منتدى الحضنة للعلم والمعرفة
اهلا بك في منتدي الحضنة للعلم والمعرفة
منتدى الحضنة للعلم والمعرفة
اهلا بك في منتدي الحضنة للعلم والمعرفة
منتدى الحضنة للعلم والمعرفة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى الحضنة للعلم والمعرفة

free
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  تسجيل دخول الاعضاءتسجيل دخول الاعضاء  
 photo ss-6.gif
قرآن كريم
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
walid
الإقناع بما جاء عن أئمَّة الدعوة من الأقوال في الإتباع _ محمَّد بن هادي بن علي المدخلي Vote_rcapالإقناع بما جاء عن أئمَّة الدعوة من الأقوال في الإتباع _ محمَّد بن هادي بن علي المدخلي Voting_barالإقناع بما جاء عن أئمَّة الدعوة من الأقوال في الإتباع _ محمَّد بن هادي بن علي المدخلي Vote_lcap 
aramnet
الإقناع بما جاء عن أئمَّة الدعوة من الأقوال في الإتباع _ محمَّد بن هادي بن علي المدخلي Vote_rcapالإقناع بما جاء عن أئمَّة الدعوة من الأقوال في الإتباع _ محمَّد بن هادي بن علي المدخلي Voting_barالإقناع بما جاء عن أئمَّة الدعوة من الأقوال في الإتباع _ محمَّد بن هادي بن علي المدخلي Vote_lcap 
Soumonov ALLIA
الإقناع بما جاء عن أئمَّة الدعوة من الأقوال في الإتباع _ محمَّد بن هادي بن علي المدخلي Vote_rcapالإقناع بما جاء عن أئمَّة الدعوة من الأقوال في الإتباع _ محمَّد بن هادي بن علي المدخلي Voting_barالإقناع بما جاء عن أئمَّة الدعوة من الأقوال في الإتباع _ محمَّد بن هادي بن علي المدخلي Vote_lcap 
malik yahya
الإقناع بما جاء عن أئمَّة الدعوة من الأقوال في الإتباع _ محمَّد بن هادي بن علي المدخلي Vote_rcapالإقناع بما جاء عن أئمَّة الدعوة من الأقوال في الإتباع _ محمَّد بن هادي بن علي المدخلي Voting_barالإقناع بما جاء عن أئمَّة الدعوة من الأقوال في الإتباع _ محمَّد بن هادي بن علي المدخلي Vote_lcap 
issam boutaraa
الإقناع بما جاء عن أئمَّة الدعوة من الأقوال في الإتباع _ محمَّد بن هادي بن علي المدخلي Vote_rcapالإقناع بما جاء عن أئمَّة الدعوة من الأقوال في الإتباع _ محمَّد بن هادي بن علي المدخلي Voting_barالإقناع بما جاء عن أئمَّة الدعوة من الأقوال في الإتباع _ محمَّد بن هادي بن علي المدخلي Vote_lcap 
zaki zidane
الإقناع بما جاء عن أئمَّة الدعوة من الأقوال في الإتباع _ محمَّد بن هادي بن علي المدخلي Vote_rcapالإقناع بما جاء عن أئمَّة الدعوة من الأقوال في الإتباع _ محمَّد بن هادي بن علي المدخلي Voting_barالإقناع بما جاء عن أئمَّة الدعوة من الأقوال في الإتباع _ محمَّد بن هادي بن علي المدخلي Vote_lcap 
أمين المقراوي
الإقناع بما جاء عن أئمَّة الدعوة من الأقوال في الإتباع _ محمَّد بن هادي بن علي المدخلي Vote_rcapالإقناع بما جاء عن أئمَّة الدعوة من الأقوال في الإتباع _ محمَّد بن هادي بن علي المدخلي Voting_barالإقناع بما جاء عن أئمَّة الدعوة من الأقوال في الإتباع _ محمَّد بن هادي بن علي المدخلي Vote_lcap 
laidm88
الإقناع بما جاء عن أئمَّة الدعوة من الأقوال في الإتباع _ محمَّد بن هادي بن علي المدخلي Vote_rcapالإقناع بما جاء عن أئمَّة الدعوة من الأقوال في الإتباع _ محمَّد بن هادي بن علي المدخلي Voting_barالإقناع بما جاء عن أئمَّة الدعوة من الأقوال في الإتباع _ محمَّد بن هادي بن علي المدخلي Vote_lcap 
عبد الحميد بدار
الإقناع بما جاء عن أئمَّة الدعوة من الأقوال في الإتباع _ محمَّد بن هادي بن علي المدخلي Vote_rcapالإقناع بما جاء عن أئمَّة الدعوة من الأقوال في الإتباع _ محمَّد بن هادي بن علي المدخلي Voting_barالإقناع بما جاء عن أئمَّة الدعوة من الأقوال في الإتباع _ محمَّد بن هادي بن علي المدخلي Vote_lcap 
azize el madrigal
الإقناع بما جاء عن أئمَّة الدعوة من الأقوال في الإتباع _ محمَّد بن هادي بن علي المدخلي Vote_rcapالإقناع بما جاء عن أئمَّة الدعوة من الأقوال في الإتباع _ محمَّد بن هادي بن علي المدخلي Voting_barالإقناع بما جاء عن أئمَّة الدعوة من الأقوال في الإتباع _ محمَّد بن هادي بن علي المدخلي Vote_lcap 
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
تصويت
التبادل الاعلاني
المواضيع الأكثر نشاطاً
مكتبة الجرائد الجزائرية
Adobe Premiere Pro 2.0 Portable برابط ميديافاير يعدعم الاستكمال mediafire
تحميل برنامج Avira Internet Security 2012 12.0.0.860
تحميل كتاب مذكرات taher zbiri هنا(نصف قرن من الكفاح)
طريقة صنع كحل جدتي وأمي
الله يهدينا على الفيس بوك واش دار فينا
لغز من يحله؟
مذكرات سنة اولى ابتدائي
يا ليت الزمن يعود الى الوراء
اقسم بالله انك ستلبسين الحجاب
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 3 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 3 زائر :: 1 روبوت الفهرسة في محركات البحث

لا أحد

أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 63 بتاريخ السبت يوليو 20, 2019 5:35 am
مايو 2024
الإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبتالأحد
  12345
6789101112
13141516171819
20212223242526
2728293031  
اليوميةاليومية

 

 الإقناع بما جاء عن أئمَّة الدعوة من الأقوال في الإتباع _ محمَّد بن هادي بن علي المدخلي

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
mustapha.benkacimi
عضو فضي

عضو فضي



الاوسمة : عضو مميز
عدد المساهمات : 20
نقاط : 36
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 25/06/2011
العمر : 40

الإقناع بما جاء عن أئمَّة الدعوة من الأقوال في الإتباع _ محمَّد بن هادي بن علي المدخلي Empty
مُساهمةموضوع: الإقناع بما جاء عن أئمَّة الدعوة من الأقوال في الإتباع _ محمَّد بن هادي بن علي المدخلي   الإقناع بما جاء عن أئمَّة الدعوة من الأقوال في الإتباع _ محمَّد بن هادي بن علي المدخلي Icon_minitimeالجمعة يوليو 15, 2011 10:58 pm

الإقنـــــــــــاع
بما جاء عن أئمَّة الدعوة من الأقوال
في الاتِّباع
تأليف فضيلة الشيخ
محمَّد بن هادي بن علي المدخلي






U
U
الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على خير خلقه نبيِّنا محمَّد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمَّا بعد:
فإنّه ليسرُّني ـ أخي القارئ الكريم ـ أن أقدِّم لك هذه الرسالة الموجزة المختصرة من كلام أئمَّة الدعوة السلفية المباركة ـ رحمهم الله ـ في:
♦ الحثِّ على اتباع الكتاب والسنَّة، وتعظيمهما، وتقديمهما على قول كلّ أحد من الناس كائنًا مَن كان.
♦ وكذلك ذمُّ التقليد، وأنّه لا يُصار إليه إلاَّ عند الضرورة، وليس في كلّ أبواب العلم ومسائله أيضا، بل فيما يعسر ويخفى.
♦ وبيَّنت فيها الكلام على التقليد، وأنواعه، وحكم كلّ نوع.
♦ وهل الحقّ محصور في المذاهب الأربعة ؟
♦ كما ختمتها ببيان الموقف الصحيح من كتب الفقه المصنَّفة في المذاهب، ووجوب احترام الأئمَّة الأربعة وغيرهم من أهل العلم، والاستفادة من علومهم.
وكلّ ذلك نقلته من كلامهم ـ رحمهم الله تعالى ـ بحروفه، وأحلت إلى مواضعه من كتبهم، ورسائلهم، وفتاواهم.
وكان جُلّ اعتمادي ـ إن لم أقل كلّه ـ على كتاب <الدرر السنية في الأجوبة النجدية> جمع الشيخ العالم الفقيه: عبد الرحمن بن محمَّد بن قاسم ـ رحمه الله تعالى ـ؛ لأنّه أجمع كتاب جمع رسائل أئمَّة هذه الدعوة المباركة: <لم يترك جامعه شيئًا مِمَّا ظفر به إلاَّ أشياء غير محررة، أو أشياء غير مقطوع بها عمَّن نُسِبَت إليه>( ).
والقصد من هذا الصنيع:
1 ـ بيان مكانة هؤلاء الأئمَّة ـ رحمهم الله تعالى ـ لشبابنا الذين صُرِفَ كثير منهم عن قراءة كتبهم. والردُّ على مَن يزعم أنّ هؤلاء الأئمَّة مقلِّدة لا يدرون الحديث.
2 ـ وكذلك بيان أنّ شيخ الإسلام الإمام المجدد محمَّد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله تعالى ـ قد جدَّد الدعوة السلفية في جانب العقيدة، وفي جانب الفقه؛ من حيث الدعوة إلى اتباع الدليل قرآنًا وسنَّة.
والردُّ على مَن يقول: إنّ دعوته سلفية في جانب، وليست سلفية في جانب آخر.
