بسم الله الرحمان الرحيم :
تـــــاريخ المسرح الجزائري:
الجزء الأول
مدخل:
بعيدا عن الجدل القائم حول البداية الحقيقية لنشأة المسرح الجزائري. و عن الأشكال المسرحية التي كانت قائمة قبل الاحتلال الفرنسي للجزائر.
كظهور مسرح الظل وعرائس القراقوز في النصف الأول من القرن التاسع عشر. حيث تحدثت الباحثة أرليت روث:بأن بعض الباحثين شاهدوا عروضا لخيال الظل في الجزائر في 1835. الشيء الذي أكده الأستاذ مخلوف بوكروح أيضا:
ظهرت في المغرب العربي والجزائر خاصة؛ لعبة القراقوز كشكل مسرحي في بعض المدن الساحلية القريبة من الموانئ الجزائرية ..ولسنا نعرف بالضبط متى إنتقلت هذه اللعبة إلى شمال إفريقيا والجزائر خاصة . إذ لا نجد لها أثر في كتب المؤرخين والرحالين قبل الاحتلال.
أو كما يعتبر البعض عرض الحلقة عرضا مسرحيا في الأسواق العمومية. ونوعا مسرحيا أصيلا. ويعيدون أصل المسرح الجزائري إليه:
إذ كان المداحون يقيمون بتشخيص أبطال قصص عنترة والرأس الغولة . ورواية بعض الأساطير والخرافات الشعبية.وكانت رواية هذه القصص تتم عن طريقين: إما في شكل الحلقة المعروفة في الأسواق الشعبية حيث كان الراوي يستعين في بعض الأحيان ببعض الشخصيات أخرى تقوم بالرد على الشخصية الرئيسية في الحلقة. ويعتبر هذا الشكل شكلا مسرحيا بدائيا. وأما بطريقة المداح الذي يقوم بدور المغني ويؤدي المدائح الدينية الأنبياء والرسل مثل قصص سيدنا يوسف و إسماعيل عليهما السلام>
غير أن الحقيقة خلاف ذلك، فإذا أردنا التحدث عن المسرح بمفهومه الأرسطي. لا يمكن إلاّ أنّ نرجعه إلى بدايات القرن الماضي 1920. حيث الزيارات التي قام بها المسرحيين من الشرق العربي؛ إلى بلاد المغرب بصفة عامة والجزائر بصفة خاصة. فكانت الزيارة الأولى إلى الجزائر لفرقة سليمان القرداحي في عام 1908.
غير أن هذه الزيارة لم تترك أي أثرا يذكر. اللّهم بعض المحاولات المحتشمة التي قام بها بعض الجزائريين بعد هذا التاريخ، فكانت كل النصوص المعروضة في أغلبها أعمالا كتبها الأوربيون أو مشارقه وعلى كل حال أداها جزائريون.
ويمكن أنّ نرجع الإرهاصات الأولى إلى العمل الجبار، الذي قام به الأمير خالد الجزائري،- وهنا لفتة إلى ربط العمل المسرحي بالعمل السياسي منذ بداياته الأولى-. فكلاهما جاءا عن طريق رجل واحد؛ فكان هذا الرجل السياسي بمثابة الشعلة التي أوقدت فتيل الفن المسرحي بالجزائر. وهذا حين حضر مأدبة عشاء، أقامها جورج أبيض بمناسبة نيله لشهادة التمثيل، بالمعهد البلدي لباريس.
وبعد إنهاء الحفل، طلب الأمير خالد من جورج أنّ يبعث له بعض المسرحيات عند وصوله لقاهرة سنة 1911 بعث له مسرحية مكبث لوليام شكسبير والمروءة والوفاء لخليل اليازجي ومسرحية الشهيد لحافظ إبراهيم.
وعليه أنشأ الأمير خالد ثلاثة جمعيات ثقافية، في كلّ من الجزائر، البليدة والمدية.وقدم أول عرض: المروءة والوفاء. بمنزل القاضي عبد المؤمن سنة 1912 .ولم تؤت هذه العروض أُكلها،ولم يكن تأثيرها ذي بال. حتى جاءت زيارة جورج أبيض إلى الجزائر 1921 فها هو علالو يقول في مذكراته:
أما بالنسبة لنا نحن العاصميون.فإنّ المسرح لم يظهر بمعناه الحقيقي إلاّ في سنة 1921 ، بمناسبة مرور الممثل المصري، في جولة ل مع فرقته عبر شمال إفريقيا، حيث قدم على خشبة الكورسال مسرحية ثارات العرب. وهي دراما مقتبسة عن(بور غراف)لفكتور هيجو. وصلاح الدين الأيوبي، دراما مقتبسة عن الطلسم؛للسير ولتر سكوت.وكانت عروضا رائعة برز فيها الممثل التراجيدي الكبير جورج أبيض. ولكن ومع الأسف أمام جمهور ضئيل ثم تلتها فرقة عز الدين سنة 1922 من هنا كانت البداية الحقيقية للمسرح الجزائري بمفهومه الأرسطي.ولكن يجب أن ننبه هنا بالفكرة القائلة بأن المسرح الجزائري تأثر بالمسرح الفرنسي. فهي فكرة لا أساس لها من الصحة. إذ عدنا واستقرئنا التاريخ الإستدمار للجزائر وجدناه ركز على سياسة الأهالي؛ التي تحيل مباشرة إلى جدلية العبد والسيد التوماس هبسية .
