سقوط الدولة العباسية
كتبهامحمد مريني ، في 19 سبتمبر 2008 الساعة: 10:29 ص
سقوط الدولة العباسية.. دروس وعبر
للشيخ سالم العجمي
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله و صحبه وسلم تسليماً كثيرا.
أما بعد..
فإن من المعلوم أن الحق والباطل لا زالا في صراع منذ قيام الدنيا وحتى يرث الله الأرض ومن عليها، وإن في قصص الزمان عبرة للمعتبر وعظة للمتعظ، وحريٌّ بالمرء أن يطلع على قصص التاريخ فإن فيها دروسا وعبرا وعظات.
وإننا في هذه الكلمات نريد أن نتكلم حول سقوط الدولة العباسية، تلك الدولة العظيمة التي عمّرت ردحاً من الزمن وكان سقوطها عبرة للمعتبرين وعظة للمتعظين، وهذه هي سنة الله جل وعلا في خلقه، قال سبحانه وتعالى: {حتى إذا أَخَذَتِ الأرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظن أَهْلُهَآ أَنَّهُمْ قـدِرُونَ عَلِيْهَآ أَتاها أَمْـرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْناهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْن بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نفصلُ الآيات ِ لِقَومٍ يَتَفَكَّرُونَ}(1).
وقال نبينا الكريم صلوات ربي وسلامه عليه: “حقٌ على الله ألا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه”(2).
ولكن الذي يتأمل هذه القصة يعلم علم اليقين أنها مأساة، وأنها ليست بقصة تذكر وتمر، فهي قصة ولكنها في الحقيقة غصة في حلق التاريخ، ويندى لها جبين البشرية، وتتصدع لهولها الجبال الراسيات، وعقت الأيام والليالي أن تلد مثلها.
فإن الذي يتأمل فيها يجد محناً وويلات جُرت على الأمة الإسلامية بسبب غفلة وحسن ظن وطيب نية، استغلها من في قلبه حقد ودغل على الإسلام وأهله وقد بات في خلده حلم لا يغيب يتمثل بتغيير الواقع المنير إلى واقع مظلم بئيس.
إن الدولة الإسلامية منذ قيام دولة بني العباس قد دب فيها التفرق والاختلاف، فحين خرج أبو العباس السفاح على دولة بني أمية فرَّ عبد الرحمن الداخل -رحمه الله- وأقام دولة بني أمية في بلاد الأندلس، وهذا هو بداية التفرق، على أن حصول التفرق في الأمة الإسلامية منذ ذلك التاريخ كان على مراحل، وكلما تقدم الزمن كان يظهر التفرق جليا واضحاً، ففي البداية كان هناك دولة بني العباس ودولة بني أمية الثانية التي أقامها عبد الرحمن الداخل، وبعد ذلك بدأت تخرج تلك الدويلات، فظهرت دولة خوارزم، ودولة السلاجقة، والدولة الأيوبية، ودولة العبيديين الفاطميين الرافضة في مصر، وهكذا، ولكن هذا التفرق كما ذُكر جاء على مراحل.
وفي عام 616هـ كان ظهور التتار وهم الذين سقطت الدولة العباسية على أيديهم، وواكب ذلك أن دولة بني العباس في هذا التاريخ كانت دولة ضعيفة بالنسبة لما قبلها، فقد كانت سيطرتها الفعلية فقط على بغداد ونواحي بغداد، وكانت الدويلات الصغيرة التي ذُكِرَت وغيرها قد انتشرت في العالم الإسلامي.
في عام 616هـ كان الحاكم للدولة العباسية الناصر، والناصر هذا كان أطول بني عباس مدة، فقد حكم من عام 575هـ إلى عام 633هـ، وقد ذُكر من سيرته أنه كان شحيحا، وقد وضع المكوس التي أثقلت كاهل الأمة ومن ولاه الله عليهم، وقد بقي في الخلافة إلى سنة 622هـ ثم خلفه بعده ابنه الظاهر، والظاهر -رحمه الله- كان عدلاً حسن السيرة مع من ولاه الله عليهم، وكان وقوراً ديناً عاقلاً وهو أسن بني العباس من ناحية الحكم، فقد كان عمره حين تولى الخلافة اثنين وخمسين عاماً، وقيل فيه من ناحية العدل والإحسان أنه لم يكن بعد عمر بن عبد العزيز أعدل منه لو طالت مدته، فإنه لم تمض عليه بعد توليه الخلافة تسعة أشهر حتى توفي رحمه الله.
ثم خلفه بعده ابنه المستنصر والذي تولى الخلافة من عام 623هـ حتى عام 640هـ، وكان كأبيه كثير الصدقة، محسنا إلى الرعية، كثير النفقات على المحاويج والعلماء، ولم تزل الخلافة له حتى توفاه الله في عام 640هـ فتولى الخلافة بعده ابنه المستعصم بالله وهو الذي زالت الدولة العباسية على يديه .
ما هي قصة مجيء التتار؟ ومن أين جاؤوا؟
التتار كانوا يسكنون في جبال طغماج في الصين وقد عبروا نهر ديجون إلى دولة الإسلام بصحبة حاكمهم جنكيزخان، وقصة هذا العبور أن جنكيزخان بعث تجاراً له إلى دولة شاه خوارزم ليشتروا له بعض الملابس ويتبضعوا له من هناك. فلما وصلوا إلى تلك السلطنة -وكان خوارزم في الخارج- أرسل إليه نائب السلطنة بمجيء هؤلاء التجار من طرف جنكيزخان وأن معهم أموالاً كثيرة فلم يحسن شاه خوارزم التصرف فأمر بقتلهم و مصادرة الأموال.
يقول المؤرخون: أنه بتصرفه هذا كان هو السبب في مجيء التتار إلى أمة الإسلام، فبسبب ذلك غضب جنكيزخان، وأرسل يتهدد شاه خوارزم، ثم عبر التتار على إثر ذلك نهر ديجون قادمين إلى بلاد خوارزم، فلما أقبلوا على شاه خوارزم حدث بينهم وبينه قتال عظيم، والدولة الخوارزمية كانت دولة عتية وقوية، فحصل بينهم قتال شديد حتى قتل من الفريقين خلق كثير، حتى أن الخيول كانت تتزحلق في الدماء، وكان جملة من قتل من المسلمين عشرين ألفاً ومن التتار أضعاف ذلك، وبعد ذلك تحاجز الفريقان وتولى كل منهم إلى بلاده ورجع شاه خوارزم وأصحابه إلى بخارى وسمرقند.
ثم جاء جنكيزخان فحاصر سمرقند وبخارى، فطلب أهلها منه الأمان فأمَّنهم غدراً وخيانة وخديعة، فأحسن فيهم السيرة، وامتنعت عليه القلعة التي تحصن بها بعض من ك%