تعتبر المشاركة في مسابقة الماجستير أملَ الكثير من الطلبة المتخرِّجين من مرحلة التدرّج في الدراسة الجامعية، وهي مرحلةٌ مهمّةٌ وحاسمةٌ في حياة الطالب إذْ من خلالها يدخل بوابة البحث العلميّ ومن ثَمَّ التدريس الجامعيّ، فأملُ المشاركة والنّجاح أملُ الغالبية من الطلبة، ولكنْ قلّة هم الطلبة الذين يُحسنون أخذَ طريقِهِمْ إلى النجاحِ بقوةٍ وحسمٍ، ومن خلال تجربتي الذاتية الصغيرة في المشاركة في مسابقات الماجستير، ومن خلال لقائي بالعديد من الناجحين فيها، وكذا ملاحظاتي الشخصية توصّلْتُ إلى بعض المبادئ والأفكار التي ارتأيت أهمية إفادة زملائي الطلبة بها، وقد رأيتُ أن أتناولها من خلال العناصر الآتية:
1- الهدف من مسابقة الماجستير.
2- خصائص الكتابة الجيّدة.
3- منهجيّة بناء المقال العلميّ.
4- جوانب شكليّةٌ ونصائح عامة.
أولاً: الهدف من مسابقة الماجستير: يهدف القائمون على تنظيم مسابقات الماجستير إلى اكتشاف نُخبةٍ من الطلبة ممّن تتوفر فيهم خصائص وعلامات تشيرُ لصلاحيتهم لأن يكونوا باحثين مؤهَّلين ومقتدرين في المستقبل. والوسيلة الوحيدة التي يمكن أن تكشف تلك الجوانب هي عمل الطالب وإجابته في ورقة الامتحان.
ثانيًا: خصائص الكتابة الجيّدة: إنّ خيرَ وسيلةٍ يمكن أن تعرّف الأساتذة المصحّحين بكفاءةِ الطالب وقدراته العلمية هي ورقة الإجابة، ومن ثمَّ وجب أن تتوفّر فيها مجموعةُ خصائص يمكن لنا إيجازها في الآتي:
1- الثراء والتراكم المعرفي: ويأتي هذا الثراء والتراكم المعرفيُّ في مجال التخصص أساسًا من التحضير الجيّد المسبق، إذْ يعتبر التحضيرُ الجيِّدُ حجر الزاوية في نجاح أغلب الطلبة في مسابقات الماجستير، ويخطئُ الطالب حين يُقْدِم على المشاركة في المسابقة معتبرًا مشاركته -ضربة حظٍّ -. ولا أقلّ من أن يخصّص الطالب ستّ ساعات في اليوم خلال مدّة معتبرةٍ قبل الدخول في الامتحان وذلك حتّى يحصل لديه التراكم المعرفي المطلوب في مجال الاختبار. وقد أثبتت الملاحظات الميدانية والتجارب الواقعية أنّ أغلب الناجحين في المسابقات يتميّزون بثراءٍ معرفيٍّ معتبرٍ يستندُ أساسًا إلى تحضيرٍ جيّدٍ. ويرشد الطالب لتحصيل الثراء المعرفي إلى اختيار أفضل الكتب المؤلفة في مجال اختباره ويستأنس على ذلك بتوجيه الأساتذة وملاحظته الذاتية ..كما وينبغي عليه الاطلاع على الدراسات الحديثة المنشورة في الدوريات العامة والمتخصّصة؛فكثيرًا ما تكون مواضيع مسابقات الماجستير مرتبطة بإشكالات راهنة معيشة في مجال التخصص وهو ما تُسرع الدوريات إلى معالجته ونشره.
2- الاستدلال العلمي على الآراء والأفكار: جديرٌ بالطالب أن يبني أفكار موضوعه الأساسية على أدلة عقلية أو نصوص ومقولات معتمدة لدى أهل التخصص وذلك حتّى لا تظهر أفكارُه مبتورة عن غيره من الروّاد والسابقين في الحقل المعرفي الذي يهتم به.
