لتقدم الهائل السريع الذي يشهده العالم اليوم له أسباب كثيرة، يقف في مقدمتها الاهتمام الشديد بالبحث العلمي، ففي الوقت الذي تقف فيه المشروعات العربية، في مجال البحث والتطوير، عند عتبة الدعاية البعيدة عن جدية الإنجاز، أو عند باب "الترف الأكاديمي" فحسب، نجد أن دول العالم المتقدم تكرس الكثير والوفير من إمكاناتها لدعم البحث والتجارب العلمية المختلفة من أجل التطوير، ومن أجل مستقبل أكثر ثباتاً.
فالبحث العلمي في المجتمعات المتقدمة يجد "الدعم" السخي من المؤسسات الرسمية وغير الرسمية المستفيدة، لأنه، أي البحث العلمي، يُترجَم أو يتحول في العموم إلى "منتج" استثماري داعم للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. فالبحث العلمي، في هذه الحالة، وبهذا المعنى، هو "استثمار" وليس ترفاً أكاديمياً عشوائياً. ولا نظن أن البحث العلمي في عالمنا العربي سيشهد الازدهار المأمول ما لم يعالج الخلل الكبير الذي لم يترك له أي فرصة ليأخذ المكان الأحق به اهتماماً، وأهمية، فيكون أحد أهم عوامل التنمية والتطور.
الإنفاق على البحث العلمي في الدول المتقدمة
ذكر أحد الباحثين (1) أن العالم ينفق حوالي 2,1% من مجمل دخله الوطني على مجالات البحث العلمي، أي ما يساوي حوالي 536 بليون دولار. ويعمل في مؤسسات البحث العلمي في العالم ما يقارب 3,4 مليون باحث، أي بمعدل 1,3 باحث لكل ألف من القوى العاملة.
وقد قدر إنفاق الولايات المتحدة الأمريكية واليابان والاتحاد الأوروبي على البحث والتطوير بما يقارب 417 بليون دولار، وهو ما يتجاوز ثلاثة أرباع إجمالي الإنفاق العالمي بأسره على البحث العلمي. والولايات المتحدة وحدها تنفق سنوياً على البحث العلمي أكثر من 168 بليون دولار، أي حوالي 32% من مجمل ما ينفق العالم كله. وتأتي اليابان بعد الولايات المتحدة: 130 بليون دولار، أي ما يوازي أكثر من 24% من إنفاق دول العالم. ثم يتوالى بعد ذلك ترتيب دول العالم المتقدم: ألمانيا، فرنسا، بريطانيا، إيطاليا، كندا، ليكون مجموع ما تنفقه الدول السبع أكثر من 420 بليون دولار. ففي هذه الدول السبع مليونان و265 ألف باحث، يمثلون أكثر من 66% من مجموع الباحثين في العالم، ويكلف كل باحث منهم حوالي 185 ألف دولار في السنة.
وقد تصدرت الدول الاسكندينافية قائمة الدول الأوروبية الداعمة للبحث والابتكارات، وذلك بالنسبة إلى نواتجها القومية، فجاءت النسب التي خصصتها تلك الدول للبحث والتطوير على هذا النحو: السويد 4.27%، فنلندا 3.51%، الدانمرك 2.6%. وتأتي بولندا بنسبة 0.59% في المرتبة الأخيرة بين الدول الأوروبية.(2)
وقد بلغت ميزانية الاتحاد الأوروبي للبحث العلمي من 2002م إلى 2006م 17.5 بليون يورو، وهي تمثل 3.9% من الموازنة الإجمالية للاتحاد الأوروبي في العام 2001م. وفي أقل من عقدين من الزمان تضاعف تمويل البرامج المشتركة للبحث العلمي 366%.(3) وفي مصادر أخرى بلغت ميزانية الاتحاد الأوربي للبحث العلمي خلال الفترة من 2007 إلى 2014م حوالي 300بليون يوروا.(4)
وتولي دول جنوب وشرق آسيا أهمية متزايدة للبحث والتطوير، فقد رفعت كوريا الجنوبية نسبة إنفاقها على البحث والتطوير، من 0.6% من الناتج المحلي الإجمالي في العام 1980م إلى 2.89% في العام 1997م، ووجهت اهتمامها نحو الإلكترونيات، وعلوم البحار والمحيطات، وتقنيات البيئة، وتقنيات المعلومات، وأدوات التقييس، والمواد الجديدة، وعلوم الفضاء والطيران. ووفق مصادر أخرى فقد رفعت كوريا الجنوبية ميزانية البحث العلمي إلى ما يقرب من 4% في العام 2010م لتصل ميزانيتها إلى 11.5مليار، ومن المتوقع أن تصل ميزانية البحث العلمي خلال العام 2012م 5% من الناتج القومي. وكوريا الجنوبية يحتل اقتصادها المرتبة الثالثة في آسيا.(5)
أما الصين فقد خططت لرفع نسبة إنفاقها على البحث والتطوير من 0.5% من إجمالي الناتج المحلي في العام 1995م إلى 1.5% في العام 2000م، ووجهت أيضاً أهداف خطتها الخمسية خلال تلك الفترة نحو تحسين تطبيقات التقنية في قطاع الزراعة، وتطوير البنية الأساس الوطنية للمعلومات، وزيادة التطوير في عمليات التصنيع.(6) وقد ارتفعت نسبة الإنفاق على البحث العلمي في الصين مؤخراً إلى ما يقرب من 2.5% من إجمالي الإنفاق القومي، فقد بلغت ميزانية الصين للبحث العلمي ما يقرب من 136 مليار دولار في الوقت الذي لم تتجاوز فيه هذه الميزانية 30مليار دولار فقط في العام 2005م.(7)
البحث العلمي في الدول العربية وإسرائيل
أما باقي دول العالم (ومنهم طبعاً العرب)، فلا يتجاوز إنفاقهم على البحث العلمي أكثر من 116 بليون دولار. وهذا المبلغ ليس لأمة العرب فيه سوى 535 مليون دولار ليس غير، أي ما يساوي 11 في الألف من الدخل القومي لتلك البقية من العالم!! ومعظم الدول العربية لا تظهر أرقامًا وإحصاءات عن الباحثين والبحث العلمي، فإذا ظهر شيء من ذلك فيكون غير مطمئن: الإمارات 0.6%، والكويت 0.2%، والأردن 0.3%، وتونس 0.3%، وسوريا 0.2%، ومصر 0.2%.(
كما أن جملة الباحثين في الوطن العربي هم أقل من 16 ألف باحث، وتكلفة الباحث الواحد في السنة لا تتعدى 36 ألف دولار. وفي إحصائيات صادرة عن الجامعة العربية في العام 2006م أنه يقابل كل مليون عربي 318 باحث، في الوقت الذي تصل فيه النسبة في الغرب إلى 4500 باحث لكل مليون شخص.
ويذكر أن إسرائيل تنفق على البحث العلمي 9مليار دولار حسب معطيات العام 2008م وهو ما يوازي 4.7% من إنتاج إسرائيل القومي.(9) كما أن معدل ما تصرفه حكومة إسرائيل على البحث والتطوير المدني في مؤسسات التعليم العالي ما يوازي 34.6% من الموازنة الحكومية المخصصة للتعليم العالي بكامله، أما باقي الموازنة فهو للرواتب، والمنشآت، والصيانة، والتجهيزات.(10) وجملة الباحثين في إسرائيل حوالي 24ألف باحث. وأفادت مصادر بوجود حوالي 90ألف عالم ومهندس في إسرائيل يعملون في البحث العلمي وتصنيع التكنولوجيا المتقدمة خاصة الإليكترونيات الدقيقة والتكنولوجيا الحيوية(11)، وتكلفة الباحث الواحد في الدولة اليهودية 162 ألف دولار في السنة (أي أكثر من أربعة أضعاف تكلفة الباحث العربي). وفي الوقت الذي يوجد في العالم العربي 363 باحثاً لكل مليون نسمة، فقد بلغ عدد الباحثين في إسرائيل 25 ألفاً، بمعدل 5 آلاف باحث لكل مليون نسمة. وتلك أعلى نسبة في العالم بعد اليابان التي وصل العدد فيها إلى 5100 باحث.(12) وبالمجمل يبلغ إنفاق الدول العربية (مجتمعة) على البحث العلمي والتطوير تقريباً نصف ما تنفقه إسرائيل على الرغم من أن الناتج القومي العربي يبلغ 11ضعفاً للناتج القومي في إسرائيل والمساحة هي 649 ضعفاً. واحتلت إسرائيل المتربة الأولى عالمياً من حيث نصيب الفرد من الإنفاق على البحث العلمي وجاءت بعدها الولايات المتحدة الأمريكية ثم اليابان، أما الدول العربية، في هذا المجال من المقارنة، فهي مائة مرة أقل من إسرائيل (إسرائيل 1272.8 دولار سنوياً للفرد والدول العربية في آسيا بما فيها الدول النفطية نصيب الفرد 11.9 دولار فقط).
وبالنظر إلى نسبة الإنفاق على البحث العلمي، من حيث الدخل القومي، فإن إسرائيل تتساوى في الصرف على البحث العلمي مع اليابان والولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا. وإسرائيل هكذا تتقدم على دول مثل إسبانيا وتركيا. وفي مصادر أخرى فإن إسرائيل تنفق على البحث العلمي ما يساوي 1% مما ينفق في العالم أجمع، وإسرائيل تنفق ضعف ما تنفقه الدول العربية (مجتمعة) على البحث العلمي والتطوير.وإسرائيل هي أعلى دولة في العالم قاطبة من حيث نسبة الإنفاق على البحث العلمي من الناتج القومي، فالولايات المتحدة تنفق 3.7%. وبريطانياً 1.8%. وألمانيا 2.6%.(13)
واقع البحث العلمي عند العرب
تشير التقارير الصادرة عن منظمة اليونسكو للعلوم والثقافة في العام 2008م، إلى أن الدول العربية تنفق 14.7دولارا على الفرد في مجال البحث العلمي، بينما تنفق الولايات المتحدة 1205.9 دولار لكل مواطن، والدول الأوروبية حوالي 531 دولار.(14) ويؤكد التقرير الصادر عن منظمة اليونسكو في العام 2010م أن مستوى الإنفاق على البحث العلمي في العالم العربي ضعيف للغاية حتى في دولة كبرى مثل مصر؛ إذ لا يتجاوز ما ينفق فيها على البحث العلمي 0.23% من الموازنة العامة.(15) كما بلغ الإنفاق على البحث العلمي في الأردن 0.34%، وفي المغرب 0.64% وفي سوريا 0.12% ولبنان 0.3% وتونس 1.02% والسعودية 0.05%، والإمارات 0.6%، والكويت 0.09%، من إجمالي الناتج القومي.(16)
بل إن المقلق أن نسبة ما تنفقه البلدان العربية الغنية من دخلها الوطني على البحث العلمي يقل بكثير عما تنفقه البلدان العربية الفقيرة أو متوسطة الدخل!
وتشير الإحصائيات، إلى أن إجمالي الإنفاق على البحث والإنماء في الجامعات، وفي مراكز البحث والإنماء العربية، قد بلغ 3.2 مليار دولار في العام 1990م، بعد أن كان في حدود 2.3 مليار دولار في العام 1985م، أي ما يعادل 0.57% من إجمالي الناتج القومي في المنطقة العربية. وهذه النسبة ضئيلة جداً إذا ما قورنت بما هو عليه الحال في الدول المتقدمة، إذ لا يقل متوسط ما ينفق على البحث العلمي عن 2.92% من إجمالي الناتج القومي لتلك الدول.(17)
ويؤكد أحد الباحثين أن العالم العربي يصرف 0.4% في الألف مما يصرفه العالم على البحث العلمي، ولا يتجاوز تمويل البحوث في العالم العربي 0.2% في الألف من التمويل في الدول المتقدمة.(18) وفي نسبة البحوث العلمية المنشورة دولياً، تصل الحصة العربية إلى 0.15% في الألف فقط، مقارنة بـ 34% لدول الوحدة الأوروبية، و36% للولايات المتحدة.(19)
البحث العلمي مهمة الحكومات
ويذكر بعض الباحثين(20) أن أحد أهم نقاط الضعف في الاهتمام بالبحث العلمي عند العرب إنما تتمثل في أن مسؤوليته ظلت مقصورة على الحكومات، فهي المصدر الرئيس للتمويل طيلة السنوات الخمسين الماضية. وتذكر بعض الإحصاءات أن القطاع الخاص في الدول العربية لا يساهم بأكثر مــن 10% فقــط مـــن نفقات البحث العلمي والتطوير التقنـي، أما 90% الباقية فتقع على عاتق القطاع الحكومي وهي، في الوقت ذاته، عرضه للهدر بسبب ما عرف عن إدارة الحكومات من الترهل الإداري، وسيطرة الإجراءات البيروقراطية.(21)
ووفق إحصاءات أخرى يبلغ التمويل الحكومي للبحث العلمي حوالي 80% من مجموع التمويل المخصص للبحوث والتطوير مقارنة بــ 3% للقطاع الخاص و 8% من مصادر مختلفة يضاف إلى ذلك العلاقة الهزيلة أو المعدومة بين قطاعات الصناعة وعالم الأعمال من جهة، ومؤسسات البحوث الجامعية وغير الجامعية من جهة أخرى.
ومن المعلوم أن تلك القطاعات لا تتمتع حتى الآن بالقدرة على إدراك دور البحث العلمي في دعم الكفاءة الاقتصادية، وتطوير الإنتاج، وتحسينه، وبالتالي النمو المستمر في الاستثمار والدخل.
كما أن البلدان العربية بصورة عامة تفتقر إلى سياسة علمية وتكنولوجية محددة المعالم والأهداف والوسائل! وليس لديها ما يسمى بصناعة المعلومات، ولا توجد شبكات للمعلومات وأجهزة للتنسيق بين المؤسسات والمراكز البحثية، وليست هناك صناديق متخصصة بتمويل الأبحاث والتطوير.
وقد ظلت مؤسسات البحث العلمي في العالم العربي في نظر معظم أصحاب القرار والسياسيين، كغيرها من مؤسسات الدولة الخدمية، وذلك من حيث النظر في دعم تطورها، فبدلاً من أن تأخذ هذه المؤسسات بفكرة تخصيص مكافآت معقولة تجتذب أفضل الخبرات والمؤهلات فهي أصبحت، مع الأسف، مؤسسات تكتظ بالموظفين، الذين تشكل رواتبهم وحدها أكثر من 90% من مجمل الميزانيات المخصصة للبحوث!! على وهنها وضعفها في الأصل.
إن مرتبة بلدان العرب في معدلها العام من حيث الإنفاق على البحث العلمي تأتي في الأدنى بين مناطق العالم كلها، وهي تأتي حتى بعد إفريقيا! .. الفقيرة!
وقد أظهرت بعض الدراسات أن ما ينشر سنوياً من البحوث في الوطن العربي لا يتعدى 140 ألف بحث. وهو وضع يرثى له.(22) وذكر د. أحمد زويل في كتابه "عصر العلم" أن نسبة الأوراق العلمية المقدمة من الجامعات العربية تتراوح بين 0.0003% من مجموع الأبحاث المحكّمة التي تقدمها جامعات العالم.(23)
ويذكر أنه لا توجد في الوطن العربي قاعدة بيانات عربية عن النشاط العلمي، ولا عن المعاهد أو المراكز التي تجري البحث العلمي، وليست هناك وسائل فعالة لنقل الخبرة ونتائج البحوث إلى المؤسسات الصناعية، أو مكاتب الاستشارات.. إلخ.(24)
وقد أعاد بعض الباحثين ضعف إنتاجية الباحثين العرب إلى أسباب؛ منها:
1) عدم قناعة معظم الحكومات العربية بجدوى الأبحاث العلمية في رفع مستوى الإنتاجية، والدخل القومي، ودخل الفرد.
2) عزوف القطاع الخاص بشكل شبه كامل عن إجراء البحوث العلمية، وعدم الإيمان أو الثقة بجدوى البحث العلمي في دعم الإنتاج وتطوير الاقتصاد والحياة الاجتماعية.
3) ضعف دخل الباحث مقارنة بغيره ممن يعملون في التجارة أو إدارة الأعمال أو في الصناعة أو الخدمات.
4) عدم توافر التجهيزات والوسائل العلمية الجيدة والمتطورة في مراكز البحوث والجامعات في أكثر الدول العربية، كما أن المتوفر منها لا يفاد منه بالشكل المطلوب أو المتوخى.(25)
5) عدم وجود استراتيجيات أو سياسات لمعظم الدول العربية في مجال البحث العلمي.
6) هجرة العلماء العرب إلى خارج أوطانهم.. إلى الدول المتقدمة. وهذا موضوع يطول بحثه الآن ويستحق أن تفرد له فصول وارفة من النقاش والبحث.
البحث العلمي في الجامعات العربية
أما فيما يتصل بالجامعات العربية؛ فإن حصتها فيما ينفق على البحث العلمي والتطوير لا تتجاوز 30% من ذلك الإنفاق، وهي نسبة ضعيفة بل هي هزيلة جداً مقارنة بما تحصل عليه مثلاً جامعة بيركلي الأمريكية لفروعها التسعة من حكومة ولاية كاليفورنيا مقابل خدماتها البحثية، إذ تحصل هذه الجامعة على ستة أضعاف ما ينفقه العرب على التعليم العالي بمجمله في كل الجامعات العربية.(26)
وإن ما نعرفه عن مستوى دعم البحث العلمي في السعودية، مثلاً، أمر لم يكن، في السابق، يبشر بخير كثير، فالمتداول أن أضعف المخصصات في ميزانيات الجامعات السعودية هي مخصصات البحث العلمي، والوضع هكذا يعني أن الجامعات السعودية تهمل أهم وأبرز أهدافها، ولاسيما ما يتصل من تلك الأهداف بدعم الباحثين، وتنمية البيئة البحثية العلمية.
وقد قال أحد الأكاديميين السعوديين مرة إن السعودية وهي أكبر دولة بترولية ليس بها مركز واحد لبحوث الكيمياء. ويضيف: بل إن شركة أرامكو هي التي تبنت مركزاً للبحوث والتطوير، وهو يعنى ببحوث البترول والغاز، ولكنها لم تستكمل المركز بشكل كامل، بل اكتفت بإنشاء جزء منه (بنسبة الربع تقريباً).(27)
وذكر الأكاديمي نفسه أن الجامعة السعودية فارغة من الداخل، مفرغة من الباحثين الحقيقيين، فلم يعد البحث العلمي مجدياً للأستاذ السعودي.(28)
وللحق؛ فإن سوء تقويم الجامعات السعودية على المستوى العالمي، حسبما نشر في بعض وسائل الإعلام في العام 2007م، دفع إلى تحريك المياه الراكدة في تلك الجامعات، وأصبحنا نستمع إلى مبادرات هدفها تنمية بيئات البحث العلمي ودعمها. ولعل من الصعب الحكم على نجاعة تلك المبادرات في هذا الوقت القصير من عمرها في كل حال.
وقد أنشئ مؤخراً في السعودية "مركز التميز البحثي"، ويهدف إلى تشجيع الجامعات على الاهتمام بنشاط البحث العلمي والتطوير، كما تم إنشاء ثمانية مراكز بحثية في عدد من الجامعات بتكلفة 491 مليون ريال.(29)
ووقعت جامعة الملك سعود حتى العام 2010م اتفاقيات مع أكثر من 17 عالم حاصل على جائزة نوبل، كما وقعت اتفاقيات مع جامعات عالمية مرموقة في بعض التخصصات.(30)
وقد أطلقت الجامعة نفسها مؤخراً برنامج كراسي البحث العلمي، ومن المتوقع أن يبلغ عدد الكراسي أكثر من خمسين كرسياً في العديد من المجالات. وتقوم في أغلبها على التمويل الخاص من قبل أفراد أو شركات ومؤسسات أهلية. ويهدف البرنامج لدعم الاقتصاد الوطني، ودعم الأبحاث والدراسات التي تخدم الغرض الذي أنشئ من أجله الكرسي، وكذلك تعزيز شراكة المجتمع مع الجامعة، والاستثمار الأمثل للموارد البشرية في الجامعة من المتخصصين في مجالات المعرفة جميعها، وأيضاً الاستخدام الأمثل للمنشآت والتجهيزات والموارد البحثية الأخرى، هذا بالإضافة إلى استقطاب أفضل الباحثين من ذوي التميز في تخصصات متنوعة وتحقيق الاستفادة القصوى من خبراتهم. وستعمل الجامعة على تأهيل وتدريب مختلف الكفاءات الوطنية عبر البحث العلمي وتشجيع الطلبة على استثمار معارفهم المتميزة.(31)
ولاشك أن ما جرى في جامعة الملك سعود بالرياض دفع إلى تحريك المياه الراكدة في الجامعات السعودية الأخرى، وهي أخذت في العمل على إنشاء الكراسي البحثية الممولة من شخصيات سياسية أو اقتصادية أو من قبل شركات ومؤسسات أهلية. ولا نريد أن يخالجنا الخوف من أن ما حدث ويحدث هو مجرد اندفاع دعائي من أجل تحقيق أغراض إعلامية لا أكثر.
البحث العلمي والمؤسسات الإنتاجية
ويذكر أن الشركات العالمية الألف الأولى المنفقة على البحث العلمي زادت استثماراتها في البحث والتطوير في العام 2006م ضعف قيمة إنفاقها في العام 2005م. ويشكل إنفاق تلك الشركات في أمريكا الشمالية وأوروبا واليابان 95% من الإنفاق الإجمالي على البحث العلمي. وقد سجل الإنفاق على البحث والتطوير نمواً موازياً لنمو المبيعات في العام 2006م؛ إذ ارتفع الإنفاق على البحث والتطوير من جانب الشركات العالمية الألف الأولى عن إنفاق العام 2005م بأربعين مليار دولار ليبلغ 447 ملياراً، أي بنسبة ارتفاع مقدارها 10%. وتمثل الزيادة ضعف النمو السنوي المتراكم لخمسة أعوام للمجموعة، ومبلغاً يوازي ضعف الناتج المحلي الإجمالي لعام 2006م لجمهورية أيرلندا.
وللمرة الأولى خلال أربعة أعوام، استقرت نسبة البحث والتطوير مقارنة بالمبيعات، فانتهت بتراجع مستدام لأربعة أعوام، مع نسبة إنفاق على البحث والتطوير موازية لنسبة نمو المبيعات (والتي هي أيضاً 10%). ورفعت الشركات الأمريكية إنفاقها الإجمالي على البحث والتطوير بــ 13%، ما يمثل المصدر الأكبر لنمو الإنفاق بين الشركات الألف الأولى. وحافظت الشركات في أمريكا على صدارتها للإنفاق على الابتكار، بعدما زادت إنفاقها الإجمالي على البحث والتطوير بـ 21 مليار دولار في العام 2006م، مقارنة مع الصين والهند اللتين رفعتا إنفاقهما بــ 400 مليون دولار فقط خلال الفترة نفسها. ويمثل إنفاق الشركات القائمة في الصين والهند وباقي الدول النامية حول العالم 5% فقط من إنفاق الشركات الإجمالي على البحث والتطوير في العام 2006م، لكن معدل نمو إنفاقها لخمسة أعوام يمثل رغبتها في اللحاق بالآخرين سريعاً، وقد رفعت الصين والهند إنفاقهما في العام 2006م بـ 23,5%، بعد المحافظة على معدل نمو نسبته 25% لمدة خمسة أعوام.
وقد وسعت الشركات الأمريكية رقعة صدارتها في البحث والتطوير، فأنفقت 4,8% من المبيعات على البحث والتطوير، مقارنة بنسبة 4,6% في العام 2006م، بينما أنفقت الشركات اليابانية 3,7% من المبيعات، والشركات الأوروبية 3,4%. وتقدر بوز ألن هاملتون أن الشركات المبتكرة الألف الأولى ساهمت في 84% من الإنفاق العالمي الإجمالي للشركات على البحث والتطوير البالغ 540 مليار دولار، و52% من الإنفاق العالمي على البحث والتطوير البالغ 879 مليار دولار، بما في ذلك الإنفاق الحكومي، وإنفاق المؤسسات التي لا تتوخى الربح في هذا المجال. فأكثر من ثلثي الإنفاق الإجمالي لعام 2006م تركّز على ثلاثة قطاعات فقط: المعلوماتية والإلكترونيات 29%، والصحة 22%، والسيارات 17%.(32)
أما في اليابان، فإنه خلال السنوات العشر الأولى من تاريخ المعجزة الاقتصادية والصناعية التي تحققت هناك، وحتى الآن، فقد وظف اليابانيون حوالي 3% من الدخل القومي لأغراض البحث العلمي، والتطوير التكنولوجي.(33)
وقيل بأن ميزانيات البحث العلمي في اليابان ظلت دائماً من أكثر الموازنات سخاءً في العالم، وكان الهدف من ذلك واضحاً لدى اليابانيين؛ وهو خلق جيل ياباني جديد، ويشارك في توطين العلوم والتكنولوجيا الحديثة، وتطويرها.
وقد شمل توطين التكنولوجيا مجالات النقل البري والبحري والجوي. وأجهزة الإعلام، والاتصالات، والآلات الطبية، والروبوت أو الإنسان الآلي، وغيرها.(34)
ويبدي اليابانيون اهتماماً كبيراً بفكرة التعاون بين الجامعات والمؤسسات الإنتاجية، ويتركز التعاون بشكل كبير على ابتكارات التكنولوجيا الجديدة. وقد سُمح للمؤسسات الصناعية بزيادة مساهمتها في المؤسسات الأكاديمية، إذ بلغت في العام 1986م؛ أكثر من 1503 مليون دولار، ثم ارتفعت في العام 1996م لتصل إلى حوالي 3918 مليون دولار، كما سمح لهذه المؤسسات بالحصول على مقاعد للموهوبين Endowed Chairs في الجامعات، وقد بلغ عدد الجامعات التي تمنح مقاعد للمؤسسات الصناعية 98 جامعة. وتعزز هذه المساهمات فكرة "الشراكة" بين الطرفين، وهي تأتي على أشكال متعددة، منها: دفع رواتب للباحثين العاملين في مراكز البحوث، وتفريغهم للعمل فيها. وزيادة مساحة المختبرات والمعامل، وتزويد المعامل بالمعدات والتجهيزات، وتقديم المنح والهبات لأعضاء هيئة التدريس. (بلغ عدد الجامعة التي تمنح مقاعد للمؤسسات الصناعية في اليابان لتنشيط البحث العلمي ما يقرب من مائة جامعة. ويفوق عدد الجامعات الخاصة في اليابان الجامعات الحكومية بأربعة أضعاف تقريباً إذ تبلغ الجامعات الخاصة 372 جامعة مقارنة 96 جامعة حكومية).(35)
وهناك تعاون مشترك بين الصناعات اليابانية والجامعات الخارجية، وبالأخص الجامعات الأمريكية. وحسب إحصائيات وزارة التربية والعلوم اليابانية، فإن المؤسسات الصناعية اليابانية قد أنفقت في الفترة ما بين 1986-1991م مبلغ 93 مليون دولار لصالح جامعة هارفارد الأمريكية، مقابل خبرات وبحوث لصالح الشركات اليابانية.(36)
إن دعم حكومة اليابان للبحث العلمي لا تتجاوز 21,5%، مما ينفق في هذا المجال، بينما القطاع الصناعي وحده يقدم أكثر من 68%، وحوالي 11% تقدمها مصادر أهلية أخرى. وفي مصادر أكثر حداثة ارتفعت نسبة مشاركة القطاع الخاص في تمويل البحث العلمي في اليابان إلى ما يقرب 85% من إجمالي ميزانية البحث العلمي.(37)
وإذا انتقلنا إلى ألمانيا، فسنلاحظ أنه يستوي ما يقدمه القطاع الصناعي هناك للبحث العلمي مع ما يقدمه القطاع نفسه في الولايات المتحدة، وهو حوالي 60% مما يصرف على البحث العلمي والتطوير. (في الولايات المتحدة تقدم الحكومة حوالي 38% وأقل منها بقليل ألمانيا.. حوالي 37%).
ووفق معلومات أخرى فإن القطاع الخاص في ألمانيا يساهم، على الأحرى، بما نسبته 70% مقابل 30% للقطاع العام. وتتعادل النسبة بين القطاعين، العام والخاص، في الولايات المتحدة بحوالي 50% لكل منهما.(38)
مبادرات واعدة
هناك أمثلة لشراكات علمية ناجحة، على مستوى الخليج العربي، بين الجامعات وقطاع الصناعة، منها، في السعودية، الشراكة بين مدينة الملك عبدالعزيز KACST وشركات الأدوية. والشراكة بين أرامكو والمؤسسات الأكاديمية والجامعات السعودية (120 مشروعاً في العام 2002م). ومنها التعاون بين جامعة السلطان قابوس وواحة مسقط للمعرفةKnowledge Oasis Muscat ، ومنها التعاون بين KISR وشركة البترول الكويتية، والتعاون بين جامعة زايد وشركة IBM ومركز الإبداع الإلكتروني في مدينة دبي للانترنيت Smart Square، وتعاون جامعة الإمارات وبعض شركات البترول ومصانع الألمنيوم. (39) ولكن هذه الشركات ليست كافية كماً ونوعاً.
والسعودية ذاتها احتفلت في 21 أكتوبر 2007م بتدشين واحد من أكبر المشاريع العلمية في تاريخها: جامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا في رابغ، فهذه الجامعة هي واحدة من أكبر الجامعات البحثية في العالم. وينظر إليها على أنها ستضع البلاد على أعتاب عصر اقتصاديات المعرفة. وطالما كانت مسيرة التنمية السعودية تنتظر هذا المشروع، ليضع موارد البلاد ويسخرها للبحث العلمي، وإعداد العلماء الذين يكرسون خبراتهم وتجاربهم لوضع الحلول للعقبات التي تعترض التنمية والاقتصاد والبيئة والصناعة. ويتحقق مشروع المزاوجة بين البحث العلمي وحاجات التنمية، بل تتحقق فكرة تحويل البحث العلمي إلى منتج صناعي واقتصادي.
وقد أعدت الجامعة مدينة أبحاث، ومركز إبداع، مجهزين بأحدث المرافق. وتهدف استراتيجياتها إلى توفير البيئة المحفزة والجاذبة لاستقطاب العلماء المتميزين من السعودية ومن مختلف أنحاء العالم، بالإضافة إلى استقطاب ورعاية الطلاب المبدعين والموهوبين. وكما تهدف استراتيجيات الجامعة إلى تطوير البرامج والدراسات العليا في المجالات المرتبطة بأحدث التقنيات التي تخدم التنمية والاقتصاد. وهي ستعمل على رعاية الأفكار الإبداعية والاختراعات وترجمتها إلى مشاريع اقتصادية، كما ستعمل على الدخول في شراكات مع مؤسسات رائدة من أنحاء العالم لتطوير أنشطة ومرافق أبحاث تعاونية، وتشمل علاقات التعاون التي أقامتها الجامعة حتى الآن: المعهد الهندي للتقنية في بومباي، وجامعة سنغافورة الوطنية، والمعهد الفرنسي للبترول، ومؤسسة وودز هول أوشانوغارفيك، والجامعة الأمريكية بالقاهرة.
وستحرص الجامعة على إزالة العوائق البيروقراطية والإدارية أمام الأبحاث العلمية. وأما من حيث استقلالية الجامعة فقد خصص لها "وقف دائم" يدار لصالحها، وهي الجامعة الأولى، على مستوى التعليم العالي السعودي، التي تعمل بهذا المفهوم. وتبلغ الطاقة الاستيعابية للجامعة حين تستكمل كل منشآتها، نحو 2000 طالب وطالبة، و 600 باحث وعضو هيئة تدريس. وستضم الجامعة أربعة معاهد علمية للبحوث، وهي:
1) معهد الموارد والطاقة والبيئة، وسيعكف على دراسات استخلاص الكربون من الهواء وخلايا الهيدروجين والوقود، وتصميم العمليات والاحتراق والطاقة الشمسية، ومجالات تحلية وترشيد المياه، والزراعة المناسبة للمناخات الصحراوية.
2) معهد العلوم والهندسة الحيوية، وسيتم التركيز فيه على مجال التقنية الحيوية الصناعية، مثل: المعالجة الحيوية الميكروبية، والمعالجة الحيوية للموارد البتروكيمائية. وفي مجال التقنية الحيوية الزراعية سيبحث المعهد مواضيع، مثل: الزراعة المستدامة للأحياء والنباتات المائية. وفي مجال علم دراسة العضويات البيئية الإقليمية، سيدرس المعهد موضوعات، مثل: علم وهندسة البيئة البحرية للبحر الأحمر. وفي ميدان علم تقنية الصحة سيجري المعهد بحوثاً حول الأمراض الوبائية الإقليمية والعوامل الوراثية للسكان.
3) معهد علم وهندسة المواد، وتشمل البحوث التي يجريها المعهد في مجال البوليمرات والأغشية، ومواد تقنية النانو بما في ذلك المواد المعالجة حيوياً والمستخدمة في هذه التقنية، وموضوعات، مثل: الكربون والتطبيقات الكهروضوئية. كما ستشمل بحوث المعهد ميدان الكيمياء الحفزية والمواد التي تستخدم في الأوساط عالية الإجهاد.
4) معهد الرياضيات التطبيقية وعلم الحاسب الآلي.
وستتمتع الجامعة بنظام تعليمي مرن يجعلها بيئة جذب للأساتذة والأكاديميين والباحثين من داخل السعودية وخارجها.(40)
تجارب.. للنظر والتفكير:
هناك بلدان محسوبة على العالم الثالث تمكنت ، خلال الأعوام العشرين الماضية، من بناء نهضة علمية وتكنولوجية قائمة على قواعد صلبة من البحث العلمي، ومستندة إلى منظومة وطنية من المؤسسات العلمية التي تساهم الصناعة بأكثر من 40% من ميزانياتها، ومن هذه البلدان: كوريا الجنوبية، وإسبانيا.(41)
ونعتقد أن تجارب تلك الدول جديرة بالملاحظة والتأمل، فقد واصلت صعودها إلى مدارج متقدمة في الرقي. مستندة إلى قاعدة ذهبية ومنطقية لمفهوم البحث العلمي وأهدافه. إنه ذلك المفهوم الذي يعتمد على تحقيق الشراكة الفعالة بين العلم والإنتاج، أو بين البحث والصناعة، وإنتاج السلع.
تجربة الصين
أما التجربة الصينية فقد أجرت عملية تحول وإعادة هيكلة كبيرة للسياسات الخاصة بالبحث العلمي، منذ العام 1985م، وذلك بهدف تحويل اتجاهات البحوث العلمية إلى التطبيقات في الصناعة والاقتصاد. وفي العام 1988م شرعت الصين في إعداد برنامج قومي يعرف بـ Torch، وقد بنت عناصره الرئيسة على أساس ثلاثة مقومات محورية من أجل النهوض بالبحث العلمي، وهي:
- تقوية وتنشيط عمليات الإبداع التكنولوجي.
- تنمية وتطوير التكنولوجيا العالية وتطبيقاتها.
