تاريخ اول مدينة اسلامية في الجزائر مدينة ميلة منذ ماقبل التاريخ الى العهد العثماني
ميلة في:
ميلة ملكة الحبوب و الحليب~~
يرجع تاريخ ميلة إلى العصر الحجري الحديث حيث يوجد بالولاية احد أهم مواقع ما قبل التاريخ في الجزائر،نحص بالذكر موقع مشتى العربي قرب شلغوم العيد أو بالأحرى إنسان مشتى العربي الذي يعود إلى الحضارة الابيرومغربية في شمال إفريقيا. أما عن مدينة ميلة فقد تم اكتشاف أدوات صوانيه في السهل الشمالي الغربي الممتد بين المدينة القديمة وواد بوخنزير ووادي مخزود وهي ذات أحجام مختلفة(01).
برزت ميلة في العهد النوميدي كإحدى أهم المدن التابعة لماسينيسا حيث تذكر المصادر أنها كانت إحدى المقاطعات تدعى ميلو نسبة إلى ملكة كانت تحكمها
في العهد الروماني وفي عهد يوليوس قيصر ظهرت ميلاف كواحدة من المدن الأربع التي تشكل الك ونفدرالية السيرتية تحت حكم ب.سيتيوس نيكرينوس وحملت لقب كولونيا وقد ذكرت في العديد من الناقشات الأثرية بعدة تسميات منها :
Milev, Mulium, Molium, Médius, Milo, Milah ou Mila
أما عن أصل التسمية فقد اختلفت الآراء والتأويلات، ولكن اتفق جل الباحثين على أن أصلها امازيغي ميلاف تعني الألف ساقية أو الأرض المسقية . وميلو تعني الضل في اللغة الامازيغية وميديوس تعني المكان الذي يتوسط عدة أمكنة وهو مشتق من موقعها الجغرافي حيث تتوسط أهم المدن القديمة
يقول بلين ((كانت ميلاف أولا قلاعا حربية لحماية سيرتا ثم اخذ ت في التوسع إلى أن أصبحت في عهد الإمبراطور تراحان (98 ـ117م) شبيهة بسيرتا ))
في القرن الثالث الميلادي ظهر اسم ميلاف لأول مرة في كتابات القديس سيبيريان أثناء المجمع الكنسي الذي عقد بقرطاج في 01 سبتمبر سنة 256 م ، وفي سنة( 360 م )اشتهرت المدينة من خلال القديس أوبتا الذي كان حليفا للقديس أوغسطين ضد القديس دوناتوس او المذهب الدوناتي المناهض للكنيسة الكاثوليكية ، وتشيرا لمصادر عن مؤتمرين عقدا بميلاف الأول سنة( 402 م) والثاني الذي ترأسه أوغسطين بنفسه عقد سنة( 416 م) وقد بنيت بها واحدة من أقدم الكنائس في الجزا ئر.(02)
وبعد انحطاط الإمبراطورية الرومانية وانشقاقها زحف الو ندال إلى بلاد المغرب ومكثوا في الإقليم الشرقي حوالي قرن من الزمن ويحتمل ان ميلاف قد أخضعت سنة( 445 م) من طرف القائد الوندالي بيليزار الذي جعلها مركزا لمراقبة باقي الأقاليم المجاورة.
استولى البيزنطيون على المدينة سنة( 539ـ540 م) ونظرا لأهميتها الدينية والإستراتيجية جعلوا منها المدينة القلعة حيث قام القائد سولومون ببناء السور المحيط بالمدينة ودعمه بـ 14 برج للمراقبة وضم أهم معالم المدينة الرومانية.
أي ان القديس او الراهبVille évêchéوقد كان للمدينة في العهد البيزنطي دور ديني بالغ الأهمية
هو السلطة الحاكمة في المدينة
واستمر ذلك حتى الفتح الإسلامي سنة( 674 م) أي سنة( 55 هـ) أين دخلها الصحابي الجليل أبو المهاجر دينار فاتحا مقيما بها أول مسجد بالجزائر الثاني في بلاد المغرب بعد مسجد عقبة بن نافع بالقيروان التونسية.على انقاد الكنيسة الرومانية فكانت تنطلق منها الفتوحات الإسلامية نحو باقي الأقاليم وعند فتحها أطلق عليها اسم ميلاح ليسهل نطقها واستمر الاسم متداولا إلى أن جاء الفرنسيين أين أصبحت ميلة الحالية اختصارا لنطقها في الفرنسية MILA-H- . < BR>VIRE(camille). Notice sur quelques silex taillés trouvés àMila,RSAC ,28,1893,PL. ,P .,P .33 - 01
S.Gsel ; A.A.A. F 17 P -02
اهتم المؤرخون بتاريخ دخولها إلى حظيرة الإسلام والعروبة فقد خصها المؤرخ المصري أبو المحاسن الثغري بردي (874هـ/1469م) صاحب كتاب النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة حيث حدد فيه اسم القائد الذي فتحها وهو أبو المهاجر دينار (55هـ ـ62هـ/675ـ682م) وقد تقلد إدارة ولاية المغرب وقيادة الجيش فيه.بعد ان ابعد معاوية ابن ابي سفيان(41هــ ـ61هـ/661ـ681م) عقبة بن نافع الفهري عن افريقية ، وعزل معاوية ابن حديج السفوكي عن مصر وعين مكانه مسلمة ابن مخلد الأنصاري،ويقال انه أول من جمعت له ولاية مصر والمغرب في ولاية واحدة،ومن ثم ولى له مولى يدعى أبو المهاجر الذي وصل إلى المغرب سنة (55هـ/675م ) (01) وبعد وصوله قام بإنشاء قاعدة جديدة مرتبطة باسمه،كان مقرها وسط البربر الذين تعاونوا معه على وضع نواة معسكره الجديد. وقد أراد بهذه المبادرة أن يشاركه السكان المحليين في عمليات الفتح وهكذا يكسب نفوسهم وولاءهم إلى أن وصل إلى ميلة التي فتحها سنة (59هـ/679م) التي جعلها عاصمته ومقر قيادة الجيوش الفاتح ة وقد أقام بها سنتين وسط أهل كتامة وقام بتشييد دار الإمارة ومسجدا للمسلمين ،إلى أن استشهد رفقة الصحابي عقبة ابن نافع في معركة تهوده الشهيرة.
لقد انتقل إلى ميلة في ذلك الوقت الدور الذي كانت تلعبه قسنطينة قبل الفتح وصارت في ظرف قصير مقرا إداريا وعسكريا له أهميته
لم تسلم المدينة مثلها كباقي الحواضر الإفريقية من التيارات الفكرية والمذهبية التي سادت المنطقة في القرن الثاني(2هـ) الثامن ميلادي( 8م) على الرغم من أن المذهب السني بقي السائد فيها أما المذاهب الأخرى فوردت إليها عن طريق النازحين من المشارقة وخاصة منهم فرقتي الخوارج الصفرية والاباضية الذين استقلوا بالمغرب الأقصى والأوسط عن الخلافة الأموية بعد ثورة سنة( 122هـ/739م) والتي على إثرها قام أمير افريقية عبد الرحمان الفهري بمحاربتهم وعين على المناطق الحساسة قادة عسكريين من بينهم مصال ابن حماد الذي تمكن من إبعاد خطرهم إلى أن حكمها الاغالبة الذين افقدوا المدينة أهميتها السياسية وأصبحت في ظل حكمهم جزءا من إقليم الزاب .
وفي سنة( 288هـ/900م) دخل أبو عبيد الله الشيعي بلاد كتامة وعرف من شيوخها أنها تستمتع باستقلالية في تسيير شؤونها وان صلتها بالسلطة في القيروان كانت ضعيفة خاصة سكان البداوي ،فشجعه ذلك على الاستقرار في ارض كتامة وانتشر نشاط هذا الداعية حتى في مدينة ميلة التي اقام بها فترة (*)مما جعل الحاكم الاغلبي موسى ابن العباس ابن عبد الصمد( 261هــ ـ289هـ/876م ـ902م )يسعى إلى ملاحقته والقبض عليه ، لكن أبا عبيد الله كان مدعوما بالقبائل الكتامية التي ساندته فقاتله وزحف إلى المدينة مستغلا قلة حاميتها التي كانت ضمن الجيش الفاتح لصقلية فدخلها بأمان وولى عليها أبو يوسف ماكنون ابن ضارة الاوجاني الايكجاني ،ثم عاد إلى قاعدته بتازروت (عين الملوك) ولما سمع زيادة الله الاغلبي جهز جيشا واتجه نحو تازروت فوجدها خالية فأمر بتهديمها وإحراقها .و واصل سيره نحو ايكجان أين حاصره الكتاميون وهزم الجيش الاغلبي وتوالت هزائم الاغالبة وانتصارات الفاطميين إلى أن دخل الداعية الشيعي القيروان واسقط الدولة الأغلبية سنة (298هـ/908م) (02) ومن ثم نخلص إلى القول أن ميلة كانت أول مدينة أغلبية تسقط في يد الفاطميين .ونقطة انطلاق وبداية حضارة امتد نفوذها إلى الشام ومصر وبسطت سيطرتها على البحر المتوسط والأقاليم المجاورة بعد تكوينها لأقوى أسطولين في تلك الفترة قوام الأسطول الواحد 260 سفينة تاركة
(*). أصاب ابا عبيد الله الشيعي مرض فنصحه الأطباء بالنزول الى مدينة ميلة للمداواة بمياهها من نبع ابي السباع (العين الرومانية) التي لها ميزة الشفاء وقد اقام بفندق فرجون مولى الحاكم ابو العباس.
