دراسة نقدية تحليلية في قصيدة "هيمنات من ظلال البدايات" للشاعرة لطيفة حساني

بسم الله الرحمان الرحيم :
دراسة نقدية تحليلية في قصيدة "هيمنات من ظلال البدايات" للشاعرة لطيفة حساني
اعداد الاستاذ:شموري وليد
لطيفة حساني شاعرة جزائرية من مدينة بسكرة،نلتقي معها هنا في قصيدتها التي تحمل احاسيسا كثيرة قد لا تبعث على التفاؤل،انّها تبحث عن عالم السعادة او عالم المثل،وهي اتحفتنا بقصيدة جميلة ذات نغمة وجدانية وطابع فلسفي تحت عنوان" هيمنات من ظلال البدايات"فجاءت خليلية الوزن تخاطب النفس البشرية وتحكي قصة امراة اضاعت السعادة فانصرفت صوب التامّل وادركت ان التخلص من المكبوتات انما يكون فقط من خلال التخلص من مسبباتها.
اللغة:
يمكن القول ان الشاعرة لطيفة حساني استطاعت ان تختار جدولا شعريا مناسبا لجوّ القصيدة،فقد تخيّرت كلمات الّفت من خلالها لغتها الشعرية،مراعية بذلك المعجم الشعري الذي يخضع لسلطة القارىء وحركة القراءة ،فجاءت لغة القصيدة في تركيبة جمالية ذات طاقة وجدانية وانفعالية عميقة متآلفة ومنسجمة،حيث نجحت الشاعرة في تحريك وجدان القارىء بلغة السهل الممتنع ،بلغة محكمة البناء سلسلة غير مستثقلة مستخدمة بذلك عدة معاجم مثل معجم الطبيعة،معجم الحزن،ومعجم الماديات،ولعل ما يستوقف القارىء في هذه القصيدة قوة وروعة سبك الالفاظ والعبارات التي تتجلى في الحوار النفسي في القصيدة.
جماليات النص الشعري:
ما يحسب للشاعرة لطيفة حساني هوقدرتها الكبيرة في تسخير الابعاد الجمالية والفنية في نصها الشعري،مما جعل منها نصا متجددا في كل وقت وحين،ما يجعلنا نقول ان لهذه القصيدة عالمها الخاص،الذي لا يرتبط بزمن او مكان محددين ،انّه نص مفتوح الافق على قيم جمالية وعاطفية في دفق شعوري فيّاض وتكريب فنّي متميّز،واستحالت القصيدة بذلك من كونها مجموعة من الصور البيانية الى حالة شعرية تنبع من اعماق ذات الشاعرة والمتخيّلة في ذهن المتلقّي فكانت غنية بالصور البيانية ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:"وهو انفاس المواويل" "يا زيت القناديل""ايقونة اسرت بين التماثيل""يا نورسا صبوات البحر تذكره" ادبر القمر الغرّيد مبتسما"مما يدل على قدرة الشاعرة الكبيرة في بناء الصورة الشعرية وتجسيدها من خلال اختيار الالفاظ لكي تباشر حواسّنا بغرض التاثير فينا في انسجام تام بين الالفاظ والمعاني.
البنية الايقاعية:
تتجلى النغمة الموسيقية بوضوح في القصيدة التي بين ايدينا،فالشاعرة تمتلك نفسا طويلا وهذا ما يفسّر اختيارها لتفعيلات البسيط مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن،ومن المعلوم ان الايقاع له اهمية بالغة في موسيقى الشعر،ولطيفة تمتلك ايقاعا موسيقيا رفيعا،جعلها تحكم السيطرة على مفردات اللغة الشعرية وموسيقاها محققة انسجاما بين الحروف والمقاطع باحثة في الوقت ذاته عن التجديد في المعاني ،حيث تمكنت الى حد بعيد من خلق علاقات متناغمة ومنسجمة مع المتلقي لذا يمكن القول انّها عارفة بالشعر والعروض حق المعرفة.
تحليل القصيدة:
تبدا الشاعرة قصيدتها بقولها:
يا واجـــــما وهْـــو أنفــاس المواويــلِ*** أضــاعــــــك الضـوءُ يا زيت القناديلِ
في جوفــك الشوك والأزهار تــنثرها *** وثــــوبك الــخوف من نــــأي وتأجيل
انّها تحاول مخاطبة الذات مستعملة النداء واسلوب الوصف ،مادحة تلك الذات والتي بالرغم من كونها جميلة وطيبة الا انها تبقى عابسة وحزينة وخائفة من المجهول حيث شبهتها بانغام وانفاس المواويل تارة وبالزيت الذي يشعل القناديل ليضيء تارة اخرى،تلك الذات التي تنثر الورود رغم كل ما تعانيه من الم وترتدي ثوب الخوف من رفض السعادة وتاجيلها.
