صبحي غندور*
كان مفهوماً في حقبة الحرب الباردة هذا الانسجام الكامل بين المصالح الأمريكية والإسرائيلية. فإسرائيل كانت بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية صمّاماً للأمان الأمريكي في منطقة مجاورة للاتحاد السوفييتي السابق ولأوروبا وفيها أهم مصادر الطاقة العالمية. وكانت إسرائيل تجسّد، في تلك الحقبة من الصراع بين الشرق الشيوعي والغرب الرأسمالي، دور المخفر العسكري الأمامي الذي يحمي المصالح الأمريكية، ويقوم بالنيابة عن واشنطن بما يستلزم من أعمال عسكرية قذرة تهدف إلى ضبط المنطقة في إطار المصالح الأمريكية ومنع تسرّب النفوذ السوفييتي إليها.
وكان هذا المفهوم الأمريكي لدور إسرائيل منسجماً مع مصالح الحركة الصهيونية العالمية، ومع مشاريع إسرائيل ومخططاتها الذاتية، تماماً كما حدث في حرب عام 1967 في إضعاف مصر/عبد الناصر "التي كانت حليفةً للاتحاد السوفييتي"، ومن ثمّ اندفاع مصر/السادات إلى المعسكر السياسي الأمريكي بعد توقيع معاهدة كامب ديفيد.
أيضاً، كان لإسرائيل بالمفهوم الأمريكي نفسه دور كبير في إضعاف النفوذ السوفييتي في منطقة المشرق العربي من خلال ما قامت به عام 1975 من دور مباشر وغير مباشر في إشعال الحرب اللبنانية التي انغمست فيها جهات عربية عديدة كانت على علاقة جيدة مع الاتحاد السوفييتي.
إلا أنّ انهيار المعسكر الشيوعي بنهاية عقد الثمانينات أوجد مبرّرات عديدة لإعادة النظر بالمفهوم الأمريكي للدور الإسرائيلي. وقد عبّر عن ذلك بشكل واضح وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جيمس بيكر في عهد الرئيس بوش الأب، في أكثر من لحظة خلاف مع الحكومة الإسرائيلية، كان أهمّها الخلاف على موضوع المستوطنات مع حكومة شامير وتجميد واشنطن لضمانات القروض المالية، ثمّ تحدّي الرئيس بوش الأب علناً لضغوطات جماعات "اللوبي الإسرائيلي" حول الموضوع نفسه.
ولم تكن المتغيّرات الدولية التي أحدثها سقوط المعسكر الشيوعي وحدها فقط وراء إعادة النظر بالمفهوم الأمريكي للدور الإسرائيلي، بل إنّ غزو صدام حسين لدولة الكويت وما نتج عنه من حشود عسكرية أمريكية في منطقة الخليج، كان دليلاً آخر أيضاً على عدم الحاجة الأمريكية للدور العسكري الإسرائيلي بالشكل الذي كان عليه فترة "الفيتو السوفييتي".
واستطاعت إدارة بوش الأب في تلك الحقبة الزمنية أن تجمع ما بين وجود أمريكا العسكري والقوي في المنطقة وبين علاقات إيجابية مع أطراف عربية فاعلة لم تكن على وفاق أصلاً مع واشنطن. ولقد رافق هذه الحقبة مؤتمر مدريد للسلام، الذي أرادته واشنطن آنذاك أن يكون بدايةً لإنهاء الصراع العربي/الإسرائيلي على ضوء المتغيّرات الدولية الجديدة وميزان القوى الجديد في المنطقة.
لكن هذا التوجّه في العلاقات الأمريكية/الإسرائيلية وفي رؤية منطقة الشرق الأوسط، لم يؤتِ ثماره بسبب اختيار الأمريكيين عام 1992 لكلينتون على رأس إدارة ديمقراطية كانت أولوياتها التعامل مع أوضاع اقتصادية واجتماعية داخلية، دون أن يكون لديها رؤية استراتيجية شاملة لعالم ما بعد سقوط الاتحاد السوفييتي.
وجاءت حقبة التسعينات لتكون مزيجاً من طروحاتٍ نظرية في الغرب وإسرائيل تتحدّث عن "الخطر الإسلامي الجديد" القادم من الشرق، ومن ممارساتٍ عملية من جماعات تحمل شعارات إسلامية وأسماء عربية، وتقود عمليات عنف مسلّحة ضدّ مواقع أمريكية في أكثر من مكان، بدأت مع محاولة تفجير مركز التجارة العالمي بنيويورك عام 1993 ولم تنتهِ في تفجير الطائرات المدنية الأمريكية في واشنطن ونيويورك عام 2001.
ورافق هذا المزيج من "النظريات" و"الممارسات"، طرحٌ إسرائيلي مركّز على أهمّية دور إسرائيل بالنسبة لأمريكا والغرب في "الحرب على الإرهاب القادم من الشرق".
ثم جاءت إدارة بوش الابن "ومن كان فيها من المحافظين الجدد الداعمين لنهج التطرف الإسرائيلي" لتبدأ حروباً قائمة على رؤيتها الاستراتيجية للشرق الأوسط والعالم الإسلامي من منطلق مفهوم العلاقة المتجدّدة والقوية مع إسرائيل.
إدارة باراك أوباما، لم تأخذ طبعاً بنهج إدارة بوش في الشرق الأوسط، بل حاولت أن تعود في سياستها بالمنطقة إلى النهج الذي كانت عليه الإدارة الأمريكية في فترتيْ بوش الأب وبيل كلينتون من تشجيع على تسويات سياسية، وطبعاً مع ضغوط تمارسها واشنطن على عدّة أطراف عربية لمباشرة خطوات التطبيع مع إسرائيل دون انتظار لمصير المفاوضات.
لكنّ الاختلاف الحالي الحاصل بين واشنطن وتل أبيب، ومنذ مجيء إدارة أوباوما، ليس حول الموقف من الملف الفلسطيني فقط، بل هو اختلافٌ في الرؤى حول السياسة المتعلّقة بالشرق الأوسط عموماً.
فبينما جاءت غالبية الأمريكيين بإدارة جديدة تتّصف بالاعتدال وترفض الاستمرار في نهج الحروب العسكرية وتدعو خصوم أمريكا لحلّ الأزمات عن طريق التفاوض، جاءت غالبية الإسرائيليين بحكومة يمينية متطرّفة لا تقبل بحلّ الدولتين ولا يعترف بعضها بالاتفاقات السابقة مع الفلسطينيين، وهي حكومة أرادت التصادم العسكري مع إيران والاستمرار في الحروب على حركات المقاومة بفلسطين ولبنان، ولا تريد أصلاً الدخول في تسوية شاملة أو في اعتماد المبادرة العربية كخطّة للسلام، أو حتى في الحد الأدنى تجميد الإستيطان في الأراضي المحتلة فكيف بالانسحاب من هذه الأراضي ومن القدس الشرقية؟!.
لذلك، ماطلت وستماطل حكومة نتنياهو كثيراً قبل أن تسلّم بالأمر الوقع الأمريكي الجديد المدعوم من كافّة الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن ومن الرأي العام العالمي بأسره.
فمشكلة حكومة نتنياهو هي أنّها تتعامل الآن مع إدارة أمريكية تحمل رؤية واضحة لما تريد تحقيقه في منطقة الشرق الأوسط ككل، ودور إسرائيل في هذه الرؤية هو دور "المنفّذ" لا "الشريك" كما كان الحال مع الإدارة السابقة.
فعلى إسرائيل "تنفيذ" القبول بمبدأ حل الدولتين والمشاركة ربما في مؤتمر دولي سترعاه اللجنة الرباعية، وقد يكون في موسكو على الأرجح خلال هذا العام، ويستهدف إطلاق المفاوضات لتحقيق تسوية شاملة على كلّ الجبهات.
طبعاً، حتّى لو تجاوبت إسرائيل الآن مع الرغبات الأمريكية والدولية، فإنّ ما قد يحصل هو العودة إلى المماطلة في تنفيذ التعهّدات والغرق في التفاصيل بحيث يتمّ مع مرور الزمن تعطيل الأهداف.
لقد كانت السياسة الأمريكية سابقاً تجاه الصراع العربي/الإسرائيلي "وبغضّ النظر عن شخص الحاكم في واشنطن" أسيرة مفاهيم الحرب الباردة التي كان لإسرائيل خلالها دور بارز في تحقيق المصالح الأمريكية. اليوم، إسرائيل هي عبء كبير على أمريكا وعلى مصالحها في العالمين الإسلامي والعربي، فلم تعد إسرائيل وشواطئها فقط هي المتاح الأساس للتسهيلات العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط "كما كانت في حقبةٍ طويلة في الحرب الباردة"، ولم تعد إسرائيل مصدر أمنٍ وحماية للمصالح الأمريكية، بل إنَّ تلك العلاقة الخاصَّة معها أضحت هي السبب في تهديد مصالح واشنطن في بقعةٍ جغرافيةٍ تمتدّ من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهندي، ويعيش عليها مئات الملايين من العرب وغير العرب، وترتبط ثروات هؤلاء أصلاً، بل وسائر خيراتهم الاقتصادية، ارتباطاً شديداً بالشركات والمصالح الأمريكية.
__________________________
* مدير مركز الحوار العربي في واشنطن
-
Sobhi@alhewar.comالتوقيع
النسر غير متواجد حالياً
Digg this Post!Add Post to del.icio.usBookmark Post in TechnoratiFurl this Post!
رد مع اقتباس
قديم 23-Jun-2011, 11:06 PM رقم المشاركة : 2
النسر
عميد المشرفين
الصورة الرمزية النسر
افتراضي رد: العلاقات الأمريكية- الإسرائيلية إلى أين؟!
حينما يغدو المشهد الإسرائيلي مثقلا بـ«نقاط التحول»!
نواف الزرو
"نقطة تحول.."، هي تلك المناورات والتدريبات والاستعدادات الحربية "الإسرائيلية" الجارية على قدم وساق لمواجهة احتمالات وسينارياهات الرعب القادمة على تلك الدولة الصهيونية. بدأت بالرقم "1" ثم تسلسلت لتصل إلى الرقم "5". ونقطة التحول الخامسة هذه- ولن تكون الأخيرة- انطلقت الأحد 19/ 6/ 2011 بأضخم عملية مناورات وتدريبات عسكرية حربية صهيونية تحت اسم: "نقطة تحول 5". هذا ما أطلقوه عليها..
فالماثل أمامنا انهم على مستوى المؤسسة العسكرية والسياسية والإعلامية، وكذلك على مستوى الرأي العام الإسرائيلي، يربطون ربطا جدليا ما بين هذه التدريبات والمناورات "المتحولة.. المتسلسلة من 1 إلى 5 حتى الآن..." وما بين حرب الصواريخ القادمة التي باتت تهيمن على الخطط والقناعات والمناخات والسيكولوجيا الإسرائيلية..!.
فالإسرائيلي عموما، من الرئيس، إلى رئيس الوزراء، الى الوزراء، الى كبار الجنرالات والضباط، الى الجنود في كل مكان، الى رجال الدين- الحاخامات، الى رجال الاعلام والاكاديميا، الى عصابات المستوطنين في أنحاء الضفة، كلهم بالإجماع أصبحوا ينتظرون اندلاع حروب، وهم يرون حرب الصواريخ القادمة عبر هذه التدريبات العسكرية الأوسع والأشمل في تاريخ تلك الدولة الصهيونية..!.
فنقطة التحول، في مضمونها العسكري، تشكل نقطة تحول ليس على مستوى التدريبات والاستعدادات الحربية لديهم فقط، وانما أخذت تتكرس كنقطة تحول استراتيجي في المواجهات العسكرية الحربية منذ الهزيمة الحارقة التي لحقت بجيشهم الذي لا يقهر في تموز 2006، وشكلت بالتالي نقطة تحول سيكولوجي في استعداداتهم النفسية لمواجهة حروب اخرى مع حزب الله وعلى الجبهات الأخرى!..
بل يبدو ان المشهد الإسرائيلي بات مثقلا ﺑ"نقاط التحول" المقترنة بسيكولوجيا الرعب والقلق، وهواجس الوجود، من الحرب ومن الخسائر ومن الهزيمة المحتملة، ومن المستقبل الغامض، ومن احتمالات الانهيار الشامل!..
وزير "الجبهة الداخلية" الإسرائيلية، الجنرال متنان فيلنائي، رسم سيناريو الرعب الإسرائيلي المتوقع في أية حرب مستقبلية مع العرب، ويتمثل بسقوط آلاف الصواريخ يوميا، لمدة شهر كامل على الأقل، واستهداف محطات إنتاج الطاقة والبنى التحتية، والمؤسسات الاقتصادية، وتعرض مدينة تل أبيب لقصف مكثف 06/ 06/ 2011".
وحينما يرسم فيلنائي سيناريوهات الرعب الماثلة في الأفق، فان في ذلك معان ودلالات حربية صريحة... فقد قال في لقاء مع أرباب الصناعة والتجارة والأعمال: "ستسقط آلاف الصواريخ يوميا على إسرائيل، وسترتفع ألسنة النيران من مواقع استخراج الغاز، ينبغي أن نكون مستعدين لحرب شاملة مع سوريا وحزب الله وحماس"، واصفا مواقع التنقيب عن الغاز في عرض البحر بأنها الخاصرة الرخوة لإسرائيل. موضحا: "السوريون ليسوا بحاجة لإطلاق عشرات الصواريخ على تلك المواقع، فلديهم منظومات دقيقة، ويكفي بضعة صواريخ لإحراق كل شيء".
وقال فيلنائي "إن العرب يعرفون استخلاص الدروس، هم لا يخافون، ولا يهربون كما علموكم ذات مرة، انسوا ما علموكم إياه، هم يعرفون أنهم لا يمكنهم هزيمة إسرائيل في ساحة المعركة، لهذا يستعدون لضربها في العمق بواسطة الصواريخ، يمكنكم احتساب كم صاروخا بحوزتهم، كم منها يمكننا قصف مواقع إطلاقها، وكم سنسقط منها قبل وصولها، سيطلقون علينا آلاف الصواريخ والقذائف، وستسقط مئات الصواريخ في منطقة المركز، هذا ما سيحصل هنا، وسيستمر شهرا عل الأقل، دون توقف".
والمحلل الإسرائيلي جدعون ليفي كتب في هآرتس 12/ 12/ 2010 تحت عنوان: "أربما لا يوجد خيار عسكري" يبشر الإسرائيليين- أو يضعهم في صورة الحقائق القائمة والقادمة- قائلا: "ستكون الحروب الآتية هي حروب الجبهة الداخلية. وهذه المرة ستتضرر الجبهة الداخلية الإسرائيلية على نحو لم نعرفه من قبل، فقد كانت حرب الخليج الاولى وحرب لبنان الثانية من هذه الناحية المقدمة لما قد يحدث فقط.
ان هجوما بآلاف الصواريخ، كما يتنبأ الخبراء، سينشئ واقعا يصعب على إسرائيل الصمود فيه، فهي غير مزودة لذلك وقد رأينا هذا في الكرمل، وهي غير مستعدة لذلك وقد رأينا هذا في حرب لبنان"، مضيفا: "يجب أن يفهم كل زعيم إسرائيلي، مغامر وخريج دورية القيادة العامة، أن خيار الهجوم ليس خيارا في الحقيقة، صحيح أننا نجحنا في عدة عمليات قصف في الماضي لكن الحصانة لن تظل أبدا ولن تكون صواريخ سكاد جوفاء دائما. لن تكون ألف وحدة اطفاء جديدة ولا حتى "القبة الحديدية" حماية- لانه لا يمكن بناء قلعة لكل مواطن.
ومن هنا ينبع الاستنتاج الثاني غير الممتنع، الذي يجب أن يتغلغل عميقا عميقا، لا عند الساسة والقادة العسكريين فحسب بل عند مُؤججي الحرب الكثيرين عندنا، وهو أن الخيار الوجودي الوحيد هو الاندماج في المنطقة "وهذا مصطلح أبدعه أوري افنيري قبل عشرات السنين".
فلينظر القوميون و"المستوطنون" والرافضون والعسكريون والأمنيون ومؤيدو الضم، والصقور واليمينيون وذوو الشعور الوطني، والمتحمسون والخلاصيون فيما حدث في الكرمل، وليقولوا لنا الى أين يريدون المضي بهذا، ليُبيّنوا لنا من فضلهم أي خيارات تواجه "إسرائيل" عندما تقول "لا" لكل احتمال سلام، وجبهتها الداخلية ضعيفة الى هذا الحد، أي أمل لها اذا استمرت على العيش على سيفها فقط الذي كان ذات مرة قويا مُهدِّدا، وأخذ يصدأ الآن"؟.
مذكرا برابين وحدود القوة "الإسرائيلية": "كان رئيس الحكومة اسحق رابين هو الذي اعترف ذات مرة في حديث خاص، بأن التقدير المركزي الذي بعثه على المضي الى مسيرة اوسلو هو الاعتراف بحدود القوة "الإسرائيلية"".
وانتقالا إلى التنفيذ على الأرض، فحينما تباشر وحدات جيش الاحتلال الصهيوني المناورة العسكرية السنوية الأكبر في تاريخها التي أطلق عليها اسم "نقطة تحول 5"، فان لذلك حسابات ودلالات!..
