية والحب والتضحية في سبيل الوطن , وعشت على عشقه , وعشق ترابه وأهله وبحاره وأنهاره وحتى حشراته أحبها لأنها تشترك معي في حب الوطن
السفير : هذا واجب على كل مواطن حر يعيش في بلده ووطنه , وما الغريب في ذلك؟
المواطن : الغريب في الأمر أنني مساق الآن لطريق آخر , طريق ينفي عني كل المقدمة التي نطقتها , طريق يقول لسالكه :
تخلع عنك ثوب الحياء وتنزع عنك الكبرياء , وتنكر التراب الذي منه نشأت , وتكون عونا على تلويثه , وهداما لبنائه وتنشر عنه كل رزيلة فيه إن كانت ظاهرة أو مخفية , وسوف تلعن كل خير فيه , وحتى الذي كنت له بمنزلة الروح للجسد
السفير هل أفهم منك أنك تسير في طريق العمالة والتجسس ضد الوطن ؟
المواطن: العمالة تحمل معنيين
الأول :أن يكون عميلا في مكان يحمل في عقيدته وتصرفاته وسلوكه الشر إليك , وهنا العمالة محمودة , والتضحية تكون رائعة ولو حصل بنهايتها على الهلاك
والثاني : العمالة ضد النفس في الجسم الذي يحمل حب الوطن والأهل , عندها تكون العمالة مزمومة ولن يتم تأبينه ولا حتى الرحمة عليه , ممن خانهم وممن تعاون معهم , فهو في النهاية جاسوس , فالذي يخون أحب الناس إليه , فمن السهل أن يخون من هم أبعد من ذلك بكثير
السفير : وما الغريب في قولك , وهل جئت حتى تلقي علي درساً في الإخلاص للوطن ؟
المواطن : أرجو أن تسمعني , بعد أن تنازلت وسمحت بمقابلتي , وهي فرصة لن تتكرر بعد ذلك حسب اعتقادي
ولن أطيل عليك كثيراً , ولكن عندي سؤال
أود من شخصك الكريم أن تعطيني تصنيفا , هذا التصنيف يقع تحت عنوان
هل أنا جاسوس ؟
السفير:خرج عن هدوئه وملله من الحديث السابق واعتدل في مجلسه , وفغر فاه , وفجر عينيه وقال :
هل أنت جاسوس ؟
وتعترف أمامي وتنطق فيها بكل وقاحة , وكأنك قمت بعمل بطولي يفتخر كل شخص حتى الذي حمل اليأس نفسه وأحاط فيها من كل جانب , ليراها بقعة ضوء في كيانه وحوله المظلم
على مهلك يا سيادة السفير , لم أقل أنني عميل ولا متعامل مع العدو , وإنما سألتك فقط
ولكن عندما أسأل نفسي , أجد الجواب أنني بالفعل مواطن باع نفسه , في عرض ليس له معنى يخلي ضميره من أي تأنيب , صغير أو كبير , مبررا ذلك بقدر أصابني , ولا أعرف أن هذا القدر من صنع يدي أم هو من صنع غيري , أم هو قدر علوي لا مفر منه , كالبراكين والزلازل والفيضانات
ولكي أخرج من حيرتي هذه , طلبت مقابلتك لكي أستعين برأيك في أنك تمثل الوطن , ومندوبا عنه وتمثله في كل شؤونه
وأعلم أن الشخص الذي يتعامل مع دولة أجنبية , ضد وطنه الأم مصيره الإعدام , وهو حكم منطقي جدا , ويكون الحكم عادلا
في المقابل يا سيادة السفير , عندما تزرع شجرة عليق فلن تكون شجرة موز , ولن تحصد إلا ما زرعت , و سؤالي التالي هو:
ما الذي يجبر كم على زرع الجواسيس أمثالي , في بلاد لم تقدم لنا إلا الشر والتفرقة وسفك الدماء والفقر , وتدفعوننا دفعا قويا وتلاحقوننا بجميع أنواع الأسلحة , والإرهاب والقتل والتعذيب حتى نكون جواسيس في تلك البلاد ؟
فلو كان العمل لصالحكم , لكان الأمر سهلا وعملا تطوعيا يحمل في طياته كل الخير للوطن , بينما أنتم تدفعوننا وتلاحقوننا بكل تلك الشدة والغلظة , لنكون جواسيس لهم عليكم وعلى أنفسنا , وأهلنا وبلادنا
فلقد وضعتم القانون في مكب النفايات , واشتريتم القضاة بسهرات البغاء , وحولتم الناس لدمى تسير باتجاه واحد , لا تلتفت يمينا ولا شمالا , كأنها دواب مكدونة للحراثة والسوط يلسع فيها , وإن اعترض أحدهم , وضع هو وعائلته وأصدقاؤه في الدائرة الحمراء المحيطة بحفرة وعليها (كل نفس ذائقة الموت) , وإن أفلت وخرج من تلك الدائرة تحرموه من أي وثيقة تعبر عن انتمائه لوطنه ومولده وسكنه وتاريخ ميلاده وحتى اسمه يذهب مع الريح
وهنا لم يجد أمامه إلا المحفل الصهيوني المسيطر على مجلس الأمن , والذي يدير شبكة مفوضية اللاجئين للأمم المتحدة , يهرع إليك بسرور وترحيب
فهل تعرف يا سيادة السفير , سبب ذلك الترحيب في البداية , وبعدها يركنون الشخص على رفوف الإهمال سنوات وسنوات ؟
فهل تقول لي مع ما قدمته من معلومات قد تكون صحيحة , وقد يكون البعض منها مفترى على الوطن , ليكون متناسبا مع هوى المحققين لكي أحصل على اللجوء
قل لي أرجوك
هل أنا جاسوساً أم لا ؟
فقال السفير , عندما سئل أحد المبشرين الأوربيين , لماذا تركتم بلادكم وذهبتم للشرق تبشرون بالمسيحية , والكنائس عندكم شبه خالية , فقال: المسيحية جاءتنا من الشرق ولا بد لنا من رصيد دائم
ونحن ليس عندنا إمكانيات التماشي مع الحضارة والتي انطلقت من الغرب , ليكون لنا فيها رصيد في المستقبل , وبهذه الطريقة نتخلص من شروركم , وتكونون دليلا ماديا أمامهم على إخلاصنا لهم واستمرار دعمهم لنا , وفي نفس الوقت نتخلص من عبئ تكاليف البعثات العلمية
فقال المواطن الآن فهمت
وسيبقى الشك عندي , هل أنا ..................
د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري