الفيسبوك ذلك الشبح الذي أرهب دولا وأنظمة حكم بفعل تأثيره الجلي في منحى تاريخها وسياساتها الحالية والمستقبلية، فقد تطور من مجرد أداة للهو يقضي به الشباب أوقاتهم الثمينة والرخيصة إلى أداة بناء فعالة وسريعة في نظر البعض، ومعول هدم خطير في نظر آخرين، ولكل وجهة نظره الصائبة والخاطئة.
موقع الفيسبوك قد تناولت جوانبا منه سابقا في مقالتين بعنوان: [استعمل الفيسبوك... فقط لا تتورط 1 و 2] هذه المرة أحاول معالجة موضوع الحملات التضامنية التي هي عبارة عن صفحات ينشؤها أشخاص أو جماعات، عنوانها يعبر عن أهدافها، ومحتواها يدل على ما ترمي إليه، تأييدها يكون بنقرة واحدة على “أعجبني!” أو “!Like” ليشير عدّادها إلى المتضامنين معها والمشاركين فيها، فهذه حملة جلبت المئات، وتلك الآلاف وأخرى الملايين… إلخ، أمثلتها كثيرة غالبا ما تبدأ بـ: “معا لـ………….”
أنواعها كثيرة، منها مثلا ما يكون هبّة ضد مرض معين، ومنها ما يحارب آفة اجتماعية متفشية في مجتمع أو أمة، كما نرى أيضا حملات تضامن مع المشاهير أو الشخصيات الفكرية أو السياسية حين تُظلم في نظر المتضامنين، وهناك حملات لإغلاق قنوات فضائية أو جرائد إعلامية أو شركات بمختلف تخصصاتها، أو دعوات لإسقاط مسؤولين في مجالات كالرياضة أو الاقتصاد بل تعدى ذلك إلى الدعوة لإسقاط أنظمة حكم سياسية بأكملها!
القرار بشأن الالتحاق بتلك الحملة أو تلك غالبا ما يكون بدوافع عاطفية عند أغلبية نشطاء الفيسبوك، وهذا أمر جميل، إلا أن له جوانب سلبية مثل اختلاف عدّاد المعجبين والمتضامنين مع الحملة بين صفحة الفيسبوك وما يكون في الميدان، فمثلا حينما يطلق شباب في الجزائر حملة “غرس 1000 شجرة في مدينة معينة” وتبدأ جموع المؤيدين والمعجبين في الفيسبوك في تزايد، ولكن في يوم العمل الميداني لتجسيد الحملة لا تجد كل تلك الأعداد، لماذا؟ لأن الكثير ممن أعلن إعجابه بالحملة لم يكن جزائريا، أو بدرجة أقل لم يكن أصلا من تلك المدينة أو المنطقة، وحتى إن كان كذلك فهو لم ينوي الحضور مطلقا، بل اعتقد أن تأييده من وراء جهازه سيفي بالغرض!
ونفس المثال على قضايا أخرى أكبر وأوسع، وما مثال التشجير إلا عينة يمكن إسقاطها على عدة مجالات أخرى، وإلا فبماذا نفسر مثلا انضمام جزائريين وتبنيهم لحملات سودانية ترشح شخصا معينا لتولي منصب رئيس جمعية حيّ هناك؟ ما دخل هذا في ذاك؟! هل الانضمام لأية حملة في الفيسبوك أمر مطلوب؟ وهل تبني حملات تضامن في الفيسبوك كله خير؟
نصيحتي لأي شخص يملك حسابا في الفيسبوك أن تكون آراؤه جامعة، معنى ذلك أن يتحرى الوقوع في التناقضات، كأن يؤيد حملتين في نفس الوقت مع أن كل واحدة تدعو لعكس ما ترمي إليه الأخرى، فهذا يسيء إليه أولا، كما يقلل أو ينفي تماما مصداقية تلك الحملة، أما الأمر الآخر فهو التأكد من صدق الحملة وجدّية أصحابها، كأن نجد العنوان مناقضا للمحتوى، وكم من صفحة أراد بها أصحابها غير ما أفصحوا في عنوانها أول الأمر، وبعدما جمعوا عددا معتبرا من المعجبين غيروا من سياساتهم وأفكارهم وأهدافهم بطرق صبيانية دنيئة، ونشروا سموما ما كانت لتجلب لهم هؤلاء المؤيدين لو بثوها أول الأمر.
وقد وقعت لي شخصيا حالة مما ذكرت، فبينما كنت في يوم من الأيام أراجع صفحات الإعجاب التي بقائمتي في الفيسبوك، وقعت عيناي على صفحة كنت قد أبديت إعجابي بها سابقا حينما كانت تدعو لأهداف نبيلة بتناولها لقضية أخلاقية، ولكن بعد مدة إذا هي تتحول لمنبر سياسي لإسقاط نظام دولة معينة! أليس من الأجدر منهم أن يستشيروا أو على الأقل يشيروا لذلك التحول العجيب؟ حينها منّا من سينسحب ومنا من سيعلن تأييده وبقاءه والكل حر في رأيه.
في هذه الفترة بالذات صرنا نشهد تزايدا معتبرا لحملات الفيسبوك، منها ما يدعو للفضيلة ومنها ما دون ذلك، فاعلم أخي واعلمي أختي أنك بتبنيك لحملة معينة يكون لك أجرها وأجر من عمل بها، وستتحمل كل تبعاتها وما ينجر عنها سواء إيجابيا أم سلبيا، فاختر لنفسك موضعا يشرفها، ولا تنزل بفكرك لما من شأنه أن يسيء لك ويجلب لك الضرر المادي والمعنوي، فالقضية ليست هينة كما نظن ربما، فلنسع لما نبني به عقولنا وأفكارنا، وأوطاننا وديننا، ولنبتعد عن مواضع الريبة والشكوك، ولنحارب ما تيقنا من سوئه وخطورته.
لا أدعو إلى إلغاء حملات الفيسبوك أو دعمها كليا، ولكن الفطن منا يحاول التأكد من الأشياء قبل الخوض فيها، ولنتعلم الوقوف عند الأمور وعد التسرع في اتخاذ القرارات، حتى تتضح لنا المعالم جيدا، فقد اختلط الحابل بالنابل، ولم نعد نميز الخبيث من الطيب، فإن نحن أيدنا أو عارضنا يكون ذلك عن بيّنة وحجّة، ولا ينفع الانجرار مع كل موجة، كما لا تجدي الشعارات دون فعالية.
المصدر: مدونة جابر