فقد نقلت الإذاعة "الإسرائيلية" العامة الأحد 19/ 06/ 2011 عن الجيش قوله ان هذه المناورة تهدف الى اختبار مدى جاهزية الجيش لخوض حرب تجري على جبهات عدة في ذات الوقت، وتحاكي احتمالية سقوط مئات الصواريخ على المدن والتجمعات السكنية "الإسرائيلية" ومنها تل ابيب والكنيست "الإسرائيلي" في القدس، تطلق من إيران وسوريا ولبنان وقطاع غزة. وتشارك فيها الى جانب الجيش كافة الأجهزة الأمنية "راحيل- سلطة الطوارئ الوطنية" و"قيادة الجبهة الداخلية" والشرطة و"نجمة داوود الحمراء" ووزارات الحكومة والسلطات المحلية ومنظمات تشغل بنى تحتية إستراتيجية، وتركز على تدريب قيادات قوات الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية وعمل الوزارات وستحاكي تعرض الجبهة الداخلية المدنية "الإسرائيلية" لهجمات صاروخية مكثفة في جميع أنحاء "إسرائيل"، وسيتم خلالها أيضا اختبار مدى استعداد الجبهة الداخلية في "إسرائيل" لسقوط صواريخ غير تقليدية في جميع أنحائها وتضرر البنى التحتية الوطنية فيها.. ويعمل الجيش "الإسرائيلي" على "وضع مختلف الاستعدادات والآليات الخاصة بكيفية التعاطي مع سيناريوهات عدة قد تتعرض فيها البنى التحتية في "إسرائيل" كشبكتي الحواسيب والاتصالات لهجوم الكتروني".
وفي إسرائيل يسود شعور جديد في ظل التحولات التي تشهدها بعض الدول العربية بوجود إشكالية حقيقية تتعلق بتغيير واضح في موازين القوى في المنطقة التي تتجه شعوبها نحو مزيد من العداء لها. الى ذلك، وقبل ذلك، صادقت لجنة التخطيط والبناء القطرية في الكيان الصهيوني على "خطة تقضي باختيار أماكن متعددة في جميع أنحاء البلاد لكي تكون بمثابة مقابر جماعية في حالة حدوث كارثة ما في "إسرائيل"، تؤدي لمقتل الآلاف. وجاءت هذه الخطوة في إطار استعدادات الحكومة الإسرائيلية لاحتمالات تعرض "إسرائيل" لهجوم كبير بالصواريخ في حالة نشوب نزاع".
وأشارت صحيفة يديعوت- الثلاثاء 14/ 06/ 2011- إلى ان الطاقم حدد ثمانية أماكن رئيسية لجمع الضحايا فيها، وهي "روش بينا، العفولة، حيفا، تل أبيب، موديعين، الرملة، اللد، ومنطقة السبع" موضحة ان رئيس الوزراء نتنياهو يقف وراء الفكرة المذكورة بعد مشاورات مع الأطقم الأمنية والاستخبارية.
وكانت قيادة الجبهة الداخلية "الإسرائيلية" قد عرضت أمام لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست خريطة للمناطق "الإسرائيلية" الواقعة تحت تهديد الصواريخ في أي حرب مستقبلية، مرجحة سقوط عشرات الصواريخ على مدينة تل أبيب والقدس الغربية ودخولهما تحت دائرة التهديد.
وذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت- الثلاثاء 14/ 06/ 2011 أنه جرى تقديم هذه المعلومات من قبل الجنرال "يائير جولن"، قائد الجبهة الداخلية خلال جلسة خاصة للجنة الخارجية والأمن، وبحضور رؤساء السلطات المحلية، حيث تناولت الجلسة استعدادات السلطات المحلية في أوضاع الطوارئ، بناء على المعطيات الجديدة التي قدمتها الجبهة.
وقال جولن أمام اللجنة إن "مدة الحرب خلال أية مواجهة مقبلة ستكون طويلة أكثر، وعدد الصواريخ سيكون أكبر، وكذلك مدها سيكون كبيرا، وسيلاحظ تحسن ودقة في إصابتها للأهداف".
من جهته أوضح العقيد "أفي ميشور" رئيس الفرع السكاني بالجبهة الداخلية أن "المعطيات المقدمة مبنية على معطيات استخبارية ومعطيات أخرى، وكل رئيس بلدية تسلم سيناريو لتعامل مع كم الصواريخ المتوقع سقوطها خلال أية مواجهة مقبلة وحجم الضرر الذي ستحدثه".
وفي السياق نفسه، قال رئيس لجنة الخارجية والأمن بالكنيست شاوؤل موفاز إن "المراكز السكانية أصبحت هدفاً في الحرب المقبلة والصواريخ التي ستتساقط ستخلق شللاً في الحياة العامة".