إلى حد ما ونحن لا نعتقد أن السيد البرجوازي الفرنسي المحتل، يقبل أن يتقاسم وعبده الجزائري [ البيكو.] امتيازاته الجمالية. مع أننا والحال كذلك نقر كل الإقرار بأن المسرح كفن دخيل على الأمة العربية عامة. وليس من إبداعها في شيء. وإن سلمنا بالفكرة فلا يمكنها أن تخرج عن التأثير عن طريق قراءة أعمال عمالقة المسرح الفرنسي كموليار وراسين وكورناي وفكتور هيجو. وهنا سؤال يفرض نفسه بقوة الحتمية التاريخية: من أين جاء هذا المسرح؟
وللابتعاد عن الجدل التاريخي مراحل تطور المسرح الجزائري، نعتمد التقسيم المرحلي الذي قام به الباحث أحمد بيوض في كتابه المسرح الجزائري.
باعتباره أحسن كاتب لحد الساعة قام بدراسة تاريخية شاملة.وهو تقسيما أكثر عقلانية من تقسيم بوعلام رمضاني في كتابه المسرح الجزائري بين الماضـي و الحاضر. أو التقسيم الذي قام به محمد الطاهر فضلاء في مجلة ثقافة.
المرحلة الأولى 1926/1931:
يمكن هنا الحديث عن تأسيس نادي الترقي على يد العلماء والمثقفين ثقافة عربية؛ وفي مدة وجيزة أصبح هذا النادي مركز إشعاع فكري كبير.
وساهم هو الآخر في تنشيط الحركة المسرحية في بدايتها و بطبيعته (المسرح الجزائري.) كان يعمل سواء من حيث اللغة التي كان يكتب بها؛ حيث تراوحت من بداياتها من اللغة الفصيحة إلى اللغة الثانية:
أي العامية المهذبة أو القائمين عليه و هم من الأهالي مسلمي الجزائر أمثال علالو،و رويشد القسنطيني، ومحمد منصالي، و عبد العزيز لكحل، و ابراهيم دحمون، وباش تارزي، وبن يوسف، وإسماعيل بونطة، وبن زغودة , ومحمد السعودي، وغيرهم على تبليغ رسالة مقومات الأمة كالدين الإسلامي عن طريق محاربة الشعوذة و الآفات الاجتماعية كالخمر، والمخدرات، والدفاع عن اللغة العربية بلغة المسرح الجزائري في حد ذاته عن طريق عرض مسرحيات ذات موضوع تاريخي، وكانوا بدورهم يستعملون الفصحى ويمهدون لعروضهم بكلمات ابن باديس : الجزائر وطننا،الإسلام ديننا، اللغة العربية لغتنا.إذ يقول علالو:
لقد كان المسرح في بداياته مرحلة من مراحل اليقظة الوطنية في ذلك الوقت. فلم تكن المسرحيات التي اقتبسناها من حكايات ألف ليلة و ليلة تسلي فقط جمهورنا؛ ولكن تذكر مواطنينا بعظمة وسمو الأمة العربية التي هي أمتهم. لكن البداية الحقة لهذه المرحلة بدأت بمسرحية: جحا التي عرضت في 12/04/1926 إلى 23/03/1927 ولقد نالت هذه المسرحية نجاحا كبيرا. ثم جاءت مسرحية: أبو الحسن أو النام اليقظان.
المقتبسة عن ألف ليلة وليلة. ويذكر علالو في مذكراته بأن جريد (لاديباش ألجريان) الصادرة بتاريخ: 24/03/27 علقت على المسرحية تقول:
لابد لي أن أعترف على أنني لا أفقه من اللغة العربية شيء. حتى تلك العربية المحكية، التي يستعملها السيدان: علالو ودحمون في مسرحيتهما أبو الحسن أو النائم اليقظان. ومع ذلك فلقد تمتعت كثيرا بمشاهدة هذه الكوميديا...إنني لم أكن أقهقه كما كان يفعل الجمهور لردود أبو الحسن السريعة، وردود أمه، وكذلك ردود الخليفة؛ لكنني كنت أفهم تعبيراتهم الإشارية …ثم لابد من الاعتراف بأن مجهودهما يستحق التشجيع. حيث جعلا المسرح في متناول جمهور غفير.
تفيد هذه الفقرة؛ بأن هذه الفترة كانت، البداية الطموحة. التي خلقت جمهورا، بدأ يتذوق متعة هذا الفن الجديد على ذوقه المعتاد. ذوقه المعتمد على أسلوب الحكي والحلقات.ومنه نستشف أن المسرحي علالو كان بحق الحجر الأساس في حياة المسرح الجزائري.
ففي هذه الفترة،كتب هذا الأخير مسرحيات عدة منها: الصيد والعفريت، عرضت في 16/05/28 وهي كوميديا غنائية في أربعة فصول وخمس لوحات. مستوحاة من قصص ألف ليلة وليلة يقول عنها علالو:
لقد نشرت جريدة الصحافة الحرة [لا بريس ليبر.]21/05/28 تعليقا مطولا قالت فيه: إن المسرح العربي بفض هذه المسرحية .. قد فرض وجوده ..فلقد كان الأداء في غاية الإتقان، ويروق لنا أن ننوه بالمقدرة الكاملة للمثل دحمون الذي مثل باتقان دور الساحرة،ثم دور الشيطان كما السيد علالو وهو مؤلف وممثل آخر... وقد أدى الممثل باش تارزي دور الأمير بيسر مع أنه حديث العهد بالمسرح.
