نعرف الله ثم نعصاه !!
إن المسلم ليعرف الله أكثر من معرفة غيره بالله فنحن ولله الحمد نمتلك برهانين لم يمسهما تحريف ولا تزوير هما كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم , وإن التعرف على الله من أعلى المنازل وأرفعها ولن تصلح القلوب إلا بمعرفة الله تعالى فمعرفة الله ترسخ الإيمان واليقين وتحفز القلوب على التقرب من الله والتعلق به وتستحضر الخشية الحقة التي مناطها العلم بالله , يقول الله تعالى : { إنما يخشى الله َ من عباده العلماء ُ } فكلما كان علمنا بالله أوسع وأكثر كلما كانت خشيتنا لله أعظم وأكبر وهذا من صلاح القلوب التي يستقر فيها معرفة الله بما يوجب عظمته ومحبته وخشيته ورجاؤه والتوكل عليه فيمتلئ بها ويتيقنها قناعة ورضا , وهذا هو حقيقة التوحيد في قولنا لا إله إلا الله , وبهذا كان طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة وهو العلم الشرعي الذي يوجب معرفة الله والعلم به وفق ما جاء في كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم .
إذا فقد كان للمسلم شرف معرفته بالله وفق ما أراد الله وأمر به من خلال القرآن العظيم الذي كفل الله بحفظه في قوله : { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } ومن خلال ما أخبر به الصادق المصدوق في الأحاديث النبوية الشريفة التي قيض الله لها من يجمعها ويحفظها ويتحقق من صحتها وهذه هي المحجة البيضاء التي أوصانا بها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك فويل لمن زاغ أو بدل وغير .
إننا نعرف الله وبقدر علمنا وطلبنا له تزداد معرفتنا بالله وبزيادة معرفتنا بالله تزداد خشيتنا له ويزداد تعظيمه في قلوبنا وبهذا تكون نظرتنا لا لصغر المعصية ولكن لعظمة من نعصاه وهو والله عظيم ذاك اسمه وصفته فسبحان الله العلي العظيم , إننا نعرف الله ولكننا لم نقدره حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيمة والسماوات مطويات بيمينه , نعرف الله ولم نقدره حق قدره وهو القاهر فوق عباده وهو على كل شيء قدير .
إنه لمن أعجب العجب أن تعرف القلوب ربها وخالقها ورازقها تم تعصاه وتصر على المعصية , إن الخطأ واقع من الإنسان فهو يعتريه النقص والنسيان فليس بغريب عليه الوقوع في الهفوات والزلات التي تتوالى منه بين الحين والحين , ولكن على من عرف ربه وتيقن قلبه من ذلك أن يعود للرشد ويستيقظ قلبه ويتنبه من الغفلة ويسارع بالتوبة قبل أن يفاجئه الأجل فتطبيع النفس على الاستغفار والمسارعة بالتوبة من الذنوب والمعاصي يسمو بها إلى الصفاء والصدق مع الله في السر والعلن .
لقد عرفنا نحن المسلمون أن الله حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان , فلماذا نبارز الله بالمعاصي ونحن نعلم انه قادر علينا لو شاء لأهلكنا وعذبنا وما لنا من دون الله من ولي ولا نصير ؟
لماذا نعصى الله ونجاهر بالمعصية ونحن نعلم أن الله قد عافانا إلا المجاهرون ؟ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { كل أمتي معافى إلا المجاهرون, وإن من الجهار أن يعمل العبد بالليل عملا ثم يصبح قد ستره ربه فيقول : يا فلان قد عملت البارحة كذا وكذا , وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه } متفق عليه .
وهذا يعد استخفافا بأوامر الله عز وجل ونواهيه وهي تؤدي إلى اعتياد القبائح والاستمرار عليها وكأنها أمور عادية لا شيء فيها وقد يؤدي به الحال إلى استحلال المعصية والعياذ بالله وهذا من سوء الخلق وعدم التأدب مع الله الذي يورث قسوة القلب وحب الرذيلة مما يكسب النفس جفاء وفراغ روحي ووحشة وظلمة تسربل كوامن الخير فيه بغشاء أسود معتم فتميل النفس إلى شر الأعمال وتتصف بقبح الصفات فيغلب شرها على خيرها وتطغي قسوتها على لينها وقد يؤدي بها الحال إلى سوء الختام ورحيل من الدنيا على أقبح الأعمال ولقاء الله بالحسرة والخسران فإنه من السفه والجهل أن نمني النفس بطول الأجل مع سوء العمل فتكون العاقبة سوء الدار .
إنه لمن اختلال العقل وفساد القلب أن قد جاءنا العلم وأبصرنا طريق الرشاد ثم نزاول المعاصي إصرارا وتكبرا سرا وجهرا , فما حجتنا إن لقينا الله على معاصي تهد الجبال وتعكر الماء الزلال , إن العلم بالله يقتضي الخضوع له وطاعته وخشيته والتوبة والإنابة إليه وملازمة ما أنزله في محكم آياته وما بينه لنا نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في سنته المطهرة , وكلما تمسكنا بذلك كلما استزدنا علما ومعرفة بالله ومنه تزداد خشيتنا وتقربنا إلى الله وبه يتحقق لنا الصلاح والهداية والاستقامة وفي ذلك الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة بإذن الله .
أيها المسلم يا من وفقك الله لنعمة الإسلام ومدك بفضله وميزك بالعقل اعلم رحمك الله أن معرفة الله علم وهذا العلم نور من الله ونور الله لا يؤتى لعاص , فكيف لنا أن نعرف الله ثم نعصاه ؟؟!!!
وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
بقلم / أبو ياسر الحكمي