وأظهرت المعلومات "الإسرائيلية" الجديدة للجبهة أن مدينة القدس ستتعرض لسقوط مئات معدودة من الصواريخ ستنطلق من الشمال والجنوب، كما سيسقط المئات منها على شمونا وتسفات والكرمل وحيفا وهذه القرى صنفت بأنها مهددة، وأضافت "يديعوت" أن قيادة الجبهة الداخلية تعتقد أنه ستسقط العشرات من الصواريخ على مدينة تل أبيب وحولون وبات يام وبئر السبع.
ونقلت "يديعوت أحرونوت-: 15/ 06/ 2011-" عن مصادر استخبارية غربية قولها إن مدينة إيلات ايضا لن تكون بمأمن من تهديد صواريخ "سكاد" في الحرب القادمة، مشيرة إلى أنه في حرب الخليج الأولى عام 1991 تحولت أم الرشاش "إيلات" إلى ملجأ "للإسرائيليين" الهاربين من منطقة المركز التي كانت تتعرض لقصف الصواريخ العراقية.
واستتباعا- بات واضحا تماما، ان كل هذه التدريبات البرية والجوية والبحرية التي اجرتها وتواصلها دولة الاحتلال، وصولا الى تدريبات المؤخرة او العمق او الجبهة الداخلية الاخيرة "نقطة تحول.." على تماس مباشر باحتمالات حروب الصواريخ القادمة، وتجمع في هذا السياق جملة من الاعترافات والشهادات "الإسرائيلية" المتتابعة على تفاقم حالة القلق والرعب مما يطلقون عليه "انكشاف الجبهة الداخلية للصواريخ"، التي اخذوا هم يطلقون عليها ايضا "البطن "الإسرائيلية" الرخوة"...!..
ﻓ"إسرائيل" لم تتوقع أبدا ولا حتى في أسوأ كوابيسها ان تنكشف الجبهة الداخلية "الإسرائيلية" على هذا النحو المرعب، فكتب المحلل يونتان شم-اور في صحيفة معاريف معلقا على تأثير الصواريخ التي ضربت العمق "الإسرائيلي": "يعرفون الآن ما الذي يفعلونه، يعرفون الآن كيف يهزموننا".
ويمكن القول ان هواجس الرعب والقلق من ضرب وتدمير العمق- بمعنى المدن والبنية التحتية "الإسرائيلية" في أي حرب قريبة، انما تفاقمت وتكرست، فقد كان رئيس وزرائهم نتنياهو، بحث في جلسة خاصة "جهوزية الجبهة الداخلية لحالات الطوارئ، بمشاركة قادة الأجهزة الأمنية الذين قدموا خلال الجلسة سيناريوهات محتملة لمواجهات في المنطقة، وبحثوا في خطط لإخلاء مئات ألاف السكان من منطقة المركز إلى "المستوطنات" في الضفة الغربية ومدينة "ايلات" في حال تعرض الجبهة الداخلية لقصف صاورخي/ يديعوت 7/ 3/ 2010".
و"البطن "الإسرائيلية" الرخوة" ان ضربت بقوة تدميرية كبيرة، من شأنها ان تهز اركان المجتمع "الإسرائيلي"، وهذه الاحتمالية حاضرة في مخططاتهم، ففي المشهد الاستراتيجي الحربي "الإسرائيلي" يعترفون بـ"ان "إسرائيل" بكاملها باتت في هذه الايام تقع تحت مرمى الصواريخ وكذلك تحت وطأة مناخات ما يطلقون عليه عسكريا "تدريبات ومناورات الجبهة الداخلية لاعدادها لحرب الصواريخ القادمة".
يشعرون هناك بأن المخاطر تتعاظم على هذه الجبهة، أكثر من أي وقت مضى، وليس صدفة أن القادة والمعلقين "الإسرائيليين" يتحدثون حول رقم 40- 60 الف صاروخ من مختلف الأنواع والمديات التي يقولون إنها غدت تشكل ردعاً يردع الردع "الإسرائيلي" المعهود".
ويمكن القول، إن هواجس الرعب والقلق من ضرب وتدمير العمق، بمعنى المدن والبنية التحتية "الإسرائيلية" في اي حرب قريبة، انما تفاقمت وتكرست، ووصلت الى مرحلة قال عنها بعضهم "إن العد التنازلي لخراب "إسرائيل" بدأ يقترب!..