النوع الثاني من أنواع التعامل ، التعامل مع الوالدين، والوالدان عظّم الله جل وعلا حقهما، وقد قال جل وعلا (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ)[الإسراء:23-24]، وقال جل وعلا (وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)[النساء:36]، وقال سبحانه (قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)[الأنعام:151]، فقرن الله جل وعلا في آيات كثيرة حق الوالدين بحقه، قال العلماء: إن حق الوالدين مقرون بحق الله جل وعلا؛ ذلك من كان وفيا مع والديه مطيعا لهما فإنه أن يكون مطيعا لربه جل وعلا من باب أولى؛ لأن العبد إذا تذكر ما يجب للوالدين من الحق وفاء لهما وبرا لهما فلئن أن يكون بارا فلئن يكون مطيعا لله جل وعلا الذي لا يخلو العبد في حين من أحيانه من نعمة من نعم الله جل وعلا حادثة من نعمة تجب الشكر، لاشك أن ذلك من باب أولى.
ولذلك قال الله جل وعلا (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ)
قَضَى: يعني أمر ووصى كما فسره ابن مسعود وغيره قضى ووصى أمر ووصى (أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) وعظم حق الوالدين بقوله جل وعلا (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا) فحرم التأفيف، وهذا من باب التنبه على الأعلى، فإن التنبيه على التأفيف كان التحريم ما هو أعلى من باب أولى، من قياس الأولى أو من الدخول في دلالة اللفظ في محل اللفظ، وقال جل وعلا بعدها (فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا) يعني بالقول لا تقل أف، وفي الفعل لا تنهرهما (وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) هذا في باب الأفعال، عقوق الوالدين من الكبائر، والموبقات كثيرة ومنها عقوق الوالدين، ومن الناس من يكون بارا بنفسه، بارا بأهله، بارا بأقاربه، بارا بأصدقائه؛ ولكن حاله مع والديه هي أسوأ الأحوال، وهذا لاشك أنه مما هو من الكبائر؛ لأن عقوق الوالدين من الكبائر، وقد عد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حقوق الوالدين من الكبائر.
فالتعامل مع الولدين يجب أن يكون على وفق ما قضى الله جل وعلا به وقضى به رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يكون العبد مُحْسنا معهما بالكلام محسنا بالفعل، قال جل وعلا (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)[الإسراء:24] (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ) يعني اخفض لهما جناحك الذليل على وجه الرحمة، قال العلماء: الجناح هنا هو جانب الإنسان؛ يعني من اليد والرجل أو جانب أو الجانب وقوله هنا (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ? فيه تنبيه على أن من الناس من يخفض من الوالدين جناح الذل ولكن قلبه منطوٍ على الكبر قلبه منطوٍ على عدم الطاعة، قلبه منطوٍ على البغض والله جل وعلا قال (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ) يعني جناحك الذليل (مِنَ الرَّحْمَةِ) لا على وجه الاستعلاء لا على وجه التكبر؛ بل قل بعد ذلك (رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) وهذه الآية من الآيات مما تنقطع معه قلوب المؤمنين الذين يعظمون الله جل جلاله.
قال العلماء: تجب طاعة الوالدين في المعروف. ومعنى ذلك أنّ العبد إذا أُمر -يعني أمره الله جل وعلا- بأمر هو له فرض عين؛ فإن طاعة الله هنا مقدمة على طاعة الوالدين، أما فيما كان في غير فرض العين، وتمثيل لفرض العين مثل حضور الجمعة وحضور الجماعات والجهاد الذي هو فرض عين عليه، ومثل طلب العلم الواجب والسفر له، ونحو ذلك من فرائض الأعيان، فهذا ليس لهما طاعة فيه فإذا منعاه من الحج الواجب مثلا الذي هو فرض عين عليك ليس لهما طاعة فيه، كذلك إذا منعاه من أداء الصلاة جماعة فليس لهما طاعة فيه، كذلك إذا منعاه من أداء الجهاد المتعين ليس لهما طاعة في ذلك؛ لكن إن منعاه من حج نفل أو من جهاد نفل، أو منعاه من صلاة نفل أو نحو ذلك وجب عليه أن يطيعهما، وقد قال جل وعلا (وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا)[العنكبوت:8] وقال جل وعلا في الآية الأخرى (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ)[لقمان:15].
قال الإمام أحمد رحمه الله: يطيع الوالدين ولو كانا فاسقين. لأن حقهما ليس لأجل صلاحهما؛ ولكن لأجل أنهما والدان، والله جل وعلا أمر بطاعة الوالدين حتى ولو كان الوالدان مشركين وهذه الآية آية لقمان في سعد بن وقاس مع أمه في القصة المعروفة قال جل وعلا (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا) وهذا عام في كلّ المسلمين؛ يعني أن يطيع المسلم والديه سواء كان بارين أو كانا فاجرين.
وقال شيخ الإسلام في مسألة طاعة الوالدين قال: يطيعهما فيما فيه منفعة لهما وأما إذا كان الأمر ليس فيه منفعة لهما فإن طاعتهما ليست متعينة، فلو منعاه عن شيء نفل، أو منعاه عن شيء ليس فيه مصلحة للولد أو ليس لهما فيه مصلحة فإنه لا يتعين طاعتهما فيه عند شيخ الإسلام.
والأول قول الإمام أحمد وغيره أولى؛ لأن الله جل وعلا أمر بطاعة الوالدين طاعة عامة، وقال (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) والمعروف هو كل ما فيه طاعة لهما؛ ولكن في الشرك ومثيله الواجبات فإنه لا يطيع، وهذا بدون تفريق ما كان فيه لمصلحة لهما أو ما ليس فيه مصلحة لهما.
أحيانا يكون الوالد متسلطا على الولد يكون الوالد غير معامل للولد بالحسنى يفضّل عليه إخوانه، يفضل عليه بعض الناس، يفضل بعض الأبعدين على أولاده، ويرى الولد ذلك وربما تغيض وهذا مما يجب على الولد ألا يحكم رغباته ألا يحكم أهواءه في هذه المسألة؛ بل ينظر إلى حق الوالدين من جهة أن الله جل وعلا هو الذي فرض حقهما، والحديث في هذا ومما يجب عليك أن تتعلم في هذا كيف تعامل والديك؛ يعني ما الأحكام الشرعية التي للوالدين ما حكم طاعتهما، ما تفصيل أحكام طاعتهما في ذلك في أمر الزواج في أمر الطلاق في طاعة الوالد في طاعة الوالدة، هل طاعة الوالد هي المقدمة هل طاعة الوالدة هي المقدمة في تفاصيل تطلب من كتب أهل العلم خاصة كتب الفقهاء.