كما قدمت مسرحية الخليفة والصياد في 06/04/31 . وتلتها مسرحية حلاق غرناطة في 05/05/31 ويرى أحمد بيوض أن أعمال علالو، كلها تعالج مواضيع إجتماعية؛ كمشكلة الزواج بفارق السن الكبير بين الزوجين؛مسرحية (زواج بوعقلين). وهاجم تعاطي المخدرات التي كانت منتشرة في ذلك الحين، في الأوساط الشعبية المسحوقة التي كانت تعاني البطالة والجهل المطبق. فقدم مسرحية (عنتر الحشايشي) في 26/02/31.
وبذلك يمكن القول أنّ هدف علالو المسرحي كان تربوي إصلاحي بالدرجة الأولى.الشيء الذي أكده علالو نفسه: ولكني شخصيا كنت أتجنب الخوض في الأمور السياسية ..فمسرحية زواج بوعقلين تعالج مشكلة التفاوت الكبير في السن ما بين الزوجين...وعنتر الحشايشي عالجت تعاطي المخدرات… وهكذا.وهناك هدف مهم جدا كنا نسعى لتحقيقه؛ وهو التأسيس والتأصيل المسرح الجزائري وفي المرتبة الثانية من حيث التأسيس للمسرح الجزائري؛ يأتي أب الفكاهة الجزائرية. الممثل والمؤلف رشيد القسنطيني. الذي قدم أعمالا ذات أهمية بمكان نذكر منها: زواج بوبرمة في 22/03/28.
والتي عالج فيها شره السمسار- وكان هذا السمسار من أصل يهودي- لدرجة أنه أصبح يسمسر في العقود أكثر قداسة في المجتمع الجزائري؛ عقد الزواج.
كانت هذه المسرحية تنبو عن موهبة قوية في الكتابة الكوميدية؛فهي لا تخلو من الطرافة والمتعة الهادفة. المنتهية إلى توعية الجماهير إلى خطورة هذه الآفة الإجتماعية.بغرض حمله على التفكير والتطهر منها.وفي 10/02/29 قدم كوميديا بعنوان: زغير بان وشروطو؛ وهي أقرب ما تكون إلى حكايات ألف ليلة وليلة.كما فعل زميله علالو. ثم مسرحية لونجا الأندلسية في 21/02/30 ومسرحية بوسبسي 18/01/32.ولقد لاحظ أحمد بيوض عوامل نجاح الانطلاقة المسرحية إلى العوامل التالية:
مواضيع المسرحيات ذات هدف مزدوج: الترفيهية والتوجيه التربوي والسياسية.نجاح الممثلين من علالو إلى إبراهيم دحمون فالقسنطيني وباش ترزي في أداء أدوارهم.اللغة العامية التي كانت تقدم بها المسرحيات, لغة الأوساط الشعبية العريضة. تقديم العروض المسرحية ممزوجة بعروض غنائية لجذب جمهور مسرحي من جهة، وجمهور الغناء والرقص من جهة ثانية. تقديم العروض المسرحية يوم الجمعة، تخصيص وقت للرجال وآخر للنساء. مصادفة الانطلاقة المسرحية شهر رمضان المبارك، حيث يبحث الجمهور خلاله عن أماكن لقضاء السهرات.
كانت لهجة جلّ المسرحيات لاذعة، فدمت بطريقة ساخرة متهكمة عن سلوكيات المسلمين غير الصحيحة.فعكست بذلك الكثير من القضايا الإجتماعية.
مستعينين في ذلك بالموروث الثقافي الحكائي؛ سواء الشفوي منه أو المكتوب؛ كألف ليلية وليلة.
وكان الهدف من وراء هذه الأعمال خلق تربية دينية، تحارب مظاهر الشعوذة والتخلف. حتى يتمكن من ترسيخ هوية الشعب الجزائري؛ عن طريق تأثير الهوية العربية الإسلامية لهذا الشعب.
المرحلة الثانية : من 1932 إلى 1939 :
تعتبر هذه المرحلة، كرحلة البروز الحقيقي للمسرح الجزائري. بحيث ظهر للوجود مشروع فيوليت؛ وظهور الأحزاب السياسية. وتأثيرها على الحياة الاجتماعية، مع بداية ظهور الوعي الوطني الناتج عن الحركة الوطنية و الإصلاحية. الشيء الذي جعل من المسرح يتأثر بهذا الجو العام. وتطورت في هذه المرحلة أعمال الكاتب المسرحي رشيد القسنطيني؛ واستعمل في كل أعماله لهذه الفترة لهجة شديدة النقد والتهكم على سلوكيات الشعب الجزائري.
حيث خضع مسرحه للظروف التي أملاها الواقع السياسي والاجتماعي. فكان عليه أن يستعمل اللهجة العامية. بمضامين تدور أساسا حول ضرورة النضال السياسي؛ وإبراز تاريخ وهوية شعبنا. ومن أهم أعماله في هذه المرحلة: زيد عليه في 02 جانفي 1933. باب الشيخ في أبريل 1933. هماز في جانفي 1934.
