المـــد والجـــزر
المد والجزر ارتفاع وانخفاض مسطحات مائية واسعة، على فترات زمنية محدّدة. ينظم المد والجزر يوم الكثير من الناس الذين يعيشون على امتداد الشواطئ البحرية في العالم. ويعد المد والجزر ظاهرة مهمة بالنسبة للفتيان الذين يسبحون على طول الشواطئ، عندما يكون البحر في حالة مد، ويقومون بالبحث عن المحار الملزمي في المناطق التي غطاها المد عندما يكون البحر في حالة جزر. وبمجرد ظهور دلائل بداية المد أو الجزر، فإن ذلك يعني بداية أو نهاية العمل اليومي لصيادي الأسماك، الذين يحتاجون إلى المدّ، لكي يخرجوا أو يدخلوا بسفنهم إلى الموانئ.
تتعرض جميع المسطحات المائية الصغيرة منها والكبيرة إلى هذه الظاهرة الناجمة عن قوى الشمس والقمر. إلا أن هذه الظاهرة لا تُلاحظ بسهولة إلا عند التقاء اليابسة بالماء. وفي المسطحات المائية الداخلية، فإن ارتفاع وانخفاض المياه المنتظمين يكون من الصغر، بحيث لا يميز بينه وبين التغيرات في مستوى المياه الناجمة عن الرياح وحالات الجو. فبحيرة سوبيريور الواقعة بين الولايات المتحدة وكندا، لا يزيد ارتفاع مياه شواطئها في حالة المد عن 5 سم فقط.
تستغل المرافئ الكبيرة والموانئ البحرية هذه الظاهرة من عدة وجوه، حيث تعمل التيارات المائية الناتجة عن ظاهرة المد والجزر على تنظيف القنوات الرئيسة لتُبقيها عميقة، وتستغل السفن المحيطية والمراكب البخارية المد المرتفع لدخول الموانئ ذات الممرات الضحلة. كما يحافظ المد والجزر على بقاء الموانئ نظيفة، حيث تقوم المياه بنقل المخلفات من الشواطئ إلى الأعماق، ومن ثم تستقر في القاع. تحدث ظاهرة المد والجزر أيضًا على اليابسة وفي الغلاف الجوي، لكنه من الصعوبة بمكان ملاحظتها، كما هو الحال بالنسبة للمسطحات المائية. فظاهرة المد والجزر بالنسبة للأرض أو الغلاف الجوي، يمكن ملاحظتها فقط بوساطة الأجهزة العلمية ذات الحساسية العالية.
المد والجزر وارتباطهما بالقمر
يتبع المد والجزر القمر في حركته الظاهرية حول الأرض. ترتفع مياه المسطحات المائية وتنخفض مرتين خلال الفترة الزمنية الواقعة بين طلوعين متتاليين للقمر، وهي تعادل 24 ساعة و 50 دقيقة تقريبًا. وتتحدد الفترة بين طلوعين للقمر بوساطة حركتين هما: 1- حركة الأرض حول محورها. 2- دوران القمر حول الأرض. فنتيجة لدوران الأرض حول محورها، يقطع القمر السماء مرة كل يوم. أما بالنسبة للشمس، فإن القمر يدور حول الأرض مرة واحدة كل 29,5 يوم، لذلك فإن القمر يتحرك 12°حول الأرض كل يوم. وفي الوقت الواقع ما بين طلوعين للقمر، تكون الأرض قد أكملت دورتها حول نفسها، وهنا ترجع الاثنتا عشرة درجة التي أُضيفت، وتستغرق هذه الاثنتا عشرة درجة نحو50 دقيقة.
يعرف الناس منذ آلاف السنين أن هناك علاقة بين حركة المد والجزر والقمر. فقبل بداية القرن الثاني الميلادي، كتب عالم الطبيعيات الروماني بليني عن أثر القمر على حركة المد والجزر. لكن القوانين الفيزيائية لهذه الظاهرة لم تتضح، إلا بعد اكتشاف العالم الإنجليزي إسحق نيوتن قانون الجاذبية في بداية القرن السابع عشر.
تسحب جاذبية القمر المياه القريبة منه قليلاً عن الجزء الصلب من الأرض، وفي نفس الوقت يقوم القمر بجذب اليابسة قليلاً عن الماء في الجهة المقابلة من الكرة الأرضية. وبنفس الطريقة فإن جاذبية القمر تسبب حدوث انتفاخين لمياه البحر، ويتخذ هذان الانتفاخان نفس اتجاه المد.
ونظرًا لدوران الأرض حول محورها، فإن كلاً من اليابسة والماء يدوران بعضهما مع بعض، لكن واحدًا من هذين الانتفاخين يبقى في العادة تحت القمر، والانتفاخ الآخر عادة ما يبقى في الجهة المقابلة من الكرة الأرضية. لذلك ينشأ عن دوران الكرة الأرضية مدٌ في غالبية أجزاء البحر مرتين في اليوم الواحد، وليس بالضرورة تساوي هذين المدين في مكان واحد، لأن مراكز الانتفاخات المائية تقع في الغالب على الجوانب المقابلة لخط الاستواء، بدلاً من وقوعها فوق خط الاستواء بسبب وقوع القمر عادة إلى الشمال أو الجنوب من خط الاستواء.
توجد قوة تجذب الأرض نحو الشمس أو القمر تسمّى الجاذبية. وتعتمد هذه القوة على الكتلة والمسافة التي تفصل الأجسام عن الأرض. فقوة الجاذبية تتناسب مع كتلة الجسم، فإذا كان بالإمكان مضاعفة كتلة الجسم، فإن طاقة جذب هذا الجسم نحو الأرض ستكون مضاعفة. كما تتناسب الجاذبية عكسيًا مع مربع المسافة بين الجسم والأرض، فإن طاقة الجذب بينهما تقل إلى الربع.
تقوم الشمس والقمر بجذب جانب الأرض القريب منهما أكثر من جذبهما لمركز الأرض، وذلك لأن مركز الأرض يقع بعيدًا. ونتيجة لهذا الاختلاف يحدث المد والجزر. وتتناسب هذه الاختلافات عكسيًا مع مكعب المسافة بين الجسم والأرض، فإذا تضاعفت المسافة بين الأرض والجسم فإن الجاذبية تصل إلى الثُمن فقط.
تساوي كتلة الشمس 27 مليون مرة كتلة القمر. فإذا كانت المسافة بين الأرض والقمر تساوي المسافة بين الشمس والأرض، فإن المد الذي يحدث بفعل جاذبية الشمس، سوف يعادل 27 مليون ضعف ارتفاع المد الناتج بفعل جاذبية القمر. لكن المسافة بين الشمس والأرض أبعد 390 مرة من مسافة القمر عن الأرض. لهذا فإن المد الناتج عن جاذبية الشمس يعادل فقط 46% من المد الناتج عن جاذبية القمر. ويتحد المدَّان الناتجان عن الشمس والقمر في مد وجزر واحد يبدو واضحًا على شواطئ البحار.
يساهم اختلاف السواحل والقنوات البحرية في تباين الأوقات التي تضرب بها أمواج المد والجزر الموانئ الواقعة على نفس الشاطئ، وتقوم حكومات الدول الواقعة على الشواطئ بطباعة جداول خاصة، تبيَّن فيها مواعيد حدوث موجات المد والجزر على الموانئ الرئيسة لهذا البلد طيلة السنة. تدخل السفن الموانئ أثناء حدوث مد ذي علو كاف لكي يحملها، وإلى تيار الارتفاع لكي ينقلها إلى داخل الميناء إذ إن جداول المد والجزر التي يعتمدها بحارة السفن ثابتة لا تتغير.
العلاقة بين المد والجزر:
تتشابه مظاهر مد ما كثيرًا مع مظاهر مد آخر. إذ تبدأ المياه بالارتفاع تدريجيًا من أقلِّ نقطة انخفاضًا، إلى أن تصل إلى أبعد نقطة مد خلال ست ساعات. ثم تبدأ المياه بالعودة خلال ست ساعات إلى أن تصل إلى نقطة الجزر. وتبدأ الدورة مرة أخرى. ويسمى الاختلاف في الارتفاع ما بين المدّ والجزر المدى.
كما تسمى حركة المياه علوًا وانخفاضًا بتيار المد والجزر، فعندما تتحرك المياه باتجاه الساحل أو اليابس تدعى هذه الحركة تيار الارتفاع. وعندما ترجع المياه نحو البحر تُسمى هذه الحركة تيار الانخفاض. ويختلف مدى المدّ والجزر من يوم إلى آخر وفق موقع الشمس والقمر. فعندما تقع جاذبية الشمس والقمر على خط واحد ـ عندما يكون القمر بدرًا أو هلالاً ـ فإن المد يرتفع بصورة أعلى من المعتاد. وهذا النوع يسمّى المد التام. وعندما تقع جاذبية الشمس على زاوية قائمة لجاذبية القمر ـ وهذا يحدث عندما يكون القمر في ربعه الأول أو ربعه الأخير، فإن المد في هذه الحالة لا يتجاوز المدّ العادي، ويسمى هذا النوع مد المحاق.
كما تعمل طبيعة السواحل نفسها على حدوث تباين كبير في هذا المدى، حيث يبدو المدى واضحًا جدًا في الخلجان والممرات البحرية الضيقة. فعلى سبيل المثال، يصل المدى بين المد والجزر في خليج فندي بكندا أحيانًا إلى 15م حيث تدخل المياه إلى نهر بتيتكودياك على شكل حواجز مائية يصل ارتفاعها إلى نصف متر.
يؤدي شكل وحجم وعمق البحار والمحيطات دورًا كبيرًا في اختلاف حركات المد والجزر. ففي المحيط الأطلسي يحدث المد والجزر مرتين كل يوم. بينما يختلف الوضع في بعض جزر المحيط الهادئ فيحدث مدّ مختلط حيث يرتفع الماء في اليوم الواحد مرتين مع حالة جزر منخفض قليلا بينهما، ثم جزر في غاية الانخفاض. وعند سانت ميشيل في ألاسكا وبعض المناطق على امتداد خليج المكسيك يحدث مدّ واحد، يتلوه جزر في اليوم الواحد. ويتميز البحر الأبيض المتوسط بقلة حدوث حالات المد والجزر.
المد والجزر في الهواء. وهو يشبه المدَّ والجزر في البحر، إذ تصل سرعة المد عند سطح الأرض 0,08كم/ساعة. ويسمى هذا المد الرياح القمرية وهو من الضعف بحيث إننا لا نشعر به. ويستطيع العلماء التعرف عليه من خلال دراسة تباين المعطيات الإحصائية للطقس. ويحدث المد والجزر في الهواء مرتين يوميًا. وللمد الهوائي مستويات مرتفعة كما هو الحال في المد التام البحري. وتهب الرياح القمرية باتجاه الغرب في الصباح ونحو الشرق في المساء.