نكون في الكثير من الأحيان تحت تأثير ظروف معيشية صعبة، مثل ضغط الوقت، و كثرة المسؤوليات، و قلة المال ، و أوضاع صحية سلبية. و قد نكون ببساطة تحت تأثير مشاعر سلبية كالخوف، و الحسد، و الملل، و القنوط، و الوحدة. و قد تتعد أسباب هذه المشاعر المِؤلمة، لكن يكفي أن يكون شخص بالقرب منا ينظر للحياة نظرة حزينة أو متألمة لينتقل الحزن و الألم إلينا دون أن نتنبه و يتخمر في عقلنا و ينمو و يتكاثر مثل البكتريا و ينتهي إلى اجتياح كل فكرنا.
يكفي القليل من السلبية لنتحول بسرعة خاطفة إلى قوة سالبة تعدم كل فرح و تحرق كل لحظة أمل. و بالمقابل يلزمنا الكثير من الجهد و الحرص المتواصل لكي نضيء شمعة الايجابية.
إن الفرح و الحب و الصحة و السخاء و الوفاق و السلم و السعادة و غيرها من الفضائل تتقاسم معنا الوجود في الحياة التي نتعارك فيها نحن مع بعضنا البعض و مع همومنا و مخاوفنا و ضعفنا. غير أننا نعتقد أن السعادة مجرد وهم و السلام مجرد حلم و الحب مجرد خدعة، و أن الصراع سنة الحياة و الشقاء مصير الإنسان من المهد إلى اللحد و أن الحقد يملاء قلوب البشر.
إن كنا غير قادرين على عيش السعادة و أن ننعم بالصحة و الحب لأننا ببساطة ننتظر أن تطرق السعادة و الصحة و الحب أبوابنا دون أن نتقدم خطوة للبحث عنهما هنا و هناك، أو على الأقل أن نفتح أبوابنا و نوافذنا لاستقبال نسائمها. لا يمكن أن ننعم بالسعادة و الحب و الصحة إن لم نزرع بذورها في عقولنا و قلوبنا. إن كنا غير قادرين على هذه الزراعة لأن ارض عقولنا و قلوبنا غير صالحة للزراعة بسبب قسوتها أو سمومها أو شح الرطوبة فيها فلن نحصد ثمارا صالحة.
العقل يخلق كما يعدم، قد يخلق الثقة و الاطمئنان كما يخلق الشك و القلق. يكفي فقط أن نقرر في عقولنا فكرة وجود الله ور حمته حتى نراه في كل نقطة من هذا العالم و رحمته و سعة كل شيء، و يكفي فقط أن ننكر وجود الله و ننكر لطفه حتى نرى العالم خشبة مأساوية تتراقص فوقها الشياطين.
العقل يخلق و اللسان يخلق، يكفي فقط أن نفكر في المرض أو نقول كلاما مشبعا بالمرض لكي يمر المرض من فكرنا إلى نفوسنا و ينتهي إلى أجسادنا و قد ينتشر منا إلى من هم من حولنا. إن نادينا على الله استجاب لدعوتنا، و إن نادينا على الأمل أجاب نداءنا، و إن نادينا على المرض جاء مسرعا إلينا و حينها سنشعر على الفور بأن كل الأمراض تنهش حياتنا.
لكل نداء جواب.
هل ننادي من يستحق النداء؟
يقول الكثير من الناس: ليس لي حظ ، و البعض الآخر يقول: لا احد يحبني . لكن يكفي أن تفكر و تقول ليس لي حظ حتى تحكم على حظك بالموت، و يكفي أن تفكر في عدم حب الناس لك حتى تقع ضحية للحقد. يكفي أن تفكر في شيء سلبي لتحول ذاتك إلى هوائي لاقط للصواعق.
استغرق اختراع جهاز المذياع سنوات طويلة تكبد طوالها أناس الكثير من العناء و الشقاء لكي ننعم نحن بفضائل عملهم، لكن لا احد منا يفكر في هؤلاء الناس و عملهم. يكفي فقط أن نوصل الجهاز بمصدر الطاقة و ندير الزر حتى تنطلق الأنغام و الأصوات ، و ندير زر الموجات الواحدة تلوى الأخرى حتى نعثر على المحطة المفضلة.
لنفترض أن عقولنا مثل جهاز المذياع فيها محطات تبت نغمات فرحة و محطات أخرى تبت أنغاما جنائزية، فلماذا لا ندير زر الموجات في عقولنا الموجة تلوى الأخرى حتى نعثر على محطة تبت نغمات ايجابية مليئة بالطاقة و الفرح و الحب؟
كل الموجات في عقولنا علينا فقط اختيار ما يصلح لحياتنا. و ما يصلح فقط لنا هو أن نكون مطمئنين لأنفسنا و لغيرنا. لنطمئن أولا لنفوسنا و سنطمئن لغيرنا و للعالم و الله. و الله ارحم الراحمين