- إتمام تحديث وتطوير عمليات التصنيع ورفع المحتوى التكنولوجي للمنتجات الصينية.
وقد تم العمل على تنفيذ برنامج Torch على المستوى المركزي، وعلى مستوى أقاليم الصين الأخرى، وذلك عن طريق التوسع في إقامة الحدائق والحاضنات، والمراكز التكنولوجية، والقواعد الصناعية، وبرامج التمويل الخاصة.
ويتركز برنامج Torch على:
1) التركيز على تسويق الأبحاثCommercialization of Scientific researches..
2) تطوير التصنيع Industrialization.
3) الاتجاه نحو العولمة Globalization .
وقد أدى البرنامج إلى خلق 54 حديقة تكنولوجية خلال التسعينيات. ونجح في إقامة 465 حاضنة حتى أكتوبر 2002م جميعها تقريباً حاضنات تكنولوجية(42)، ما حقق للصين المركز الثاني في العالم في عدد الحاضنات، بعد الولايات المتحدة، وقبل ألمانيا التي كانت تتربع على المركز الثاني بحوالي 300 حاضنة. ووصل عدد الشركات التي أٌقيمت في هذه الحدائق التكنولوجية إلى 20.796 شركة تقدم للسوق منتجات عالية التكنولوجيا، ويعمل بهذه الشركات حوالي 2.51 مليون شخص، وهم في الغالبية من ذوي المؤهلات العالية. وقد بلغ مجموع دخل هذه الشركات حوالي 115 مليار دولار أمريكي، نتج عنها 13 مليار دولار أمريكي من الضرائب. وبلغت مكاسب هذه الشركات من تصدير المنتجات التكنولوجية حوالي 18.6 مليار دولار أمريكي. وفي نهاية العام 2001م بلغ مجموع عوائد الشركات في هذه الحدائق التكنولوجية إلى رقم قياسي جديد، وهو 1193 مليار يوان (150 مليار دولار أمريكي).
أما الجامعات الصينية فقد أعيدت هيكلتها من خلال مشروع يطلق عليه "مشروع 211"، وقد وضع لتطوير مائة جامعة صينية رائدة، وإعدادها وتهيئتها للدخول إلى القرن الواحد والعشرين.
والعديد من الجامعات في الصين تمتلك شركات خاصة بها، تقوم بتقديم الخدمات، وعمل المشروعات خارج إطار الجامعات، فمثلاً هناك 57 جامعة في بكين لديها شركات خاصة، تمتلك الدولة منها 30 شركة.(43)
تجربة ماليزيا
ونشير كذلك إلى التجربة الماليزية، فقد أقامت ماليزيا عدداً من الشركات والمؤسسات من أجل الغرض نفسه، وكان على رأسها شركة تطوير التكنولوجيا الماليزية (Malaysian Technology Development Corporation, MTDC) في العام 1997م وتهدف إلى تسويق ونقل الأفكار الإبداعية التي تصدر عن الجامعات والمعاهد البحثية الماليزية.
وتحتضن شركة تطوير التكنولوجيا الماليزية المشروعات الصغيرة الجديدة، فقد أسست لتتيح للشركات الصناعية المتخصصة في القطاعات الإنتاجية والخدمية الجديدة، مثل مجالات الوسائط المتعددة (Multimedia) والتكنولوجيا الحيوية (Biotechnology)، أن تعمل في إطار تعاون مشترك مع أعضاء هيئة التدريس بالجامعات. وقد أقامت الشركة تطويراً حديثاً، بتنمية مراكز تطوير التكنولوجيا، وذلك في أربع جامعات ماليزية هي: جامعة ماليا، وجامعة بيترا ماليزيا، وجامعة كيبايجسان ماليزيا، وجامعة تكنولوجيا ماليزيا، وتعمل هذه المراكز على تنشيط البحث، والابتكار، والتطوير التكنولوجـي، في قطاعات الصناعة المتخصصة.
إن شركة تطوير التكنولوجيا ما هي إلاّ واحدة من آليات أخرى لتطوير التكنولوجيا في ماليزيا، وقد دعمت الحكومة الماليزية الشركة بحوالي 200 مليون دولار خلال السنوات من 2001م إلى 2005م.(44)
وتتمثل فلسفة العمل في مركز تطوير التكنولوجيا بماليزيا في الآتي:
- تنشط تسويق نتائج الأبحاث والتنمية المحلية، فالعديد من الشركات التي أقيمت من خلال تطبيقات تكنولوجية خرجت من معاهد بحثية محلية.
- إن في عمل الشركات الماليزية بالقرب من الجامعات ومراكز البحوث ما يدفع إلى تحسين وتطوير منتجاتها؛ وبالتالي يساعد على نموها ونجاحها.
- يعمل المركز على تنمية المعاهدات وفرص التعاون الاستراتيجي طويل المدى بين الشركات والجامعات والمعاهد البحثية.
- تتم الإفادة من التسهيلات التي تقدمها الجامعة، مثل: المعدات والمعامل.
- تطوير علاقات العمل بين الباحثين والعاملين بمجال التكنولوجيا، من جهة، والعاملين في الشركات الصناعية من جهة أخرى، وضمان نجاح الشراكة بينهم.(45)
وتتمثل خدمات الدعم التي تقدمها المراكز التكنولوجية للشركات في ماليزيا فيما يأتي:
- البحث والتطوير والاستشارات الهندسية.
- نقل التكنولوجيا العالية والتعاون الدولي المشترك.
- تنمية الموارد البشرية.
- خلق شبكات ومؤسسات للمشروعات.
- دعم برنامج إدارة الجودة.
- دعم برنامج تنمية عمليات التصنيع.
- تقديم خدمات التحليل المالي.
في اليابان
وفي اليابان مؤسسات مسؤولة عن هذه الشراكة بين العلم والإنتاج، ومنها:
- الجامعات الحكومية والخاصة. والمؤسسات الحكومية مثل وزارة الصناعة والتجارة الدولية (MITI) ووكالة العلوم والتكنولوجيا STA واتحاد وزارات التربية والعلوم والرياضة والثقافة (MONBUSHO). بالإضافة إلى مراكز ومعاهد البحوث التعاونية الحكومية مثل المؤسسة اليابانية لتشجيع العلوم JSPS. وكذلك مراكز ومعاهد البحوث الخاصة مثل مؤسسة سوميتومو الصناعية Sumitomo Industrial Corp (Ministry of Economy, Trade, and Industry, Japan, 2003)
وتضم الجامعات اليابانية المئات من مراكز البحوث التعاونية، وفي جامعتي طوكيو وتوهوكو 56 مركزاً من هذه المراكز مهمتها البحث في المشكلات التي تواجه الصناعة اليابانية، وطرح الأفكار التي تقوي العلاقة بين الصناعة والجامعات.(46)
وهناك ثلاثة أنواع من التعاون بين مؤسسات التعليم العالي في اليابان والمؤسسات الإنتاجية في المجالات البحثية، وهي:
1) إقامة بحوث مشتركة (Joint research) بين الجامعة والقطاع الخاص (Kenkyu Kyoudo). ونتيجة لهذا النوع من التعاون تم تقديم 326 طلب براءة اختراع في سنة واحدة (1994م).