3 ـ وكذلك الردُّ على مَن يحاول التعلق ببعض الكلمات التي ورد عن شيخ الإسلام من أنّه ـ رحمه الله ـ: <على مذهب أحمد>، وكذا عن ابنه الإمام عبد الله ـ رحمهما الله ـ؛ ليحتجَّ بذلك على وجوب التقليد الذي يدعو إليه، وليتوصَّل بسبب ذلك إلى حاجة في نفسه.
وما درى هذا المسكين وأمثاله أنَّه قد أساء إلى شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ وإلى دعوته المباركة من حيث يشعر أو لا يشعر.
فكان كما قال الشاعر:
رام نفعًا فضرَّ من غير قصد
ومن البرِّ ما يكون عقوقًا

وكما قال الآخر:
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة
وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم

وفي الختام أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن ينفعني وإيَّاك ـ أخي طالب العلم ـ بما في هذه الرسالة، وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح، وأن يسلك بنا جميعًا طريق الهدى والرشاد.
والحمد لله ربِّ العالمين
وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمَّد، وعلى آله وصحبه أجمعين.


U
إنَّ الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا.
مَن يهده الله فلا مضلَّ له، ومَن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا.
وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمَّدا عبده ورسوله صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أمَّا بعد:
فإنَّ الله ـ جلَّ ثناؤه، وتقدَّست أسماؤه ـ بعث محمَّدًا  بالهدى ودين الحقِّ ليظهره على الدين كلِّه ولو كره المشركون، وأنزل عليه كتابه الهدى والنور لِمَن اتَّبَعه، وكلَّفه ببيانه في قوله جلَّ وعلا: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ( )؛ فقام بذلك  على أكمل وجه وأتَمِّه وأحسنه؛ فكان  هو المعبِّر عن كتاب الله، الدالُّ على معانيه، شاهده في ذلك أصحابه الذين ارتضاهم الله لنبيِّه  واصطفاهم له، ونقلوا ذلك عنه؛ فكانوا هم أعلم الناس برسول الله  وبما أراد الله من كتابه؛ فكانوا هم المعبِّرين عن ذلك بعد رسول الله ، كما قال جابر : <ورسول الله  بين أظهرنا، ينزل عليه القرآن وهو يعرف تأويله، وما عمل به من شيء عملنا به>( ).
فكانوا بذلك على طريق رسول الله . وكان مَن خرج عن طريقهم هذا خارجًا عن سبيل المؤمنين معرِّضًا نفسه لوعيد ربِّ العالمين المذكور في قوله تعالى: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا( ).
ولا سبيل للنجاة من هذا الوعيد الشديد إلاَّ بطاعته ، كما قال تعالى: وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ  وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ( )، وقال: قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الكَافِرِينَ( )، وقال: فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا( )، وقال: وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا( )، وقال تعالى: وَأَرْسَلْنَاكَ لِلْنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللهِ شَهِيدًا  مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا( )، وقال: يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَاليَوْمِ
الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً( )، وقال: وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مْن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ  وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ( )، وقال تعالى: وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا البَلاَغُ المُبِينُ( )، وقال تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ  قُلِ الأَنفَالُ للهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ( )، وقال سبحانه: يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ( )، وقال جلَّ وعلا: وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ( )، وقال تعالى: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ المُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ  وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ( )، وقال: وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ( )، وقال: قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ البَلاَغُ المُبِينُ( )، وقال: لاَ تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ( )، وقال جلَّ من قائل: يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا  يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا( )، وقال تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُبِينًا( )، وقال تعالى: يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ( )، وقال تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا( )، وقال: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ( )، وقال سبحانه: وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا البَلاَغُ المُبِينُ( )، وقال تعالى: يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهَ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ( ). فكان الحسن( ) يقول: <لا تذبحوا قبل ذبحه>( ).
قال الشافعي ـ رحمه الله ـ: <مَن تبع سنَّة رسول الله  وَافَقْتُهُ، ومَن خلط فتركها خَالَفْتُه حتى صاحبي. الذي لا أفارق: الملازم الثابت مع رسول الله  وإن بَعُدَ، والذي أفارق: مَن لم يقل بحديث رسول الله  وإن قَرُبَ>( ).
وقال ـ أيضًا ـ: <لم أسمع أحدًا ـ نَسَبَتْهُ عامّة أو نسب نفسه إلى علم ـ يخالف في أنَّ فرض الله: اتباع أمر رسول الله  والتسليم لحكمه؛ فإنَّ الله لم يجعل لأحد بعده إلاَّ اتباعه. وإنَّه لا يلزم قول رجل قال إلاَّ بكتاب الله أو سنَّة رسوله ، وإنَّ ما سواهما تبع لهما. وإنَّ فرض الله علينا وعلى مَن بعدنا وقبلنا في قبول الخبر عن رسول الله واحد لا يختلف فيه الفرض>( ).
قال الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ: <كان أحسنُ أمرِ الشافعي عندي: أنَّه كان إذا سمع الخبر ـ يعني: الحديث ـ لم يكن عنده قال به وترك قوله>( ).
