بقلم:فواز حمد الفواز
الصفة الطاغية على الاقتصاد الريعي هي الفصل بين العمل ومصدر الرزق، تقابل هذه الصفة حقيقة موضوعية أخرى تقتضي الاستفادة القصوى من الدخل السهل بما يتماشى مع الفطرة الطبيعية في الكسب دون جهد أو تفكير حتى في المصدر. ولذلك فإن ملكية و"شرعنة" المصدر وحتى حتمية الإدارة التوزيعية له ليس عليها غبار. الإشكالية الأهم هي: استحقاقات الاقتصاد الريعي المتمثل في نموذج اقتصادي له تبعات ونتائج محددة تعوق المجتمع وتحد من استخدام المقومات الطبيعية عند الإنسان في التفكير الخلاق والبحث عن الأفضل من خلال القيمة المضافة علميا وإنتاجيا. القيمة المضافة هي المحتوى الاقتصادي للتطور.
ليس في الاقتصاد والمال شيء دون مقابل، لذلك فإن "سعر" الدخل الريعي هو هذا الطلاق بين القيمة المضافة والدخل. هذا الطلاق له استحقاقات اجتماعية وأخلاقية. من طبيعة الأمور أن الحياة الاقتصادية "المنتجة" تعمل على انخراط كل فعاليات المجتمع من أفراد ومؤسسات في نشاطات إنتاجية طبقا لقدراتهم ومواهبهم وجهودهم. دون هذه الشبكة من العلاقات المتوازنة يختل الميزان الاجتماعي ويلجأ الكثير إلى البحث عن معايير أخرى.
هذا عن هيئة النموذج الاقتصادية ولكن الأمور لا تقف عند هذا الحد، بل إن للاقتصاد الريعي وجهاً اجتماعياً. وبما أن هذا النموذج لا يعتمد أساسا على البحث عن الموهبة ولا يشجع على التفكير الخلاق ولا التفاني في البحث عن الحقيقة، فهو يفقد الأرضية الصالحة لكي تكون الشجرة مثمرة عميقة الجذور. وهذا له استحقاقات اجتماعية وحتى أخلاقية. تصبح العلاقة الشخصية أهم من العلم والمعرفة، ويصبح المدير الجاد في وضع اختبار بين المصلحة الذاتية والعمل الجاد. فالشهادة وليس العلم وسيلة للمصلحة، وتصبح العلاقة مع المدير أهم من القدرات الذاتية فتكثر الشهادات العليا دون أبحاث جديدة ويصبح التفضيل بينهم مجال مساومات في العلاقة أو القدرة على «تجميل» النفس من كلمات معسولة إلى هندام جميل إلى تمركز اجتماعي. فهي فرصة حينما يغيب مقياس الإنتاجية الفاضح. إلى أن تصل الأمور إلى درجة المبالغة في الرياء أو المبالغة في الذم في آن واحد ومن الشخص نفسه. فهو يريد أن يتكيف ويعيش ثم يريد أن يصير بصيرا مثقفا. وبهذا يفقد الكثير من التوازن ويصبح غير مفيد لأحد. فهو يكرس هذه الأخلاقيات في بيته وعمله ومن حوله.
يصبح الهرم الاجتماعي ثابتا ومستقرا، فالكل يعرف مكانه ولكن تحت هذا السطح هناك تفاعلات وردود أفعال قد تكون مهمة لاحقا إذا لم يتم علاجها، وفك الاختناقات بزيادة المساحات في الأوساط الاقتصادية والاجتماعية.
لذلك فإن بيئة الاقتصاد الريعي تكون في الغالب غير إنتاجية، ومحاولات تجميلها عادة ما تفشل دون تغيير هيكلي يلمس الجذور «ويجبر» الغالبية العظمى على ربط عملها وإنتاجيتها بمصدر رزقها. تستمر الاقتصاديات الريعية ما دام مصدرها الأساسي يتدفق ويكفي للحفاظ على هذه النماذج الاقتصادية والاجتماعية مهما كانت التشوهات فيها، ولكن في حال توقف هذا التدفق المالي، فإن هذه النماذج تتعرى وتصبح هزيلة. العيب الإداري الكبير ألا يفرق القائمون على الاقتصاد والريعي بين ما يتم على أرض الواقع وبين قدراتهم التنظيمية. الحل هو في التفكير استباقيا وتخطيط عملية التحول الاقتصادي الاجتماعي من خلال استغلال «الريع» الاقتصادي المؤقت إلى جزر إنتاجية تستطيع أن تكبر لتملأ حيز المجتمع تدريجيا.
المصدر: الإقتصادية الإلكترونية