ويظهر في هذه المرحلة أيضا دور باش طارزي؛ككاتب مسرحي، فكتب مسرحية: فاقـو. والتي عرضت في 08/05/1934 . ثم مسرحية على النيف عرضت في 22/12/1934.
ومن هنا بدأت الإدارة الاستعمارية تحس بخطر المسرح. خاصة وقد اصبح له جمهور عريض، في كل أرجاء الوطن. لذلك جاءت الإدارة الفرنسية: بقانون 02 /11/1938 الذي أصدره الحاكم العام LEBENU لحضر النشاط الغنائي ة الدرامي الذي يمس الوجود الفرنسي في الجزائر.
خاصة مع تطور موقف الحركة الوطنية، من أحزاب سياسية وحركة إصلاحية؛ حيث بدأت فكرة الاستقلال أو الاستقلال الذاتي أو حقوق المواطنة، تظهر في قاموس الحركة الوطنية . و واصل القسنطيني أعماله فقدم مسرحيات منها: يا حسراه عليك في 03/06/1936. ليختمها بمسرحية آش قالوا التي عرضها في 19/02/1938. إلى أن وافته المنية في 02/05/1944 وبذلك خلى الجو لمحي الدين باش طارزي. فأصبح الكاتب والممثل والمخرج والمغني ومدير الفرقة، ومدير المسرح العربي بدار الأوبرا. و قد قدم في هذه الفترة مسرحيات كانت أغلبها مقتبسة؛ خاصة عن المسرح الفرنسي.
المؤلف الكوميدي موليار بالتحديد. إذا إقتبس بمطلب من حكومة فيشي مسرحيات منها: سليمان اللوك عن le malade imaginaire والمشحاح عن l’avare و المجرم عن tartufe و عيواز الزقطي عن les fourberies de scapin. … كما اقتبس عن محمد منصالي مسرحية في سبيل الوطن المكتوية باللغة العربية و عنوانها ب: في سبيل الشرق. ومسرحية اللهبال عن زواج بوبرمة.
وهكذا اقتبس باش طارزي عن كل شيء.عن المسرح الفرنسي؛ عن المسرحيين الجزائريين الذين سبقوه. –إنّه حقا الأب الروحي لكلّ اقتباس جزائري؛ وبذلك ترك لنا تقليدا مازلنا نمارسه إلى يومنا هذا. - و رغم أن باش طارزي لم يتصدى للسياسة مباشرة إلا أنه لم يسلم من مقص الرقابة:
حيث منعت في سنة 1937 عرض مسرحيات كثيرة مثل : فاقو، الخداعين، بني وي- وي، في عهد بلدية غازان gazane
في إعتقادي جاء هذا المنع لما أثاره مشروع فيوليت الاندماجي. من تضارب المواقف السياسية والاجتماعية ما بين الحركة الوطنية والإصلاحية من جهة. و حفاظ الأقلية المدمرة الكولون على الإدارة الاستعمارية من جهة أخرى.
فما كان على باش طارزي إلا أن يمارس سياسة مسك العصا من الوسط و عليه نجد احمد بيوض يدافع عليه. حينما وصف لفليسي موقف باش طارزي بالغامض واللاشجاع. ووصف مسرحياته بالرديئة، ولا تخدم مواطنيه. الذين كان يزج بهم في غياهب السجون إثر مواقفهم السياسية أو الإصلاحية فيقول أحمد بيوض:
و مهما يكن، فإن للرجل محاسنه ومساوئه. وإن النظرة الأحادية الجانب لا تنصف لا الرجل و لا أعماله ... ولهذا رأينا من الواجب، أن نعترف بجميل إنسان كرس حياته لخدمة المسرح الجزائري. في ظروف استعمارية صعبة.
و في هذه الأثناء بادر موسى الخداوي بالبلدية بإنشاء فرقة مسرحية تابعة للكشافة الإسلامية: الإقبال التي ضمت العديد من الشباب: منهم محمد الثوري واحمد تركالي. أسس هذا الأخير فرقة مسرحية. من بين أعضائها: حسان الطيب وعبد الرحمن عزيز. وكان أول مؤلف لها محمد التوري.ففي سنة 1936 مسرحيتان: الكيلو و علاش رايك تالف .
و لقد عرفت هذه الفرقة جولات عدة داخل الوطن؛ في قسنطينة ووهران ومستغانم وخارج الوطن؛ في المغرب وبعض دول المتوسط. لكن سرعان ما حلت والتحق أعضاؤها بمحي الدين باش طارزي عام 1942.