قال الإمام محمَّد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ في معنى قوله تعالى: فَإِن
تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ( ) قال: <فإذا كان الله ـ سبحانه ـ قد أوجب علينا أن نردَّ ما تنازعنا فيه إلى الله ـ أي: إلى كتاب الله ـ، وإلى الرسول ـ أي: سنَّته ـ، عَلِمْنَا قَطْعًا: أنَّ مَن ردَّ إلى الكتاب والسنَّة ما تنازع الناسُ فيه وجد فيهما ما يفصل النزاع>( ).
وقال أيضًا ـ رحمه الله ـ: <وإذا كانت سعادة الأولين والآخرين هي باتباع المرسلين، فمن المعلوم أنَّ أحقَّ الناس بذلك: أعلمهم بآثار المرسلين وأتبعهم لذلك؛ فالعالمون بأقوالهم وأفعالهم المتبعون لها هم أهل السعادة في كلِّ زمان ومكان، وهم
الطائفة الناجية من أهل كلِّ ملَّة، وهم أهل السنَّة والحديث من هذه الأمَّة>( ).
وصدق رحمه الله تعالى، فإنَّهم قد أفنوا أعمارهم في معرفة سنَّة رسول الله ، وتحمَّلوا من المتاعب في سبيل ذلك ما لا يعلمه إلاَّ الله؛ وما ذلك إلاَّ لمحبَّتهم لمتابعة رسول الله ، والوقوف على أخباره وأحواله؛ فرضي الله عنهم وأرضاهم.
يقول الإمام عبد الله بن الإمام محمَّد بن عبد الوهاب ـ رحمهم الله تعالى ـ:
<ومعلوم: أنَّ أهل الحديث هم أعظم طوائف الأمَّة بحثًا ومعرفةً بسنَّة رسول الله ؛ وذلك لأنَّهم قد اشتغلوا بذلك وأَفْنَوْا أعمارهم في طلب ذلك ومعرفته، واعْتَنَوْا بضبط ذلك وجمعه وتنقيته، حتى بيَّنوا صحيح ذلك من ضعيفه من كذبه؛ ولا ينازع في ذلك إلاَّ عدوٌّ لله ولرسوله ولعباده المؤمنين>( ).
وصدق ـ رحمه الله تعالى ـ في هذا؛ وإنَّما يعرف الفضلَ لأهل الفضلِ ذوو الفضل، فرحمهم الله تعالى جميعًا.
ولهذا فاسمع إليه ـ رحمه الله ـ حينما يدافع عن أهل الحديث في وجه مَن يطعن فيهم وينتقصهم، قال ـ رحمه الله ـ:
<ولا يبغض علماء أهل الحديث ويتكلَّم فيهم إلاَّ مَن هو من أهل البدع والكذب والفجور>( ).
ويقول العلامة عبد اللطيف بن الشيخ عبد الرحمن بن الشيخ حسن ابن شيخ الإسلام محمَّد بن عبد الوهاب ـ رحمهم الله تعالى جميعًا ـ: <وأهل السنَّة والحديث في كلِّ مكان وزمان هم محنة أهل الأرض، يمتاز أهل السنَّة بمحبتهم والثناء عليهم، ويُعرَف أهل البدع بعيبهم وشنايتهم> انتهى( ).
وهم في هذا يوافقون الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ في تعظيمه للسنَّة وتقديمها على قول كلِّ أحد من الناس كائنًا مَن كان؛ فإنَّه يقول ـ رحمه الله ـ: <عَجِبْتُ لقومٍ عَرَفُوا الإسنادَ وصحَّته يذهبون إلى رأي سفيان، واللهُ يقول: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ( )، أتدري ما الفتنة ؟ الشرك. لعلَّه إذا ردَّ بعضَ قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلَكَ>( ).
ويقول أيضًا ـ رحمه الله ـ لبعض أصحابه: <لا تُقلِّدوني، ولا تُقلِّدوا مالكًا، ولا الشافعي، ولا الثوري، وتعلَّموا كما تعلَّمنا>( ).
ويقول ـ أيضًا ـ: <من قلَّة علم الرجل أن يقلِّد دينه الرجال>( ).
ويقول ـ رحمه الله تعالى ورضي عنه ـ: <لا تُقلِّد دينك الرجال؛ فإنَّهم لن يسلَموا من أن يغلطوا>(2).
ولذلك عقد الإمام محمَّد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله تعالى ـ بابًا في <كتاب التوحيد> وعنونه بقوله: <باب مَن أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحلَّ الله أو تحليل ما حرَّم الله؛ فقد اتخذهم أربابًا من دون الله>.
وذكر تحته قول ابن عباس: <يوشك أن تَنْزِل عليكم حجارة من السماء: أقول: قال رسول الله  وتقولون: قال أبو بكر وعمر ؟>( ).
وذكر ـ أيضًا ـ قول الإمام أحمد الآنف الذكر: <عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته...> الخ.
