دراسة نقدية في قصيدة"الحرف الشهيد"للشاعر بدر السلام موفق

بسم الله الرحمان الرحيم السلام عليكم
المحاولة النقدية الثانية بقلم :الأستاذ شموري وليد.
دراسة نقدية في قصيدة"الحرف الشهيد"
للشاعر بدر السلام موفق
يحترق في شراشيف آهاته ويباغت لحظات اليقضة وتعتريه دهشة باردة بين الحين والآخر،فينزف كلمات حين تقرؤها لا يمكن لك ان تقول بعدها "صدقت"وفي هذه القصيدة المعنونة ب، "الحرف الشهيد" او حينما عاد عبد الحميد" يسيخ سمع قارئها وتلتف مشاعره حولها ،اذ وصل الى قلوبنا بعد ان سحر آذاننا من اول عتبة وهي العنوان الى آخر بيت في القصيدة،والاستماع واجبنا ولا غير الدهشة تتملكنا من سمو فكرته وعذوبة عباراته وتسلسل وترابط معانيه ،فهو هنا يحاكي او يضع يده على جرح امّة جزائرية عربية حرة (جار عليها الزمن) في ذات شاعرنا الابي الغيور على لغته .
العنوان:
يعد العنوان مكونا نصيا لا غنى عنه في دراسة اي نص ادبي،ويمكن القول انه نص موازي ودال مرافق للقصيدة،وتركيبيا فقد صاغه الشاعر من جملة اسمية مبتدأ وخبر وجاء في صورة بلاغية "الحرف الشهيد"على سبيل الاستعارة المكنية ،وهو هنا يشبه الحرف بالإنسان الذي يستشهد ويكني عن موت الهوية الجزائرية العربية من خلال طمس اللغة العربية في السنة المجتمع الجزائري.
اللغة: لغة القصيدة بلا شك راقية وفريدة ،وعذبة جاءت باسلوب السهل الممتنع ،استطاع الشاعر من خلالها ان يحملنا الى خيال خصب وثري ليعود بنا من جديد الى واقع فعلي ملموس ،وبامكان القارىء ان يفك شفرات النص ويحملها غير بعيد عن معنى القصيدة في ذات الشاعروهنا تكمن "اللذة"و "التذوق"،فلغة القصيدة محكمة البناء سلسسة تنساب في ذهن المتلقي دونما عسر،اراد من خلالها ان ينقل عوالمه الداخلية الى دواخلنا بكل يسرفجاءت قصيدته كسيل في ارض عطشة.
الصورة الشعرية:
يمكن القول ان بدر السلام قد تمكن من تجسيد صورة شعرية بإحكام لا متناه ،وتجلى ذلك من خلال الالفاظ التي لامست مشاعرنا بعفوية وتلقائية كبيرتين،وفي انسجام كبير بين الألفاظ والمعاني مبتكرا بذلك صورة شعرية عميقة وجميلة في ذهن القارىء محاولا بذلك تنبيهه ونقله الى آفاق رحبة وكأننا به يستعمل أسلوب "التطهير"الذي عرف به الفيلسوف "أرسطو".
موسيقى القصيدة:
إن أي قارىء للقصيدة يلحظ منذ الوهلة الأولى أن موسيقى الشاعر تبدو حزينة،اذ بدا ذلك من أول بيت فيها،من خلال حديثه عن الغضب والانكسار،وهو ما حقق للقصيدة جاذبيتها الكبيرة حاثا بذلك المتلقى على مواصلة فعل التلقي،فقد أجاد الشاعر دغدغة أحاسيس هذا المتلقي من خلال الإيقاع الموسيقي المليء بالحيرة والتاسّي والإباء والعزة،فنجح في التعبير عن وضع الهوية الجزائرية وعن الزمن والمجتمع الحاضر اصدق تعبير.
