السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم..
قال الله تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}
فإن قلت: نرى الآن مساجد المسلمين عامرة لم تخرب، مع أنها كثير منها إمارة صغيرة، وحكومة غير منظمة، مع أنهم لا يدان لهم بقتال من جاورهم من الإفرنج، بل نرى المساجد التي تحت ولايتهم وسيطرتهم عامرة، وأهلها آمنون مطمئنون، مع قدرة ولاتهم من الكفار على هدمها، والله أخبر أنه لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض، لهدمت هذه المعابد، ونحن لا نشاهد دفعا.
أجيب بأن هذا السؤال والاستشكال، داخل في عموم هذه الآية وفرد من أفرادها، فإن من عرف أحوال الدول الآن ونظامها، وأنها تعتبر كل أمة وجنس تحت ولايتها، وداخل في حكمها، تعتبره عضوا من أعضاء المملكة، وجزء من أجزاء الحكومة، سواء كانت تلك الأمة مقتدرة بعددها أو عددها، أو مالها، أو عملها، أو خدمتها، فتراعي الحكومات مصالح ذلك الشعب، الدينية والدنيوية، وتخشى إن لم تفعل ذلك أن يختل نظامها، وتفقد بعض أركانها، فيقوم من أمر الدين بهذا السبب ما يقوم، خصوصا المساجد، فإنها ـولله الحمدـ في غاية الانتظام، حتى في عواصم الدول الكبار.
وتراعي تلك الدول الحكومات المستقلة، نظرا لخواطر رعاياهم المسلمين، مع وجود التحاسد والتباغض بين دول النصارى، الذي أخبر الله أنه لا يزال إلى يوم القيامة، فتبقى الحكومة المسلمة، التي لا تقدر تدافع عن نفسها، سالمة من [كثير} ضررهم، لقيام الحسد عندهم، فلا يقدر أحدهم أن يمد يده عليها، خوفا من احتمائها بالآخر، مع أن الله تعالى لا بد أن يري عباده من نصر الإسلام والمسلمين، ما قد وعد به في كتابه.
تفسير السعدي