2) إنجاز بحوث مدفوعة الأجر (Jutaku – Kenkyu)، إذ تقوم الجامعة بإجراء البحوث لمصلحة القطاع الإنتاجي وبتمويل منه. ونتيجة لهذا النوع من التعاون فقد وقعت في العام 1994م 2586 عقداً لمشاريع بحثية.
اللجوء إلى المنح والهبات (Kihu)؛ إذ تقوم الجامعات الوطنية بإجراء البحوث التي تمولها المؤسسات الصناعية عن طريق المنح والهبات، وتقوم الحكومة نتيجة لذلك بإعفاء المؤسسات الإنتاجية من الضريبة بشكل كلي أو جزئي. وقد وصلت هذه المنح والتبرعات في العام 1994م إلى حوالي 425.2 مليون دولار معفاة من الضريبة.(47)
ومنطقة كاناجاوا Kanagawa: وادي سيلكون اليابان Japan Silicon Valley تقدم التسهيلات اللازمة لتملك الأراضي، وإقامة المشاريع الاستثمارية الصناعية، والأكاديمية، والبحثية. وقد تأسس فيها من الفترة الواقعة بين 1983-1993م عشر جامعات كبرى. وفيها اليوم 65 جامعة وكلية. وفي نهاية العام 1979م كان عدد مراكز البحوث فيها 400 مركز، وصلت في العام 1993م إلى 885 مركزاً (15.6% فقط من مجموع مراكز البحوث في اليابان). ويسكن في منطقة كاناجاوا 320 ألفاً من العلماء والمهندسين، يعمل منهم حوالي 60 ألفاً في المنطقة نفسها، وذلك حسب إحصائيات اليابان الرسمية.(48)
وافتتح في كاناجاوا في العام 1989م منظمة كبرى سميت Kanagawa Science Park هدفها الأول تقوية الشراكة بين المؤسسات الإنتاجية والأكاديمية، وهي مكونة من ثلاثة أقسام:
1) KSP, Inc. منظمة متخصصة في احتضان الأعمال الإبداعية، ومساعدة المبدعين على إيجاد المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
2) أكاديمية كاناجاوا للعلوم والتكنولوجيا: Kanagawa Academy of Science and Technology (KAST) وتقوم بإجراء البحوث في التكنولوجيا عالية الدقة، كما تزود الدارسين بمعلومات تكنولوجية متقدمة.
3) Kanagawa High Technology Foundation وتتولى تحويل البحوث إلى التطبيق العملي (الإنتاج).(49)
وهكذا فالمنظمة الأولى تحتضن الأعمال الإبداعية وتمولها، والثانية تقوم بإعداد الأبحاث العلمية، والثالثة تقوم بتطبيقها.
تأسست في العام 1987م في توهوكو، (شمال شرق اليابان) منظمة توهوكو Tohoku Intelligent Cosmos Plan بتمويل من عدة وزارات، ومن بعض الجامعات الوطنية والخاصة. وهي تهدف إلى تنسيق جهود التعاون والشراكة، بين القطاعات الصناعية والأكاديمية والحكومية في منطقة توهوكو، عن طريق رعاية مشاريع بحثية، وتنمية وتطوير صناعات جديدة. وتأسيس شبكات معلوماتية متطورة، بهدف تحسين البنية التحتية للمنطقة. ويتبع لهذه المنظمة معهد للبحوث التعاونية The Institute of Cooperative Research (ICR) وهو تأسس في العام 1989م، ويعمل على إدارة التعاون المشترك بين المؤسسات الصناعية والأكاديمية، وكما يعمل على تسويق الاختراعات الجديدة، وتقديم مختلف التسهيلات للمراكز التعاونية الأخرى. ومن أهم المجالات التي يبحث فيها المعهد: التكنولوجيا الحيوية والأدوية Biotechnology and Pharmaceuticals.(50)
وهناك مدينة كانساي للعلوم: Kansai Science City وهي مدينة علمية تقع في منطقة كانساي، وتقدم الخدمة لعدة مناطق مثل، Nara, Osaka and Kyoto ، وقد تأسست داخل جامعة رتسوميكان Ritsumeikan وهي جامعة خاصة وعريقة، تأسست في العام 1869م.
ومدينة كانساي للعلوم عبارة عن اتحاد مجموعة من المراكز العلمية والبحثية، وهو اتحاد تموله الجامعة، ويقوم على إعداد البحوث والمشاريع التي تتقدم بها المؤسسات الإنتاجية في المنطقة.(51)
في فرنسا
أما في فرنسا، فهناك ما يسمى بالجمعية الفرنسية للحاضنات، وهي قامت بتحديد الشكل القانوني للحاضنات على النحو التالي:
1) الحاضنات الحكومية: وقد زادت أعدادها، وازدهرت بشكل كبير، بعد صدور قانون وزارة البحث العلمي في شهر مارس العام 1999م، الذي أتاح تمويل عدد من الحاضنات التكنولوجية للمشروعات الجديدة المقامة على قاعدة علمية. وتنتمي إليها الحاضنات المقامة داخل كليات الهندسة، والمعاهد العلمية المختلفة (INT, ESSEC, EPITA) والحاضنات المقامة داخل مراكز البحوث (INRIA – Transfert)، بالإضافة إلى الحاضنات التي ترتبط بالتنمية الاقتصادية للأقاليم، مثل حاضنة Paris Innovation
2) حاضنات تمتلكها الشركات الكبرى: وبيوت الخبرة العالمية: وهي حاضنات أقامتها الشركات الكبرى بهدف تشجيع وتنمية المشروعات الجديدة، وخاصة في المجالات الاقتصادية والتكنولوجية، مثل تطبيقات التليفون الجوال، وكذلك الإلكترونيات، ومجالات التكنولوجيا الحيوية، وشركة الاتصـــال الفرنسيـة France Telecom التي أقامت "Invent Mobile" وشركة الكهرباء الفرنسيــــة EDF التـــي أقامـــــت حاضنـة "Business Accelerator".
وفيما يخص الحاضنات التي أقامتها شركات خدمات وبيوت خبرة عالمية، هناك بيت الخبرة العالمي الشهير Price Water House الذي أقام حاضنة أطلق عليها "Price Lab"، وهي متخصصة في شركات الاستشارات القانونية والمحاسبية، وشركات المراجعة المالية.