و في سنة 1937 عرفت وهران المسرح المدرسي. عن طريق مدرسة الفلاح الحرة التي تأسست على اثر المؤتمر الإسلامي في جوان 1936. و هي تابعة لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين.واهتمت هذه الفرقة:
بتقديم مسرحيات تاريخية و دينية تتناول وحي الامة عن طريق عرض النماذج التاريخية التي لعبت دورا ايجاريا في مسيرة الامة الإسلامية مثل:
مسرحية عمر بن الخطاب أو مسرحية بلال؛ الذي يشكل رمزا للتمسك بالعقيدة والقدوة في الصبر في سبيل الحفاظ عليها
لجزء الثاني:
المرحلة الثالثة 1939-1946 :
مرحلة جد حاسمة في حياة المسرح الجزائري. ومصير الامة برمتها.ففي هذه المرحلة اندلعت الحرب العالمية الثانية في 02/09/ 1939 و تضارب آراء الأحزاب السياسية من حزب الشعب والنواب وجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وانتصار الحريات الديمقراطية؛ في مساندة فرنسا و الحلفاء ضد (النازية) الألمانية أم لا. أي في تجنيد الأهالي ورفض ذلك.
لكن المسرح الجزائري يقف موقف الحليف للإدارة الفرنسية.بقيادة محي الدين باش طارزي؛ وبذلك يزداد نشاط المسرح الإذاعي. قصد الدعاية ضدّ ألمانيا.
حيث أو عز السيد يونس البحري المكلف بالدعاية الألمانية التي يشرف عليها من برلين الموجهة لمسلمي الجزائر.ألا يشاركوا في الحرب ضدّ دول المحور.و في المقابل تكلف الإدارة الاستدمارية باش طارزي بدعاية لها والدعاية المضادة. التي يتم بثها عن طريق الراديو من الجزائر. يقول باش طارزي:
كنت أقدم من خلالها مواطنا حضاريا يدعى: بوزريعي ، وخلافا قبائليا يتحولان حول الأحداث بطريقة تجعل التحركات النارية مضحكة ... وكنت أجعل كل من هتلر وغوبلز وغورينغ وريبنتر وبل وغيرهم في قالب فكاهي.وقد نجحت هذه الحصص داخل الوطن ماذا أعلق هاهنا ؟؟ كل ما عملته الحركة الوطنية بل .
ولقد قدمت أول مسرحية لهذه الفترة في 02 /11/ 1939 و هي مهزلة بعنوان: حاج قاسي محند . وتلتها مسرحية اجتماعية الشيب و العيب لجلول باش جراح التي عرضت في 03 /02/1940. وتوقف النشاط المسرحي الجزائري في ديسمبر 1942 بدخول الحلفاء إلى الجزائر.
ولم يَستأْنف نشاطه إلا في03 /02/1945 حيث عرضت مسرحية ولد الليل إذ يقول احمد بيوض على هذه الفترة: يمكن القول أن هذه الفترة اتسمت بنوعين من المواضيع؛ أول اجتماعي وهو السائد والثاني سياسي ضمني مثل:عمارة يحب الحق التي عرضت في 03/10/1941. وما ينفع غير الصح. ولقد كان التركيز في هذه المرحلة على عدم المواجهة مع السلطات الاستعمارية
المرحلة الرابعة 1947 - 1956 :
عرفت هذه المرحلة ازدهاراً كبيراً. والتحق بها عدد كبير من الممثلين والكتاب. الذين لهم ميلا سياسيا وهذا العمل كان بوحي من حركة انتصار الحريات الديمقراطية. فقد ألف واقتبس في هذه المرحلة ما يقرب عن 162 مسرحية. أغالبها من إبداع كتاب وطنيين؛ يحملون وعيا سياسيا. الشيء الذي جعل من حكومة فيشي وبعده قيام الجمهورية الخامسة؛ يشدان الخناق على المسرح الجزائري.
مع تطور الوعي السياسي والاجتماعي. أصبح الجمهور في هذه الفترة أكثر التصاقا بمسرحه. ورغم انخفاض الدعم المالي الذي مني به المسرح العربي في انتوبر1947.حيث لم الفنان مصطفى كاتب بداً إلاّ الاتصال بالنائب الأول السيد توبير في موسم 1947/1948؛ وطلب منه إنشاء موسم مسرحي عربي في قاعة الأوبرا بالجزائر العاصمة. وعلى إثر هذا اللقاء تم:
تعيين السيد محي الدين باش طارزي مديرا للمسرح العربي بتاريخ 30/09/1947. وعين مصطفى كاتب مساعدا إداريا له. كما تم تكوين لجنة لقراءة النصوص واختيارها؛ مكونة من مستشارين مسلمين وممثل عن الجمهور، وصحافي. وتولى رئاسة هذه اللجنة أحد رجالات جمعية العلماء المسلمين احمد توفيق المدني.
ولقد انظم إلى فرقة المسرح العربي إضافة إلى محي الدين ياش طارزي ومصطفى كاتب محمد التوري، علال المحب، جلول باش جراح، بوعلام رايس، عبد الحليم رايس، مصطفى بديع وغيرهم.وعرفت هذه المرحلة مشاركة كبيرة للعنصر النسوية فكانت لطيفة،كلثوم، نورية، ليلى الحكيم وغيرهن.
ولما انتخبت البلدية الجديدة تحت قيادة azagne في أكتوبر 1947. وهي بلدية عرغت بعنصريتها متطرفة. وكره المسلمين. خفضوا من ميزانية المسرح العربي. بحجة أن قرار إنشاء الأوبرا، لم يكن فيه أي بند يسمح بخلق قسم مسرح عربي، غير أن النواب المسلمين ضغطوا على شيخ البلدية؛ وجعلوه يقبل الفرقة العربية و بهذا فكت أزمة الفرقة وبدأت في نشاطها:
وقد قدمت الفرقة العربية أول مسرحية لها من تأليف محمد ولد الشيخ بعنوان خالد أو الشمشوم الجزائري التي عرضت في تاريخ 17/10/1947.