ثم تقول:
حــُمّ القـضاء وهــدتـــنا مخـــاوفــــنا *** وســـكرة المــوت إدراك المــجاهــيل
سرنا وراء ظلال الــروض تجـــذبنا *** ليـــُكشـف الحسن تمــثيلا بتمـــــثيل
وعدت من حيث بي تغريبتي عصفت *** أيـــقونة أُسِـــرَت بــــين الـــتمـاثــيل
هي تحاول من جديد العودة الى الواقع بعيدا عن الغوص والتامل فنجدها تتحدث عن القضاء او المصير المحتوم وعن الخوف الذي يضعف الذات الانسانية وعن هادم اللذات"الموت" وهو الحقيقة التي لا مفر منها،وهي تحاول ايضا الاقتراب من السعادة والتي وصفتها ها هنا بالروض الجذاب لكنها لا تستطيع لتعود ادراجها من جديد الى عالم الاسر والجماد والسكون والحزن الذي وصفته "بالتماثيل" رغم كونها ايقونة جميلة.
ثم تقول:
ماذا أخــــذت إذا مـا الظـــــل أتبعه *** قد أبدع الظل في تيهي وتضلـــيلي
تـــــركت زنـــزانة الصلصال واهمة*** وزجّني الحمق فيها دون تفـصـــيل
يا نــــــورسا صبوات البـــحر تذكره*** ولــــــم يزل وده بعض الأقـــاويل
وتتساءل الشاعرة هنا بغرابة شديدة عن السبب الذي يجعلها تنساق وراء احزانها ومكبوتاتها وتشاؤمها في الحياة وعن الفائدة التي حققتها من وراء ذلك معترفة ومدركة ان تلك الاحزان قد ابعدتها عن السعادة الحقيقية في الحياة،ثم تعبّر عن فرارها من محيطها الى حرية العقل وقاصدة من خلال قولها زنزانة الصلصال اي الجسم البشري والمحيط المادّي وان الحمق هو من زجّها وحصرها في زنزانة الصلصال، مشبهة احباءها بالنورس وان حبهم كان ولا يزال مجرد اقاويل وتعرض الشاعرة لعاذليها ولوّامها والظاهر انّهم من اقرب الناس اليها او من احبّتها وتحملهم جزءا كبيرا من مسؤولية الضعف الروحي والتفكير المادي البحت والذي يحول بينها وبين سعادتها لتخبرهم انها وجدت الضوء ولن تعود عنه تقول:
تحيــــة لورود القـــــلب أبــــعثها ** * ليـــــذكروا أنهم فازوا بترحيلــي
جراحكم أغرقت ودي وما حفظت*** ســنون عمري وولّى كل تــعليل
أوصدت باب المدى في وجه خيبتكم*** فلا مــــجال لإتــعاب المراســيل
ثم وجدت الشاعرة ان المحرك الرئيسي للشقاء هو طلب اللّذات المادية التي يكون مصدرها الجسد عادة، وفي لحظة الكشف هاته وجدت طريقها الى السعادة الحقة التي وجدتها في الاختلاء بروحها وعقلها حيث فساتين الحسن الحقيقي الداخلي وأكاليل المجد الخالد الذي لا يتهاوى بتهاوي الجسد تقول:
تهـــــدّل الــــدمع ألماسا أجمّعه *** لكـــــي أرصع تيجان المواويــل
تحت المحيط نشيج فر من حجر *** أ جــابه القلب في طهر العيــاييل
ياويحها مهجة شقت مــعازفها *** من القروح ومن نزف الدمـاميل
دخــــلت مملكة مرت بأخيلتي *** وجــــدت فـيها فساتيني وإكلـيلي
فيها حمامة أضواء تلمـــلمني *** لو أطرق الكون والدنيا تغني لي
وفي الاخير لابد من القول ان الشاعرة عبّرت عن حال النفس البشرية التي تطمح للعيش بسعادة بعيدا عن ملذات الحياة المادية والطالبة للحرية حرية التفكير مكتشفة بذلك ان السعادة يصنعها الانسان بنفسه وبقوة ارادته وبالكيفية التي يردها هو لا غيره فكانت القصيدة ذات نزعة حداثية وجدانية في قالب فكري فلسفي جميل

" border="0" alt=""/>