3) حاضنات القطاع الخاص: وهي حاضنات استثمارية تعتمد أساساً على الربح، وهي بدأت، منذ منتصف التسعينيات، وأقامتها شركات تمويلية، وشركات رأس المال المشارك، ورأس المال المخاطر، وتوظيف الأموال. وتقدم هذه الحاضنات كل الخدمات المالية، خاصة في المشروعات ذات الطبيعة الخاصة، أو ذات المخاطرة العالية جداً، ومثال هذه الحاضنات الخاصة Talento التابعة لشركة KPM6. وهذه النوعية من الحاضنات منتشرة أيضاً في دول الاتحاد الأوروبي الأخرى.(52)
إعادة النظر في التعامل مع مؤسسات البحث العلمي
هل سيكون من المفيد هنا أن نقول ونردد حقيقة واضحة، لا جدال فيها، وهي أنه لابد من إعادة النظر في التعامل مع مؤسسات البحث العلمي، في بلاد العرب، فنبدأ بتصحيح مفهومنا للبحث العلمي، ونضع هذا المفهوم في سياق العصر الذي نشاهد، كل لحظة، جموحه، ونواجه، في كل منعطف، الكمّ الكبير من تحدياته وإغواءاته؟! إننا حين نفعل ذلك يكون من السهل استيضاح الأهداف التي نريد، وليس أقلها أن نكون جزءاً حقيقياً وفاعلاً من هذا العالم، لا نقف على هامشه، ولا نستهلك فتاته، ولكننا، بالأحرى، نكون شركاءه، ومنافسيه، ومن المسهمين في صناعة مستقبله. إن مثل هذا الأمر يمكن أن يتحقق عندما نشرع في الاقتناع بأهمية إعادة النظر في بناء علاقات جديدة لنا بالعلم وبالمعرفة. فالعلم لم يعد مجرد اختزان آلي للمعلومات، بل هو إعادة إنتاج ما نختزن، في شكل عطاءات، ومساهمات، من شأنها أن تدفع إلى تحسين مستوى الحياة.
إن النماذج التي أوردناها في مكان سابق من تجارب الدول التي استطاعت أن تنجح في إنقاذ "البحث العلمي"، أو في واقع الأمر إنقاذ نفسها، جديرة بأن تحتذى أو أن تكون قدوة لغيرها من الأمم التي تروم الرقي، إذ استطاعت أن تفسح لها مكاناً مرموقاً بين صفوف دول العالم التي أدركت التقدم، أو أنها انعتقت من ربقة التخلف.
وأهم ما في تلك التجارب من حكمة، أو عقل، أنها وضعت البحث العلمي في موقعه الصحيح، فهو ليس موجوداً للترف الأكاديمي، أو ليكون على هامش المجتمع، بل هو موجود ليكون وقوداً حياً متفجراً للنمو. ومن عقل تلك التجارب أو حكمتها أيضاً أن البحث العلمي لا يعيش على الفتات، وعلى فائض الصرف الاستهلاكي، بل هو هدف وغاية، وهو يستأثر بما يستحق من الدعم.
إن الجامعات هي محاضن العلم، وهي معاقل العلماء، والمبدعين وصانعي الأفكار. غير أن ما يجري في معظم الجامعات العربية هو خلاف ذلك. وتشير بعض الدراسات إلى أن مؤسسات الدولة، ومؤسسات القطاع الخاص، في معظم البلدان العربية، تتوجه في تلبية حاجاتها، من المعارف والتقنيات في ميادين الإنتاج والخدمات، إلى جهات غير الجامعات.(53)
فالجامعات في العالم العربي، بتقصير منها في أداء مهماتها، أو لعدم حصولها على الدعم اللازم في مجالات البحث، لا تتنبه لحاجات مجتمعاتها المحلية، ولا تهتم بقضاياها الداخلية الملحة التي ترقى، في معظم الأحيان، إلى مستوى الأمن القومي الداخلي. وعلى سبيل المثال فإن 57% من المياه المحلاة في العالم توجد هنا في منطقة الخليج، ولكن على الرغم من ذلك؛ فإن دول الخليج ليس لديها أبحاث ذات قيمة في هذا الموضوع. ومثال آخر: فإن دول الخليج من أكبر دول العالم إنتاجاً للنفط، والغاز الطبيعي، ولكن ليس لديها أبحاث ذات بال في مجال البتروكيماويات. والشركات النفطية مازالت تحجب عنا أسرار الصناعة البتروكيماوية.(54)
أمية المستقبل
علينا أن ندرك أن مشروع نقل التكنولوجيا أو استنباتها يستلزم تهيئة البيئة العلمية الخصبة، ومن أبرز شروط تلك البيئة بحسب بعض الباحثين:
1) نهوض مجتمع البحث العلمي، على مستوى بناء العلماء أنفسهم، وعلى مستوى إشادة المراكز العلمية المجهزة بمتطلبات العمل العلمي السليم.
2) فتح قنوات التفاعل بين مراكز البحث في الداخل، وتشجيع التعامل مع مراكز الأبحاث الأخرى في الخارج.
3) الشروع في بناء صناعات محلية، مدعومة ببحوث علمية من أجل التطوير والارتقاء بمستوى الإنجاز.
4) الاستقرار في مجالات البحث العلمي، وفق خطة وطنية، تأخذ في الحسبان أولويات الحاجة الاجتماعية للعلم والتقنية.
5) تخصيص ميزانيات مقبولة وسخية للبحث العلمي لا تقل عما هو موجود في الدول المتقدمة التي تحقق رقيها ونموها عن طريق العلم والبحث العلمي، فلا تقل تلك الميزانيات عن 2% من الدخل القومي. إن هذا هو ما تفعله الدول التي حققت معدلات ملفتة في النمو. ولابد من المعادلة بين البحوث الأساسية والبحوث التطبيقية، بما يضمن استخدام العلم من أجل البناء والتطور في جميع المجالات، بما فيها بناء العلم نفسه.(55)
6) لابد من التأكيد على ضرورة رعاية مؤسسات البحث العلمي من لدن أعلى السلط في الدولة، فيصار إلى فك ارتباطها مع الوزارات الخدمية، التي يكون موضوع البحث العلمي دائماً، بالنسبة إليها، في ذيل اهتماماتها الطويلة العريضة. وفي السياق ذاته؛ لابد أيضاً من جعل البحث العلمي أولوية وطنية، وأن يموّل من جميع المصادر. وأن ينتقل من مستوى الاستهلاكات الدعائية الممجوجة إلى مستوى الممارسات الفعلية في الخطط والبرامج، وإلى مستوى تفعيل التطوير وجعله هدفاً وطنياً وقومياً، يسبق كل ما سواه من الأهداف.
من جهة أخرى؛ فإن مسألة علاقة البحث العلمي والتعليم بالتنمية الاجتماعية تضعنا، من جديد، أمام الملاحظة الجديرة بالتأمل والفحص وإعادة التركيب، وهي الملاحظة التي ما يفتأ يلوك الحديث فيها كثيرون اليوم، إذ ظل الحديث عنها مقتصراً على الجانب "الإنشائي" من جهة المنظرين، وعلى الجانب "الإدعائي" من جهة القائمين على العمل، ونعني بتلك الملاحظة مسألة تعميق الارتباط بين المدرسة والجامعة من جهة، والمجتمع من الجهة الأخرى، فالأطروحة التي مازال يلح عليها المثقفون من خارج المدرسة والجامعة، هي أنهما، أي: المدرسة والجامعة، ظلتا تعيشان واقع انفصال مخيف عن المجتمع، فهما بعيدتان عن مشكلاته، وعن طموحاته وتطلعاته، وعن احتياجاته الصميمية، ولذا فهما مصابتان بحالة يائسة من العقم، وهما لا تضطلعان بأي مسؤولية اجتماعية حقيقية، ولاسيما من حيث الإسهام في قيادة المجتمع نحو رفاهية الإنتاج، ومن حيث الأخذ بيده نحو مزيد من تطوير مفهوماته تجاه الحياة، وتجاه علاقاته بالكون والأشياء. والسبب في كل ذلك ليس سراً من الأ