وألف مصطفى بديع مسرحية بعنوان آش صار في ليلى و التي عرضت في 24/10/1947. واستمرت الفرقة في تقديم عروضها حتى جاء اليوم الشؤم وانقسمت الفرقة على نفسها حيث أدار محمد الرزاي دار الأوبرا في عام 1950.وانظم إليه كل من عبد الحليم رايس، عبد الرحمن عزيز، لطيفة، زوينة، دليلة، طه العامري، محمد التوري، عياد احمد، حسن الحسني، والطيب أبو الحسن.
قدمت الفرقة في هذه الفترة عملين من تأليف رئيسها:مصائب بوزيد و العادل. و قد حققت الفرقة نجاحا كبيرا، وسجلت الفترة كتابا كبارا ذوي ثقافة عالية في اللغة العربية.كالناشئة المهاجرة لمحمد الصلح رمضان سنة 1947 و مثلت لأول مرة في تلمسان، والخنساء له ايضا، ومسرحية حنبعل توفيق المدني، ومسرحية المولد لعبد الرحمن الجيلالي، وصنيعة البرامكة و بن رشد، وأبو الحسن التميمي، وعنبسة لأحمد رضا حوحو. لينفصل بعدها مصطفى كاتب؛ و ليعيد تكون فرقته فرقة المسرح الجزائري سنة 1940. وتقدم عروضا أهمها: البورجوازي الظريف لموليار،و مسرحية طارق بن زياد لأمين سراج وقد شاركت عدة مهرجانات وطنية. كما شاركت في مهرجان الشبيبة الديمقراطية في كل من برلين 1951، بوخاريس 1953و موسكو عام 1957.
المرحلة الخامسة 1956 –1962 أو مسرح الثورة:
تميزت هذه الفترة بانتشار الثورة في كل ربوع الوطن، بل تجاوزتها إلى فرنسا في حد ذاتها. ففي هذه الأثناء عرف المسرح الجزائري نقلة أخرى في توجهه، أولها إختفاء الزعامة في المسرح فلم تعد هناك زعامة أو أبوية، بل ظهر جيل جديد يؤمن بالوطن الأم.
هذا الجيل حمل على عاتقه عبء الثورة؛ ولما إشتد عليه الخناق في الجزائر لو يجد بدا أمامه إلاّ الهجرة، فشدّ رحاله إلى فرنسا. غير أن الفترة الممتدة بين 1956- 1958. لم تعرف أي تأثير على مسار الثورة. كون سلطات الاحتلال لم تسمح بأي نشاط فني، من شأنه أن يساند الثورة في مسيرتها الدعائية.
بل خنقت كل توجه مضاد للإستدمار في الجزائر، فيكفي أن نعرف بأن الحكومة الفرنسية ضايقت رجال فرنسا الأحرار و على رأسهم جون بول سارتر، فما بالك بأن تقبل نزلاء على أرضها يضادون توجهها الاستدماري، ومن هؤلاء الغرباء إنهم أصحاب القضية.
وعلى العكس من ذلك قام المسرح الجزائري بتونس بدوره الفعال وتحرك بكل حرية، بعيدا على رقابة الرقيب، وضغط الظروف الاجتماعية الخانقة التي كان يعيشها في فرنسا. لذا عمل المسرح الجزائر في تونس: عامل المكان على تعميق الكفاح النضالي ضد الاستعمار الفرنسي،وكان بمثابة المنبر الذي يعلو منه صوت وثرة الشعب. وتحول إلى بندقية في يد كل فنان مسرحي.
وعلى أية حال؛ لا يمكن أن نرجع نشأت الفرقة الفنية لجبهة التحرير، إلى مارس 1958. بل لها تاريخ وجذور تمتد إلى أبعد من ذلك، لقد إرتبطت بمنشئها المرحوم مصطفى كاتب. بدء من فرقة مسرح الجزائري سنة 1940.إذ كان مقرها الجزائر العاصمة، وعرضت في بداياتها الأولى مسرحية صلاح الدين.
حيث توقفت بعدها عن النشاط بسبب تجند رئيسها في الجيش الاستدماري، ليدافع عن فرنسا في حربها ضد الألمان، مع الآلاف من الجزائريين. هذا التجنيد الذي إنتهى بجزاء سنماري؛ كانت نتيجته أبشع الجرائم التي عرفها القرن الماضي في حق المدنيين العزل؛ إنها مجازر الثامن ماي 1945.
بعد أن عمّ الهدوء الوطن أعاد كاتب إنشاءها بنفس الاسم في فبراير 1946.لكن سرعان ما نشب خلاف داخلي بين أعضائها وتم حلّ الفرقة. غير أن أرادة المنشئ لم تفل ولا وهنت، وأعادها إلى أرض الميدان من جديد ببعض الأعضاء السابقين وأضاء آخرين جدد. وضمت الفرقة شبابا جدد منهم: سيد علي كويرات، علال محب وعبد الله الناقلي. وقد استقرت الفرقة في بداياتها بفرنسا.