01ـ فيلالي(عبدالعزيز) مدينة ميلة في العصر الوسيط (دراسة سياسية،ثقافية،ادارية،عمرانية)، دار البلاد للاتصال، قسنطينة،
ص 09ـ12
02 ـ لقبال(موسى) دور كتامة في تاريخ الخلافة الفاطمية (متذ تأسيسها الى منتصف القرن 5هـ/11م)، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر 1979،ص 58.
ـ
أعمالا يشهد التاريخ لها منها مدينة القاهرة وجامع الأزهر ، والكثير من الانتاجات الفكرية والفنية .
وبعد انتقال الخليفة المعز لدين الله الفاطمي (352ـ365هـ /953ـ975م) إلى مصر سنة (361هـ/971م) ترك ولاية المغرب إلى بلكين ابن زيري وانتقل الحكم إلى الحقيريين حيث تذكر المصادر أن سكان ميلة
قاموا بثورة ضد الحاكم الزيري المنصور ابن ابي الفتوح سنة (378هـ/988م) وامتنعوا عن دفع
الضرائب وكان ولاءهم ضعيفا لان كتامة ترى أن الحكم أحق إليها من الحقيريين الصنهاجيين باعتبارهم ساهموا في بناء الدولة الفاطمية وأصحاب انتصاراتها في المشرق والمغرب (01)، فزحف إليهم الحاكم بجيش كبير أرعب أهل كتامة ولكنه أوقف الزحف واتخذ قرار تهجير الأهالي وطردهم الي باغاي قرب مدينة خنشلة الحالية وبقيت ميلة خالية من السكان لفترة من الزمن ،وفقدت أهميتها السياسية والعسكرية ن ثم أعيد اعمارها وأصبحت تخضع لحاكم قسنطينة . وقد قال عنها الرحالة العبدري (( وكفى ببلاد خلاء وفناء ، الا يحوي ما يوصف الا ماء وبناء)).(02)
رجع إلى مدينة ميلة بريقها ابتداءا من القرن الخامس الهجري الحادي عشر الميلادي(5هـ/11م) أثناء حكم الحماديين فانتعشت فيها العمارة وتطورت التجارة وعرفت في ظل الحكم الحمادي نهضة اقتصادية ونشاط تجاري معتبر ساعدها في ذلك الأراضي الزراعية الخصبة المحيطة بها وموقعها في ملتقى الطرق الرابطة بين المدن الساحلية والداخلية ،وقد وصفها الرحالة البكري بقوله (( من غرر مدن الزاب)) وعنها قال الإدريسي (( أشجارها وفواكهها كثيرة ومياهها غرفة وأهلها أخلاط البربر جملة والعرب تحكم بخارجها ))
أما في العهد الموحدي (524ـ558هـ /1130ـ1163م) فقد تراجع دورها الإداري والعسكري وخلفتها قسنطينة في ذلك الدور ولكنها ظلت تحت تأثير الأحداث التي تجري حولها لاسيما الحروب التي قامت ضد الموحدين وظلت المدينة تخضع للحكم الموحدي سبعين عاما (70) ولكن ضعف الدولة الموحدية بعد وفاة الحاكم الموحدي يعقوب المنصور وانهزام المسلمين في معركة العقاب سنة (609هـ/1212م) أدى إلى انقسام بلاد المغرب إلى ثلاث دول في النصف الأول من القرن السابع الهجري (7هـ) الثالث عشر ميلادي (13م) وهي الدولة الحفصية (تونس) الزيانية(تلمسان) المرينية(فاس)
وكانت ميلة تابعة الى الدولة الحفصية حيث استطاع أبو زكريا يحي الحفصي (625ـ647هـ/1228ـ1249م) أن يستولي على بلاد كتامة وحواضرها سنة 628هـ/1231م) وأصبحت مدن الشرق الجزائري تخضع للنفوذ الحفصي وكانت قسنطينة عاصمة الإقليم وميلة تدور في فلكها ،وتتبعها مباشرة وقد حدد حسن الوزان في القرن التاسع الهجري (9هـ/15م) مقدار خراجها بحوالي أربعة آلاف دينار ،وعدد سكانها نحو( خمسة عشر ألف نسمة يسكنون بنحو ثلاثة آلاف منزل ) وظلت على هذه الحال إلى أن دخلها الأتراك خلال القرن العاشر الهجري(10هـ/16م)(03)
أما في العهد العثماني فقد كانت ميلة تابعة لبايلك الشرق تخضع لسلطة داي قسنطينة وتذكر المصادر أنها كانت تلعب دورا اقتصاديا هاما فهي مخزن الداي وتضم عدة معالم تعود إلى فترة الحكم العثماني ،ل عل أهمها قصر الأغا بفرجيوة ،مسجد سيدي بويحي ومسجد الرحمانة وكذا القصبة القديمة .
01ـ.ابن خلدون(عبد الرحمان) ،تاريخ ابن خلدون ج6،ص155.
02ـ لقبال(موسى ) المرجع السابق،ص151.
03ـ فيلالي (عبد العزيز)، المرجع السابق،ص31.