تحليل القصيدة:
قسم الشاعر قصيدته الى ثلاثة مشاهد،ففي الأول تتجلى حسرته على اللغة العربية بادئا قصيدته بقوله:
قد قام من لحده غضبان منكسرا*** يسائل الأرض عن بذر بها زرعا
حيث ثمثّل هنا عودة رمز من رموز الللغة العربية والعروبة في الجزائر والوطن العربي وهو العلامة عبد الحميد بن باديس،فكانّما قرا مشهد عودته الى الحياة من قبره ،ليرى حال اللغة العربية والوضعية التي آلت اليها،فهو الذي اسهم بقلمه في الحفاظ عليها وقد شببها الشاعر بالبذرة التي زرعت على يديه ليعود الى الحياة فيجدها قد تلوثت بلغة فولتير اذ يكني بها على لغة المستعمر الفرنسي الذي حاربه بكل ما اوتي من قوة،ويضع مقارنة بين رمز اللغة الفرنسية "فولتير" ورمز اللغة العربية الجزائرية" الامام عبد الحميد بن باديس" يقول:
تبدّلوا لغة السماء فرنجة*** فالرّاء غين وفي الظاءين ما كدرا
يسير فولتير في كلّ الشوارع شامخا*** وعبد الحميد باكيا قبرا
لينتقل بنا الشاعرفي المشهد الثاني الى حال المهتمين باللغة العربية والمدافعين عنها والناطقين بها ونظرة المجتمع لهم،ووصفهم بالمتخلفين وغير المتحضرين او حتى اصوليين اناس غرباء في نظر البعض من المتفرنسين والمغافلين والنكرين لاصولهم وهويتهم ،في مشهد مكثف بالحزن يدمي العدو قبل الصديق،يقول:
ما بال تربك تنفي عن مرابعها*** من للعروبة قد دعا او انتصرا
للراطنين مقام المالكين هنا*** والمعربين قضوا في ساحاتكم زمرا
وفي المشهد الأخير يلتفت الشاعر إلى فئة أخرى نالت نصيبها من التهميش مبينا غيرته وحبه الكبيرين لوطنه الجزائر ولهؤلاء الذين ضحوا بالغالي والنفيس من اجل أن يتربى أبناؤها في كنف الإسلام والعروبة فاختار الفاظا مناسبة للتعبير عن الظلم الذي يطال العربين والمنتسبين والمنتصرين لها يقول متحسرا:
سلّم على وطن قد حرّرته الدم***اء لم يزل دمه الطهور منهمرا
يجوع فيه ويعرى من بنوه ويقصى من علّموه الدين والسّورا
ونلحظ ان الشاعر كثف من الصور البلاغية لجلب انتباه القارىء"سلّم على وطن"" قد حرّرته الدماء" يقصى من علّموه الدين والسّورا ،ويحاول إبراز الجانب المغيب من الاهتمام الذي لا تلقاه فئة العلماء والمعلمين والأئمة خصوصا والكتاب والمثقفين عموما.في اسلوب مليء بالجراة والشجاعة،منتقلا الى الافتخار باللغة العربية وتثمين دور البيان فيقول:
قد يرقص اللّيل والنجوم في حضرة ال *** بيان إن كان ذو الأعراب مقتدرا
وداعيا إلى إعادة النظر في اصلاح السنتنا ونفوسنا المتشبعة بلغة المستعمر
ها يعربي أنا وهاته لغتي*** فانظر لنفسك منك شرّما ظهرا
وما نستخلصه هو أن الشاعر أجاد في الردّ على هؤلاء الذين أنكروا أصولهم وهويتهم فانطلقوا يتكلمون بلسان غير عربي ،ونجح في عتاب الغافلين منهم وكذا نصح القائمين على العربية في بلادنا الحبيبة بضرورة إعطاء العربية مكانتها التي تستحقها إذ هي لغة القرآن الكريم وهي هويتنا التي لا ينبغى أن ننكره

[img][/img]