وعلى الرغم من حداثتها قدمت أعمالا قيمة ورائعة، خاصة في الموسم المسرحي 1947 / 1948 . وعلى الرغم من المهام التي كانت على عاتق كاتب – بعد أن عين مساعدا إداريا لباش طارزي على رأس فرقة المسرح العربي بدار الأوبرا – إلاّ أنه بقي يعمل مع فرقته بجد وجدية، حيث بلغ عدد الهواة فيها إلى المائة.
ولقد جعل للفرقة حضرا مسرحيا لا يمكن أن يتحقق لأي فرقة مسرحية في أيامنا هذه. فلقد شارك في مهرجان الشبيبة العالي الذي أنعقد ببرلين عام 1951؛ وفي نفس المهرجان شارك في كل من: بوخارست 1953، وفي فارسوفيا عام 1955.
ولما أكملت الثورة عامها الأول، شدّدت سلطات الإستدمار الخناق على كل ما من شأنه أن يصب في إناء ما أسمتهم بالفلاقة.حيث قامت شياطين ماسيو باعتقال كل المثقفين والفانين، بل بلغ الحد بها إلى التصفية الجسدية، وفي أحسن الأحوال الإعدام كما فعلت مع الشهيد علي معاشي في 08 / 06 / 1956 . فلم تجد الفرقة بدا إلى الهجرة فكانت واجهتها العقر؛ فرنسا. قصد التخفيف عن نفها حبل الرقيب الغليظ.
وبهذا أصبحت تعمل في الوسط العمالي المغاربي عموما و الجزائري خصوصا، ومن هنا أصبحت الفرقة تمثل للسلطات الاستدمارية خطرا محدقا في عقر دارها، يجب أن تتخلص منه بأي طريقة من الطرق. وهذا عندما تحولت بعض عروض الفرقة إلى مظاهرات عمالية خطرة.
لقد جابت الفرقة عدة مدن فرنسية في هذه الفترة أهمها:أوبيو فيل، جون فيل، سان دوني، أين أوقفت السلطات الاستعمارية نشاطها وتحول العرض المسرحي إلى تجمع للتنديد بالتعسف الاستعماري في خنق الحريات، واستمرت الفرقة في نشاطها رغم المنع.
وهكذا ضلت الفرقة تعمل بإرادة وإيمان، بالطبع في سرية تامة في أوساط وداديات الجبهة في مختلف مدن فرنسا.حتى جاء تطبيق إحدى توصيات مؤتمر الصومام 20 /08 / 1956 و المتمثلة في الجانب الدعائي للثورة ، فكان اللقاء بين المحامي بونمجل عن جبهة التحرير الوطني ومصطفى كاتب عن كل الفنانين. في الوقت الذي كانت الفرقة تحضر في مسرحية نحو النور للمشاركة في مهرجان الشبيبة العالمي.
بعد هذا اللقاء وفي نوفمبر 1950 تم عقد إجتماعا رسميا في فرنسا وتم إستدعاء كاتب إلى فيدرالية الجبهة في فرنسا وتم على إثر هذا اللقاء وضع التصور العام للفرقة و الأهداف المرجوة منها، حيث تم التركيز على الدعائية، كما تم وضع الترتيبات الأخيرة لعقد إجتماع بتونس حيث سيتم الإعلان رسميا عن فرقة جبهة التحرير الوطني. ليختم اللقاء بعد ذلك بنداء موجه لكل الفنانين الجزائريين. وهنا يبادر إلى ذهني سؤال بريء مفاده: ألم يسمع عميد المسرح الجزائري المرحوم المغفور له محب الدين باش طارزي بنداء الجبهة.؟
إذ تعتبر هذه الفرقة فرقة؛ المسرح الجزائري النسخة الأصل، واللبنة الأساسية لفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني. والتي تأسست رسميا في مارس 1958 بتونس .حيث ضمت مائة وثلاثون فنانا من ممثلين و مغنيين وتقنيين أتى بعضهم من فرنسا وسوسرا، البعض الآخر من المغرب وقسمت الفرقة إلى قسمين؛ قسم للغناء وآخر للمسرح. ومن أسماء التي ضمتها الفرقة:
كاتب مصطفى،رايس عبد الحليم، وهبي احمد، سواق محمد، خليفي أحمد، محمد زينات، طه العامري، محمد بولعوينات، سايح السعيد، هادي رجب، علي حاليت، مصطفى سحنون، حسين، حسن فارس، يحي بن مبروك، وافية بن عربي، حميد النمري، هندا، براهيمي مليكة، عبد الرحمان بن يحيى، سعداوي حمو،عبد الحميد رافا،مليكة كويرات،فريد علي، دري براهيم، جعفر باك، شافعي حسان، ذباح علي، قواسمي محمد وبن محمد احمد. عليلو، سيد علي كويرات، الشيخ دحمان، هجيرة بالي، رقية.
وبدأت الفرقة نشاطها بعرض مسرحية نحو النور التي كانت قد عرضتها في مهرجان موسكو عام 1957، ويعتبر هذا العرض الافتتاح الرسمي لنشاط الفرقة الدعائي، منطلقا من قاعة المسرح البلدي بتونس العاصمة في 24 / 05 / 1958. المسرحية جاءت في شكل جدارية تقدم الجزائر بكل خصوصياتها العربية المسلمة، في جهادها ضد أكبر برابرة العالم فرنسا الحرية والديمقراطية. يبدأ العرض بالقاء القبض على شاب جزائري مجاهد.
