[img][/img]
لا يمكن الحديث اليوم عن مقاربة تحليلية وموضوعية لواقع الإصلاح التربوي ولمجرياته الراهنة والمستقبلية، دونما الأخذ بعين الاعتبار، والتأكيد على عمق الروابط الحتمية والطبيعية بين هاتين المؤسستين (الأسرة والمدرسة) ودورهما المشترك في عملية التنشئة الاجتماعية، وتضطلعان معا من خلال أدوارهما الحيوية المتقاسمة في بناء الإنسان وبالتالي ترصيص بنى المجتمع، والتصميم الاستباقي لملامح مستقبله، مع ضمان توارث وتناقل خصوصياته الحضارية والإنسانية.
ويكمن دور الأسرة الأساسي في تهيئة المجال البيئي الملائم لنمو وبناء شخصية أبنائها بناء سليما، وذلك بما تمنحهم من الحب والحنان والشعور بالدفء العاطفي وبالأمن والطمأنينة... وللأسرة دورها في حفز الأبناء وتشجيعهم بالكلمة الطيبة، والتوجيه السديد. والأسرة الواعية تعمل على بناء الثقة في نفوس أبنائها، وإثارة التفكير العلمي لديهم بحرية عن طريق: الحوار، والمحادثة، و محاكمة الأمور و الإقناع. و تدربهم على: الاعتماد على النفس، وتحمل المسؤولية و مواجهة الأمور الصعبة، وتحمل المشاقّ والصبر عليها، وعلى الطريقة السليمة في حل المشكلات، وتعودهم التعلّم الذاتي عن طريق: البحث والاستكشاف والتجربة و الملاحظة والتدريب. وتعلمهم التخطيط لأهدافهم و مراجعة أعمالهم. كل ذلك بما يناسب الخصائص النمائية لمراحلهم العمرية.
و للأسرة دورها في غرس القيم والمبادئ الإيمانية والأخلاقية في نفوس أطفالها، و في تعليمهم أنماطاً من السلوك الصحيح كسلوك: التغذية، والعناية بالنظافة، والصحة، والمحافظة على البيئة، وترشيد الاستهلاك، والاتصال الاجتماعي، وممارسة الحرية في إطار المحافظة على حقوق الغير، ونحو ذلك.
وبهذا تعد الأسرة من أهم المؤسسات الاجتماعية التي تساهم في التنشئة العلمية لأفراد المجتمع، فالأسرة هي الموطن الأول لكل فرد من المجتمع، وتقع عليها مسئولية تربية الأطفال وتنشئتهم منذ اللحظة الأولى من ميلادهم، وتستمر لسنوات طويلة حتى مرحلة رشدهم. لذلك فإن تأثير الأسرة يلازم الفرد في مراحل حياته العمرية المختلفة.
ويشارك الأسرة في عملية التنشئة الاجتماعية للأبناء المدرسة كمؤسسة مكملة لمهام الأسرة، وكنظام له برامجه ووسائله وطرقه....المدروسة والمخطط لها. حيث كانت المدرسة قديما معزولة عن الوسط الذي تعيش فيه لا تربطها بالبيئات التي حولها أي رابط مادي أو اجتماعي وتقتصر مهمتها ضمن حدود الكتاب المدرسي، ولا تعني بما يجري في البيئة من أوجه نشاط ولا يهمها دراسة أسباب تصرفات تلاميذها وسلوكهم وظروف بيئاتهم وما يواجهون من مشكلات يومية وكان الآباء ينظرون إلى المدرسة وكأنها دائرة إدارية لا يجوز التدخل في شؤونها.
وبمعنى آخر فإن التعاون بين البيت والمدرسة كان شبه معدوم، وبتطور الحياة والعلوم وأنظمة التعليم أصبح من الأهمية أن يتم هذا التكامل بين البيت والمدرسة باعتبارهما أهم مؤسستين تربويتين في المجتمع، فأصبحت مهمتها إعداد النشء والأجيال للحياة والمجتمع فغدت المدرسة مركز إشعاع تربوي وعلمي واجتماعي في البيئة والمجتمع المتواجد فيه فهي تدأب على رفع مستوى الحياة فيه وهذا يتطلب منها توثيق صلاتها بالبيت الذي تربى فيه طلابها ومنه انطلقوا للحياة واكتسبوا معارفهم وخبراتهم منه وانطبعوا بثقافة واتجاهات أبويهم وبالتالي فإن توثيق الصلة بالبيت يجعل المدرسة أداة مؤثرة وفعالة في توجيه الأبناء وتعليمهم.
بذلك تكون كل من الأسرة و المدرسة بوجه خاص ـ نظرا لتداخل و تقاطع وظيفتهما التربوية ـ يسعيان معا إلى تحقيق مقاصد وقواسم مشتركة، و في طليعتهما تحصين المكتسبات الاجتماعية المتراكمة ضمانا لتناقل مقومات الحضارة الوطنية وثوابتها عن طريق بناء فكر وثقافة تربوية مدنية مسؤولة يتم ترجمها في الواقع الحياتي سلوكيا في شكل روابط وعلاقات ومبادرات ومواقف وقرارات وممارسات ناضجة ومعقلنة تجاه الأفراد والجماعات والمؤسسات. وهي مهام جسيمة تشكل مجتمعه المرآة العاكسة لمنظومة الأخلاق و القيم الشائعة في المجتمع و الدالة على مؤشرات تماسكه وصلابته ومناعته وتوازناته.
وعليه يجب أن تكون الأسرة على دراية بما تقوم به المدرسة وما تقدمه من رعاية وتعليم لأبنائها حتى تساعد في تحقيق الأهداف...ولا يتم ذلك إلا بأن تكون الأسرة أو أحد من أفرادها على اتصال بالمدرسة وتتعرف عليها وعلى برامجها. والدور المنوط إليها... وكذلك أن تدرك الأسرة قيمة العلم وأهميته وتعمل على نجاح البرامج الإرشادية والتعليمية للطلبة. فالأسرة يجب أن تعرف برامج الطلبة ومستواهم وأدائهم، وكيف يتعلمون، وتتبع الطلبة من خلال دفاتر المتابعة والوظائف وغيرها.. إضافة إلى ذلك ضرورة متابعة سلوك الأبناء في المدرسة وخارجها من طرف الأسرة، كما أن عليها أن تعزز دور المدرسة والأنشطة التي تقدمها. وهكذا لكي تصبح الأسرة شريك فاعل في التربية والتعليم والإعداد للحياة، أن تراقب وتلاحظ التلميذ في كل مناحي سلوكه، تراقب أصدقائه وتحصيله، تساعده على أداء امتحاناته...وهذا لا يتم دون تواصل مثمر مع المدرسة...
ولعل المدرسة في حاجة ماسة للأسرة لكي تقوم بدورها، فلم يعد دورها معزولا عن المجتمع،لكنها يجب أن تتفاعل معه إذا أرادت أن تحقق أهدافها وبرامجها وأنشطتها...
فمن خلال المجالس التي تعقد بحضور الآباء يجب فتح باب الحوار والمناقشة لقضايا كثيرة وهامة كظاهرة الغياب مثلا، التحصيل الدراسي، وإلى غير ذلك من مظاهر سلوكية أو انحرافية...وكذلك هناك التقارير التي يمكن أن تقدمها المدرسة لتعزيز روح التواصل بينهما، أو من خلال الاستدعاء للمدرسة عن طريق ورقة مكتوبة أو هاتف... فالمدرسة التي تنجح في التواصل مع الأهل، تقدم لهم المعلومة التي يحتاجونها أول بأول، وتعطيهم الخبرة والمهارة على التعامل السليم مع الأطفال خاصة في فترات حاسمة في حياتهم كالمراهقة مثلا... فقد يحتاج الوالدين لمعلومات ومهارات في هذا الجانب...والمدرسة بحاجة إلى معلومات عن هذا الطفل في مرحلة طفولته ونمط التربية التي تلقاها في الأسرة...كما أنها بحاجة إلى معرفة خصائص هذا الطفل الاجتماعية،الانفعالية، السلوكية، من أجل تنمية وبناء البرامج التي تساعده على النجاح الأكاديمي والتربوي.وبهذا تكون شراكة حقيقية من أجل الاستثمار في عقول الأبناء واعداهم للمستقبل.
إن غياب مثل هذا التواصل بين البيت والمدرسة في أحيان كثيرة يؤدي إلى العديد من المشكلات للطفل، وإذا زاد هذا الغياب في التواصل ربما تكون نتائجه خطيرة جدا، يمكن أن يصل إلى حد تعاطي الكحول والمخدرات والمؤثرات العقلية الأخرى ذات الأثر الخطير على الطفل.