وذكر حديث عدي بن حاتم  الذي خرَّجه الإمام الترمذي( ): أنَّه سمع النبي  يقرأ هذه الآية: اِتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِن دُونِ اللهِ وَالمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ( )، فقلت له: إنَّا لسنا نعبدهم، فقال: <أليس يُحرِّمون ما أحلَّ الله فتحرِّمونه ؟ ويحلُّون ما حرَّم الله فتحلونه ؟>، فقلت: بلى، قال : <فتلك عبادتهم>.
قال الإمام عبد الرحمن بن حسن بن محمَّد بن عبد الوهاب ـ رحمهم الله تعالى ـ في: <فتح المجيد>، في شرح أثر ابن عباس : <هذا القول من ابن عباس  جوابٌ لِمَن قال له: إنَّ أبا بكر وعمر  لا يَرَيَانِ التمتُّع بالعمرة إلى الحج، ويَرَيَانِ أنَّ إفرادَ الحجِّ أفضل. وكان ابن عباس  يرى أنَّ التمتُّع بالعمرة إلى الحج واجب، ويقول: <إذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط؛ فقد حلَّ من عمرته، شاء أم أبى>.
وساق حديث سراقة بن مالك في أمر النبي  لأصحابه بذلك وهو في <الصحيحين>.
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن: <وحينئذ فلا عذرَ لِمَن استُفْتِي أن ينظر في مذاهب العلماء، وما استدلَّ به كلُّ إمام ويأخذ من أقوالهم ما دلَّ عليه الدليل إذا كان له ملكة يقتدر بها على ذلك>.
وقال ـ أيضًا ـ: <وما زال العلماء يجتهدون في الوقائع؛ فمَن أصاب منهم فله أجران، ومَن أخطأ فله أجر ـ كما في الحديث ـ، لكن إذا استبان لهم الدليل أخذوا به وتركوا اجتهادهم.
1 ـ وأمَّا إذا لم يبلغهم الحديث.
2 ـ أو لم يثبت عن النبي  عندهم فيه حديث.
3 ـ أو ثبت وله معارض أو مخصِّص، ونحو ذلك؛ فحينئذ يسوغ للإمام أن يجتهد.
وفي عصر الأئمَّة الأربعة ـ رحمهم الله تعالى ـ إنَّما كان طلب الأحاديث مِمَّن هي عنده باللُّقِيِّ والسماع، ويسافر الرجل في طلب الحديث إلى الأمصار عدَّة سنين؛ ثمَّ اعتنى الأئمَّة بالتصانيف ودوَّنوا الأحاديث ورووها بأسانيد وبيَّنوا صحيحها من حسنها من ضعيفها.
والفقهاء صنَّفوا في كلِّ مذهب، وذكروا حجج المجتهدين، فسهل الأمر على طالب العلم، وكلُّ إمام يذكر الحكم بدليله عنده.
وفي كلام ابن عباس ما يدلُّ على أنَّ مَن بلغه الدليل فلم يأخذ به تقليدًا لإمامه؛ فإنَّه يجب الإنكار عليه بالتغليظ لمخالفته الدليل.
وعلى هذا: فيجب الإنكار على مَن ترك الدليل لقول أحد من العلماء كائنًا مَن كان، ونصوص الأئمَّة على هذا، وأنَّه لا يسوغ التقليد إلاَّ في مسائل الاجتهاد التي لا دليل فيها يُرجع إليه من كتاب ولا سنَّة؛ فهذا الذي عناه بعض العلماء بقوله: لا إنكار في مسائل الاجتهاد.
وأمَّا مَن خالف الكتاب والسنَّة فيجب الردُّ عليه كما قال ابن عباس، والشافعي، ومالك، وأحمد؛ وذلك مُجْمَعٌ عليه> اﻫ.
قلت: وفي كلام الإمام عبد الرحمن بن حسن ـ رحمهما الله تعالى ـ أربعة أمور:
الأول: أنّ الاجتهاد ـ أعني: اجتهاد الرأي ـ لا يُصار إليه إلاَّ عند الضرورة وفي أضيق الأحوال؛ وذلك في:
1 ـ عدم بلوغ الحديث إلى العالم،
2 ـ أو عدم ثبوته عنده،
3 ـ أو ثَبَتَ وله معارض أو مخصِّص، ونحو ذلك.
قال ابن القيم رحمه الله في <إعلام الموقعين>( ): <قال الشافعي رحمه الله: <قال لي قائل: دُلَّني على أنّ عمر  عمل شيئًا ثمَّ صار إلى غيره لخبر نبوي ؟ قلت له: حدثنا سفيان، عن الزهري، عن ابن المسيب أنّ عمر كان يقول: الدِّية للعاقلة، ولا ترث المرأة من دية زوجها، حتى أخبره الضحاك بن سفيان أنّ رسول الله  كتب إليه أن يُورِّث امرأة الضبابي من ديته. فرجع إليه عمر>.
وأخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار وابن طاووس عن طاووس: أنّ عمر  قال: <أُذَكِّرُ الله امرأً سمع من النبي  في الجنين شيئًا، فقام حَمَل بن مالك بن النابغة فقال: كنت بين جاريتين لي، فضربت إحداهما الأخرى بِمِسْطَحٍ فألقت جنينًا ميتًا، فقضى فيه رسول الله  بغُرَّة. فقال عمر : لو لم نسمع فيه هذا لقضينا فيه بغير هذا، أو قال: إن كدنا لنقضي فيه برأينا>. فترك اجتهاده  للنص.
قال العلامة ابن القيم ـ رحمه الله ـ معلقًا على قول عمر :
<وهذا هو الواجب على كل مسلم؛ إذ اجتهاد الرأي إنَّما يباح للمضطر كما تباح له الميتة والدم عند الضرورة: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ( )؛ وكذلك القياس إنَّما يصار إليه عند الضرورة>.
قال الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ: <سألت الشافعي ـ رحمه الله ـ عن القياس، فقال: عند الضرورة>( ).
فهؤلاء ثلاثة من فحول الأئمَّة العلماء يَنُصُّون على أنّ الاجتهاد والقياس إنَّما يُصار إليهما في حال الضرورة؛ وكفى بهؤلاء إمامةً وعلمًا.
الأمر الثاني: أنّه بعدما دوَّن الأئمَّة الأحاديث واعتنوا بالتصنيف في ذلك، وبيَّنوا الصحيح من الحسن من الضعيف، وصنَّف الفقهاء في كلّ مذهب، وذكروا حجج المجتهدين، وكلّ إمام يذكر الحكم بدليله عنده سهل الأمر حينئذ على طالب العلم، فما عليه ـ والحالة هذه ـ إلاَّ كما قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن في أوّل كلامه:
<أن ينظر في مذاهب العلماء وما استدلَّ به كلُّ إمام، ويأخذ من أقوالهم ما دلَّ عليه الدليل؛ إذا كان له مَلَكَة يقتدر بها على ذلك>.
وهذا الذي قاله الإمام عبد الرحمن بن حسن قد قال به عمَّاه من قبله: الشيخ حسين، والشيخ عبد الله؛ ابنا الشيخ محمَّد بن عبد الوهاب ـ أجزل الله لهم الأجر والثواب، وأدخلهم الجنَّة بغير حساب ـ في جوابهما لَمَّا سُئِلاَ عن عقيدة الشيخ محمَّد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ في العمل في العبادة، قالا:
<عقيدة الشيخ محمَّد ـ رحمه الله ـ التي يدين الله بها هي: عقيدتنا وديننا الذي ندين الله به؛ وهي عقيدة سلف الأمَّة وأئمَّتها من الصحابة والتابعين لهم بإحسان؛ وهو: اتباع ما دلَّ عليه الدليل من كتاب الله وسنَّة رسول الله ، وعرض أقوال العلماء على ذلك، فما وافق كتاب الله وسنَّة رسوله قبلناه وأفتينا به، وما خالف ذلك رددناه على قائله.
وهذا هو الأصل الذي أوصانا الله به في كتابه حيث قال: يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ( )، أجمع المفسِّرون على أنّ الردَّ إلى الله هو: الردُّ إلى كتابه، وأنّ الردَّ إلى الرسول هو: الردُّ إليه في حياته، وإلى سنَّته بعد وفاته؛ والأدلَّة على هذا الأصل كثيرة في الكتاب والسنَّة>( ).
وقال ـ أيضًا ـ الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن ـ رحمهم الله تعالى ـ في رسالته التي كتبها في بيان عقيدة الشيخ محمَّد ـ رحمه الله ـ وأخباره وأحواله، قال عنه:
<ولا يرى ترك السنن والأخبار النبوية لرأي فقيه ومذهب عالم خالف ذلك باجتهاده، بل السنَّة أجلُّ في صدره وأعظم عنده من أن تُتْرَك لقول أحد كائنًا مَن كان.
قال عمر بن عبد العزيز: <لا رأي لأحد مع سنَّة رسول الله>.
نعم: عند الضرورة، وعدم الأهلية، والمعرفة بالسنن والأخبار، وقواعد الاستنباط والاستظهار؛ يُصار إلى التقليد، لا مطلقًا، بل فيما يعسر ويخفى.
ولا يرى إيجاب ما قاله المجتهد إلاَّ بدليل تقوم به الحُجَّة من الكتاب والسنَّة خلافًا لغلاة المقلدين.
ويوالي الأئمَّة الأربعة، ويرى فضلهم، وإمامتهم، وأنَّهم في الفضل والفضائل في غاية رتبة يقصُر عنها المتطاوِل، ومَيْلُه إلى أقوال الإمام أحمد أكثر>( ).
الأمر الثالث: أنَّه يجب الإغلاظ في الإنكار على مَن بلغه الدليل ولم يأخذ به تقليدًا لإمامه الذي يُقلِّده؛ لكونه قد صار بفعله هذا مخالفًا للدليل الواضح.
الأمر الرابع: أنّ التقليد لا يسوغ إلاَّ في نطاق ضيِّق جدًّا، وهو في باب مسائل الاجتهاد التي لا دليل فيها يرجع إليه من الكتاب والسنَّة، وأنَّ هذا النوع من الاجتهاد هو الذي عناه بعض العلماء ـ رحمهم الله ـ بقولهم: <لا إنكار في مسائل الاجتهاد>.
أمَّا المخالَفة الواضحة للكتاب والسنَّة فهذه يجب الردُّ على صاحبها، كما قال ابن عباس والشافعي ومالك وأحمد؛ وهو أمر مُجْمَعٌ عليه.
قلت: وهذا الذي قاله الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله تعالى قد بيَّنه ووضَّحه جدُّه شيخ الإسلام الإمام المجدِّد محمَّد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، حيث قال ـ كما في <الدرر السنية>( ) ـ:
<وأمَّا قول مَن قال: <لا إنكار في مسائل الاجتهاد> فجوابها يُعلَم من القاعدة المتقدمة>( ).
ثمَّ قال ـ رحمه الله ـ: <فإن أراد القائل مسائل الخلاف؛ فهذا باطل يخالف إجماع الأمَّة، فما زال الصحابة ومَن بعدهم يُنْكِرُون على مَن خالف وأخطأ كائنًا مَن كان ولو كان أعلم الناس وأتقاهم؛ وإذا كان الله بعث محمَّدا بالهدى ودين الحقِّ،
وأمرنا باتباعه وترك ما خالفه فمن تمام ذلك: أنَّ مَن خالفه من العلماء مخطئ يُنَبَّه على خطئه ويُنْكَرُ عليه.
وإن أُرِيدَ بمسائل الاجتهاد: مسائل الخلاف التي لم يتبيَّن فيها الصواب؛ فهذا كلام صحيح، ولا يجوز للإنسان أن ينكر الشيء لكونه مخالفًا لمذهبه أو لعادة الناس؛ فكما لا يجوز للإنسان أن يأمر إلاَّ بعلم لا يجوز أن يُنْكِر إلاَّ بعلم؛ وهذا كلُّه داخل في قوله تعالى: وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ( ) انتهى كلامه ـ رحمه الله ـ.
ونقل الشيخ العلامة حَمَد بن ناصر بن معمر عن شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمهما الله ـ أنَّه قال: <... فكما أنَّ الصحابة بعضهم لبعض أَكِفَّاء في موارد النزاع، وإذا تنازعوا في شيء ردُّوا ما تنازعوا فيه إلى الله والرسول وإن كان بعضهم قد يكون أعلم في مواضع أخر، فكذلك موارد النزاع بين الأئمَّة.
وقد ترك الناس قول عمر وابن مسعود  في مسألة تيمُّم الجنب، وأخذوا بقول مَن هو دونهما كأبي موسى الأشعري وغيره؛ لَمَّا احتجَّ بالكتاب والسنَّة، وتركوا قول عمر في دية الأصابع، وأخذوا بقول معاوية، لَمَّا كان معه من السنَّة أنَّ النبي  قال: <هذه وهذه سواء>.
وقد كان بعض الناس يناظر ابن عباس في التمتُّع فقال له: إنَّ أبا بكر وعمر يقولان، فقال ابن عباس: <يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء؛ أقول: قال رسول الله  وتقولون: قال أبو بكر وعمر !>.
وكذلك ابن عمر لَمَّا سألوه عنها فأمر بها، فعارضوه بقول عمر، فبيَّن أنَّ عمر يردُّ ما يقولونه، فألَحُّوا عليه، فقال: <أمر رسول الله  أحقُّ أن يُتَّبع أم أمر عمر ؟>.
مع علم الناس أنَّ أبا بكر وعمر أعلم مِمَّن هو فوق ابن عمر وابن عباس.
ولو فُتِحَ هذا الباب لوجب أن يعرض عن أمر الله ورسوله ، ويبقى كلُّ إمام في اتباعه بمنزلة النبي في أمَّته؛ وهذا تبديل للدين يشبه ما عاب الله به النصارى في قوله تعالى: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِن دُونِ اللهِ( ) > انتهى كلام شيخ الإسلام ـ رحمه الله تعالى( ) ـ.
قلت: ما سبب هذا الكلام من هؤلاء الأئمَّة الأعلام، وهذا الإغلاظ ـ أيضًا ـ منهم على مَن اتَّبع العلماء مطلقًا من غير أن ينظر في حججهم وأدلَّتهم؛ إلاَّ قصد النصيحة للناس، وتحذيرهم من متابعة العلماء على خطئِهم؛ لأنَّهم ـ رحمهم الله تعالى ـ عرضة للخطأ.
وقد بيَّن هذا الذي أقوله العلامة الحبر الجليل: إسحاق بن عبد الرحمن ابن حسن آل الشيخ ـ رحمهم الله تعالى جميعًا ـ حيث يقول:
< والعلماء يجري عليهم الخطأ، وليسوا بمعصومين، ومَن حسَّن الظنَّ بهم مِنْ دُونِ نَظَرٍ في الكتاب والسنَّة هَلَكَ >.