تقوم بعد ذلك قام المظليين باستنطاقه ثم تعذبه، وعندما يهن عظمه وتخير قواه يلقى به في زنزانة، بعد مدة، يسرح المعتقل الأسير في الذكريات.
يتذكر ملامح أمه، ليسافر معها إلى صور الصبي والطفولة، من ختانه إلى كلمات الأم الهادئة التي تلقفنه، أخلاق الصبر والتجلد، للوصول إلى الهدف المنشود أو الفرج القريب.
يذكر بعدها صور زواج أخاه الأكبر، من زغاريد نساء وفرحة أطفال وصور الحكايا التي كان الشيوخ يقصصها على الشباب في مثل هذه الفرص، في هذه اللحظات ترحل ذاكرته المتعبة من التعذيب إلى أحاجي الأم، و الشعر الملحون، وقصص البطولات والجهاد، يتذكر الغناء الشعبي في الأسواق، و الرقص، والفروسية… وظفت هذه الذكريات لإظهار الجزائر في وجهها الحقيقي غير جزائر الكذب؛ الجزائر الفرنسية.عرضت هذه الصور على شاشة عملاقة على خلفية لوحة غرنيكا للفنان الإسباني باولو بيكاسو.
فيما قدمت المسرحية أيضا صورا عن المجاهدين في الجبال و الفدائيين في المدن، حيث نعلم بأنهم حرروا الشعب الجزائري.كالإبادات الجماعية، و التل بغير تمييز، لتختم المشاهد، بنشيد من جبلنا طلع صوت الأحرار ينادنا. إلى إستقلال وطنينا.التي نبعث من الجبال و الشعاب و الوهاد إلى قلب الشاب الملقى في الزنزانة.
تواصل الفرقة نشاطها وتعرض المسرحية في كل من بنزرت و الساحل وبعض المدن الساحلية و المراكز التي مان يقيم بها اللاجئين الجزائريين.
يأتي الآن دور المسرحية الثانية بعنوان القومي الأخير لمحمد زينات وهذا بدءا من 24 / 05 إلى غاية 07 / 1958. ثم تعمل مباشرة على التدريب على مسرحية منصيرات Montsirrat. . وفي جولة فنية دعائية توجهت الفرقة الفنية إلى بعض الدول الشقية و الصديقة منها: ليبيا؛ حيث قدمت مسرحية نحو النور و منصيرات في كل من بنغازي وطرابلس، وهذا في الفترة الممتدة من أكتوبر إلى نوفمبر 1958.
13 / 12 / 1958 تشد الفرقة رحالها إلى الجمهورية اليوغسلافية، وفي ظرف عشرون يوما قدمت كل عروضها في كل الجمهوريات اليوغسلافية: كرواتيا، سربيا، مقدونيا، البسنة والهرسك، فويفودنيا..في 06 / 01 1959 عادت الفرقة إلى تونس وشرعت في التدريب على أهم مسرحياتها ألا وهي مسرحية : أبناء القصبة.
وبين سنتي 1960 و 1961 تم العمل على مسرحيات الخالدون العهد و دم الأحرار حيث زارت الفرقة بهما كل من : العراق ؛ مصر، ليبيا. يقول المخرج مصطفى كاتب في ذهذا السياق عن عبد الحليم رايس: لقد أحاط بكل أنواع الكتابة.. من مؤلفاته:
اليتيم وهي مأساة إجتماعية و القناع الحديدي وهي مقتبسة عن مؤَلَف لإسكتدر دوما، و الرجل الذي يضحك مقتبسة عن فيكتور هوجو…
ولكنه لم يظهر كل إمكانيات تعبيره المأسوي إلاّ في أبناء القصبة.التي ألفها سنة 1958، وعرضت في تونس لأول مرة سنة 1959. حيث لاقت نجاحا باهرا من قبل الجمهور الجزائري القاطن بتونس. ومن التونسيين أنفسهم. ثم تم نقل المسرحية إلى طرابلس، وفي سنة 1961 إلى المغرب وأخيرا إلى بغداد. ثم جاء دور الخالدين، دم الأحرار، العهد.
ويتحدث الكاتب نفسه عن مسرحية أبناء القصبة: هنا – مسرحية الخالدون – كما في الأعمال الأخرى، حافظت على أسلوبي في الكتابة. …
واعتقد أنني لست لا طلائعي و لا إدباري ولا برختي و شكسبيري.وخارج هذا الإطار يمكن الحديث عن عملين باللّغة العربية الفصيحة وصلنا منشورين :
مصرع الطغاة لعبد الله الركيبي الذي نشره بتونس سنة 1959 و الذي حاول فيه أن يؤرخ للثورة التحريرية من أسباب اندلاعها والتحضير إلى انتصارها على الطغاة المعتدين…. وكتب الأديب الطاهر وطار مسرحية الهارب سنة 1961.وهي وإن يمكن تصنيفها في خنادق كثيرة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتملص من ثوب الثورة التي أوحت بها، ومن التغييرات التي حدثت في مسار الثورة، والتي كانت المادة الحقيقية لهذه المسرحية.