3- الدقة اللغوية: وذلك باستخدام عباراتٍ موجزة معبّرة عن المعنى المراد من غير إطالةٍ أو تَكرارٍ أو استطرادٍ.
4- اللغة العلمية: وهي التي تستخدم اصطلاحات التخصص، وتتبنّى الموضوعية في عرض الأفكار والآراء من غير تحيّزٍ أو مَيْلٍ لا يستندُ إلى أساسٍ علمي، ويظهر فيها التواضع والاحترام والتقبل لمختلف الآراء والأفكار.
5- الضبط المنهجي والتنظيم: حيث يدْرَج الطالب في كتابة مقاله حسب الخطة التي وضعها ابتداء، ويتفادى الانتقال من فكرة إلى أخرى دون رابط علاقة أو دون وضع فاصل.. وممّا يساعد على التنظيم والضبط المنهجي التحرير في ورقة مسودّة تسمح للطالب بالمراجعة والمزيد من الضبط والتنقيح.
ثالثًا: منهجية بناء المقال العلميّ: كثيرا ما تكون أسئلة مسابقة الماجستير – سيما في العلوم الإنسانية – عبارة عن إشكالٍ تأتي الإجابة عنها في مقالٍ علميّ، وسنحاول فيما يلي وضع منهجية مقترحة:
1- المقدّمة: يحاول فيها الطالب أن يتّخذ مدخلاً لمقاله كأن يبيّن أهمية الموضوع الذي يتناوله بالدراسة ثمّ يطرح الإشكال الرئيس الذي يسعى المقال إلى الإجابة عنه، وكذا التساؤلات الفرعية التي تتبع ذلك الإشكال. ومن الأهمية أن يقدّم خطةً لعناصر مقاله.
2- العرض (صلب الموضوع): وفيه يدرج الطالب مع عناصر المقال المحدّدة سلفاً في المقدّمة الواحد تلو الآخر، ويستحسن البداية بضبط مفاهيم الموضوع الأساسية لتكون قاعدة ينطلق منها. ويحاول الطالب في هذا أن يركز معلوماته وينظّمها قدر المستطاع؛حيث يشعر القارئُ أنّه يحصل على كمٍّ معتبرٍ من المعلومات من خلال عبارات قليلة، ويستعين على ذلك بإجمال المعاني في شكل نقاط مختصرة وفقرات مركزة.
3- الخاتمة: وفيها يكون تلخيص أهمّ النتائج المتوصّل إليها، ويمكن الانتهاء بعرض إشكالاتٍ أخرى يثيرها المقال تبيّن ما للموضوع من أهميةٍ وحاجةٍ للمزيد من العمل العلمي.
رابعا: جوانب شكلية ونصائح عامة: و في الأخير نرشد الطالب إلى بعض النقاط التي يمكن إجمالها في الآتي:
1- الاستخدام المناسب لعلامات الترقيم كالفاصلة والنقطة وعلامة الاستفهام..وهي تدلّ على جدية الطالب واهتمامه وسموِّ ذوقه العلمي.
2- وضوح الخطّ وجماله رسالةٌ قويةٌ من الطالب إلى المصحّح تشعره باهتمام الطالب بإجابته وكذا باهتمامه بالمصحّح على حدّ سواء.
3- يحاول الطالب أن يستفيد من مختلف تجارب سابقيه من أساتذة وباحثين حتّى يبني تصورا شاملاً ويتمكّن من خوض تجربة شخصيةٍ ناجحةٍ ويستفيد منها.
وفي الأخير لا تنس الاهتمام بصلتك بالله تعالى في مثل هذه المشاريع الهامة بالصلاة والدعاء فهو الموفّق إلى كلّ خير، ولتكن مثل هذه المناسبات فرصةً لتوطيد العلاقة بالمولى لتستمرّ بعدها، وكنْ على يقينٍ بموعودِ الله القائل:"وَالذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ "