النفايات وأنواعها وطرق التخلص منها
أصبحت مشكلة النفايات من القضايا البيئية الملحة في عالم بدأ يتزايد فيه حجم النفايات بصورة مطردة نتيجة للزيادة السكانية من ناحية وزيادة معدلات الاستهلاك من ناحية أخرى، فضلاً عن تزايد أنواع النفايات، وخاصة النفايات الخطرة، بسبب التوسع الصناعي من جهة، واستخدام المعادن المشعة من جهة أخرى .
ولذلك أصبح التخلص من هذه النفايات قضية تؤرق المسئولين والعلماء، الذين يسعون للتعامل معها بما يحقق الأمن البيئي، ويحد من المخاطر البيئية والصحية التي يمكن أن تسببها تلك النفايات، التي باتت تهدد مستقبل الحياة على سطح الأرض .
ويقصد بالنفايات "أي مواد أو أشياء يتم التخلص منها أو يلزم التخلص منها بطريقة آمنة طبقاً لأحكام القانونين الدولي والوطني". والنفايات قد تكون مواد صلبة أو سائلة أو غازية. وتنقسم النفايات من حيث خطورتها إلى نفايات حميدة ونفايات خطرة .
ويقصد بالنفايات الحميدة: "مجموعة المواد التي لا يصاحب وجودها مشكلات بيئية خطيرة، ويسهل في الوقت ذاته التخلص منها بطريقة آمنة بيئياً"، وهي تشمل النفايات المنزلية ونفايات المصانع غير الخطرة .
وقد قدرت كمية النفايات الحميدة Normal Wastes في المدن بالبلدان النامية بحوالي 300 مليون طن عام 1990م، ارتفعت إلى نحو 580 في عام 2005م، أي تضاعفت تقريباً في 15 سنة، مما يشير إلى أنها مشكلة متنامية بصورة مطردة وتحتاج إلى حلول سليمة بيئياً، خاصة إذا علمنا أن ما بين 25-40% من النفايات الصلبة التي تتولد في المراكز الحضرية بالدول النامية تترك دون معالجة، لتتراكم في الشوارع والأراضي الخالية والمهملة، مما يخلق الكثير من بؤر توالد الميكروبات والروائح الكريهة ويؤثر سلباً على البيئة وصحة الإنسان .
أما النفايات الخطرة Dangerous Wastes ، فهي "النفايات التي تشتمل مكوناتها على مركبات معدنية ثقيلة أو إشعاعية أو اسبستوس أومركبات فسفورية عضوية أو مركبات السيانيد العضوية أو الفينول أو غيرها". وتتولد معظم النفايات الخطرة من الصناعة، إضافة إلى محطات توليد الكهرباء بالطاقة النووية التي تعتبر من أكثر مصادر المخلفات النووية .
وقد بلغ حجم النفايات الخطرة على مستوى العالم نحو 660 مليون طن سنوياً، تنتج الولايات المتحدة منها نحو 520 مليون طن بنسبة 80%.وتزداد خطورة هذه النفايات إذا علمنا أن تكلفة التخلص منها بصورة آمنة بيئياً مرتفعة للغاية .
وقد قدرت الوكالة الأمريكية لحماية البيئة تكلفة الإجراءات التي يتطلبها تطوير 1200 موقع لطمر النفايات الخطرة بنحو 200 بليون دولار، ومن هذه المواقع مجمع "كلارك فورت" للتعدين في مونتانا الغربية، والذي يعد أكبر موقع لطمر النفايات الخطرة في العالم، حيث تراكمت برك النفايات من استخراج النحاس والفضة وأنشطة صهرهما لمدة 130 سنة، وأصبح المجمع مصدراً لتلويث المياه الجوفية والتربة ويؤثر في الصحة العامة بشكل خطير .
وتلجأ الدول إلى التخلص من نفاياتها بطرق كثيرة، منها ما هو متوافق مع البيئة، ومنها ما هو غير متوافق، بعضها مشروع والآخر غير مشروع. وفي مقدمة هذه الطرق الردم الصحي أو الدفن Landfill للنفايات الصلبة المنزلية والصناعية الحميدة والخطرة في مستجمعات سطحية، وهذه الطريقة وإن كانت تخلصنا من هذه النفايات إلا أنها تسبب الكثير من الأخطار البيئية والصحية، مما يقلل من أهميتها كوسيلة آمنة للتخلص من النفايات .
ومن هذه المخاطر، تلوث المياه الجوفية، وانبعاث إشعاعات نووية وغازات سامة، مثل غاز الميثان القابل للانفجار بصورة تشكل خطورة على المباني المقامة في مواقع دفن سابقة للنفايات .
وقد وقعت العديد من حوادث الانفجار في مواقع دفن نفايات في بريطانيا وكذلك في مدينتي واشنطون ونيويورك .
كما ينبعث من مواقع دفن النفايات غاز كبريتيد الهيدروجين الناتج عن التحلل الهوائي للمواد العضوية، إضافة إلى الروائح الكريهة، والحاجة إلى مساحات كبيرة لتوفير أماكن جديدة للدفن بصورة مطردة، وهذه مشكلة في حد ذاتها .
ورغم الاحتياطات التي تتخذها الجهات المسئولة عن دفن النفايات، إلا أن هذه الاحتياطات لا تقلل نسبة حدوث المخاطر إلا بمعدلات طفيفة، فضلاً عن التكلفة الباهظة لها، وتشير بعض الدراسات إلى حاجة دولة، مثل ألمانيا، إلى نحو 40 بليون دولار للعمليات العلاجية التي تحتاجها مواقع النفايات الخطرة، والتي تزيد على 60 ألف موقع .
ومما يشير إلى التكلفة الباهظة للتخلص من النفايات الخطرة وعجز بعض الدول الصناعية والنووية عن توفيرها، تهديدات وزير البيئة الروسي بدفن النفايات الخطرة في المحيط الهادي ما لم تتلق بلاده مساعدات مالية تساعدها على التخلص الآمن من هذه النفايات .
ويعد الحرق Incineration من أهم وسائل معالجة النفايات، حيث يتم حرق النفايات المنزلية في محارق خاصة Incinerators ، تتكلف مبالغ باهظة، وهذه الطريقة لها مخاطر بيئية كبيرة، حيث ينبعث منها العديد من الغازات الضارة، كما يحتوي الرماد الناتج عن عملية الحرق على كميات هائلة من المواد السامة مثل الديوكسين والرصاص والكاديوم والزئبق، ومن ثم يحتاج هذا الرماد الضار إلى دفنه .
وقد أشارت دراسة أجريت على مدينة تورنتو الكندية، إلى أن غاز الديوكسين الناتج عن المحارق هو أحد الأسباب الرئيسية المسئولة عن زيادة تركيزه في المواد الغذائية بمعدل يفوق 50 مرة الحدود المسموح بها .
وفي السويد، أشار تقرير حكومي إلى أن 55% من الزئبق الموجود في البيئة السويدية ناتج عن استخدام المحارق، إضافة إلى انبعاث كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون، أحد غازات الدفيئة التي يسعى العالم لضبطها لتفادي الاحتباس الحراري .
وإذا كان حرق النفايات، يصاحبه الكثير من المخاطر، فإن استخدام محارق ذات طبيعة خاصة، يعد أمراً ضرورياً للتخلص من نفايات المستشفيات التي تحمل عناصر ميكروبية وجرثومية ضارة بالصحة .
أما تدوير المخلفات Wastes Recycling ، فهو طريقة أفضل من الطريقتين السابقتين للتخلص من النفايات، سواء الحميدة أو الخطرة. وتختلف طريقة التدوير تبعاً لنوعية النفايات ومدى خطورتها .
وفيما يتعلق بالنفايات المنزلية، فإن التدوير يتم من خلال مرحلتين، تتمثل أولاهما في فرز النفايات وجمع المواد الصلبة، مثل الحديد والألومونيوم والبلاستيك والزجاج والورق وغيرها، وهي وسيلة مهمة وتتيح إعادة استخدام هذه المواد الصلبة كمواد خام، أما المرحلة الثانية فتتمثل في تحويل النفايات المتبقية إلى أسمدة عضوية تفيد التنمية الزراعية .
وفيما يتعلق بالنفايات الصناعية الغازية والغبارية، فإنه يتم تجميعها من مداخن المصانع وإعادة استخدامها مرة ثانية فيما يسمى بتقنية نهاية الأنبوب End Pipe Technologies ، مثل تجميع غبار اليوريا من مصانع الأسمدة الكيماوية وإعادة تصنيعه، وكذا تجميع غاز ثاني أكسيد الكبريت واستخدامه في صناعة الأسمدة الكيماوية، أو تجميع غبار الأسمنت واستخدامه في بعض مواد البناء .
أما النفايات الصناعية الصلبة، فمعظمها يتم تصديره من البلدان الصناعية إلى الدول النامية لإعادة استخدامها مرة أخرى، وتنتشر الآن قوائم بالنفايات الصناعية الصلبة المعروضة للبيع في كثير من الدول المصدرة للنفايات .
وبالنسبة لمياه الصرف الصحي Sewage Water كنفايات سائلة، فإن معالجتها معالجة ثلاثية وإعادة استخدامها، سواء في مجال التنمية الزراعية، أو في المنازل مرة ثانية، هي الطريقة الأفضل، خاصة في البلدان التي تعاني من شح موارد المياه العذبة.وقد بدأت الكثير من البلدان في معالجة مياه الصرف الصحي وإعادة استخدامها في أغراض الزراعة وغيرها .
أما النفايات المشعة، فيجب أن تتم معالجتها قبل دفنها، وذلك لتقليل ما تحتويه من مواد مشعة وغيرها إلى المستوى الآمن. وقد أقامت بعض الدول النووية، ومنها فرنسا، مصانع لمعالجة نفاياتها المشعة قبل دفنها، وهي آلية يجب أن تتجه إليها باقي الدول النووية من أجل ضمان التخلص الآمن من هذه النفايات، وإنقاذ الأجيال القادمة من مخاطرها .
وهناك عدة وسائل يمكن إتباعها من أجل الحد من إفراز النفايات وحسن استخدامها، ومن ذلك العمل على تقليل حجم النفايات الحميدة والخطرة من خلال الاعتماد على التقنيات الأقل تلويثاً للبيئة أو ما يسمى بالتقنيات الأنظف Cleaner Technologies ، والاتجاه إلى فرض ضريبة على النفايات، بالنظر إلى أن المتسبب في النفايات يجب أن يتحمل نفقات التخلص منها بصورة آمنة، وفي نفس الوقت مكافأة المؤسسات والهيئات التي تقلل وتضبط نفاياتها من خلال وضع حوافز تشجيعية متعددة، مع التوعية البيئية بخطورة النفايات، والالتزام بأحكام الاتفاقيات الدولية، ومنها اتفاقية بازل لعام 1989م، وذلك فيما يتعلق بآليات وضوابط التحكم في النفايات الخطرة والتخلص منها عبر الحدود.