انظر إلى إيقاد السرج على القبور اليوم قد عمَّ وطمَّ، وقد صُرِفَتْ له الأوقاف، واستحسنه بعض العلماء، وكتبوا على أوقافه، وكذلك تجصيص القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج؛ هذه السنَّة تنادي بلعنهم، أتظنُّ هذا الإجماع يعتدُّ به ؟ هذا ـ والله ـ كإجماع الناس على عبادة القبور في زمن الفترة>.
انتهى المقصود من كلامه الذي كتبه في رسالته <بيان عقيدة الشيخ محمَّد وأخباره وأحواله>، وهي في <الدرر السنية>( ).
وقال الإمام عبد الرحمن بن حسن في <فتح المجيد>( ) شارحًا قول الإمام أحمد: <عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته...> الخ: <هدا إنكار منه لذلك، وأنَّه يؤول إلى زيغ القلوب الذي يكون به المرء كافرًا.
وقد عمَّت البلوى بهذا المنكر، خصوصًا مِمَّن ينتسب إلى العلم؛ نصبوا الحبائل في الصدِّ عن الأخذ بالكتاب والسنَّة، وصدُّوا عن متابعة الرسول  وتعظيم أمره ونهيه؛ فمن ذلك قولهم: <لا يَستدلُّ بالكتاب والسنَّة إلاَّ المجتهد، والاجتهاد قد انقطع>، ويقولون: <هذا الذي قلَّدتّه أعلم منك بالحديث وناسخه ومنسوخه>، ونحو ذلك من الأقوال التي غايتها:
1 ـ ترك متابعة الرسول  الذي لا ينطق عن الهوى.
2 ـ والاعتماد على مَن يجوز عليه الخطأ، وغيره من الأئمَّة يخالفه ويمنع قوله بدليل.
فما من إمام إلاَّ والذي معه بعض العلم لا كلُّه.
فالواجب على كلِّ مكلَّف إذا بلغه الدليل من كتاب الله وسنَّة رسوله  وفَهِمَ معنى ذلك: أن ينتهي إليه ويعمل به، وإن خالفه مَن خالفه، كما قال تعالى: اِتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ( )، وقال تعالى: أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ( ).
وقد تقدَّم حكاية الإجماع على ذلك، وبيان أنَّ المقلِّد ليس من أهل العلم، وقد حكى ـ أيضًا ـ أبو عمر بن عبد البر وغيره الإجماع على ذلك>.
ثُمَّ قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن: <قلت: ولا يخالف في ذلك إلاَّ جُهَّال المقلِّدة، لجهلهم بالكتاب والسنَّة ورغبتهم عنها، وهؤلاء وإن ظنُّوا أنفسهم قد اتبعوا الأئمَّة فإنَّهم في الحقيقة قد خالفوهم، واتَّبعوا غير سبيلهم ـ كما قدَّمنا من قول مالك والشافعي وأحمد ـ ولكن في كلام الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ إشارة إلى
أنَّ التقليد قبل بلوغ الحُجَّة لا يُذَمُّ، وإنَّما يُنْكَر على مَن بلغته الحُجَّة وخالفها لقول إمام من الأئمَّة، وذلك إنَّما نشأ عن الإعراض عن تدبُّر كتاب الله وسنَّة
رسوله ، والإقبال على كتب مَن تأخر، والاستغناء بها عن الوحيين؛ وهذا يشبه ما وقع من أهل الكتاب الذين قال الله فيهم: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِن دُونِ اللهِ( ).
فيجب على مَن نصح نفسه إذا قرأ كُتُب العلماء ونظر فيها وعرف أقوالهم: أن يَعْرِضَهَا على ما في الكتاب والسنَّة؛ فإنَّ كلَّ مجتهد من العلماء ومَن تَبِعَهُ وانتسب إلى مذهب لا بدَّ أن يذكر دليله، والحقُّ في المسألة واحد، والأئمَّة مثابون على اجتهادهم؛ فالمنصف يجعل النظر في كلامهم وتأمُّلَه طريقًا إلى معرفة المسائل واستحضارها ذهنًا وتمييزًا للصواب من الخطأ بالأدلة التي يذكرها المستدلُّون؛ ويعرف بذلك مَن هو أسعد بالدليل من العلماء فيتَّبعه؛ والأدلَّة على هذا الأصل في كتاب الله أكثر من أن تحصر>.
وقال الشيخ العلامة سليمان بن عبد الله ـ رحمه الله ـ:
<...نعم: وينكر الإعراض عن كتاب الله، وسنَّة رسوله ، والإقبال على الكتب المصنفة في الفقه استغناء بها عن الكتاب والسنة؛ بل إن قرؤوا شيئًا من كتاب الله وسنَّة رسوله  فإنما يقرؤون تبركا لا تعلما وتفقها...>( ).
وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن ـ أيضًا ـ في شرح حديث عدي ابن حاتم ( ): <وفي الحديث دليل على أنَّ طاعة الأحبار والرهبان في معصية الله عبادة لهم من دون الله، ومن الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله، لقوله تعالى في آخر الآية: وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ( )، ونظير ذلك في قوله تعالى: وَلاَ تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ( ).
وهذا قد وقع فيه كثير من الناس مع مَن قلَّدوهم لعدم اعتبارهم الدليل إذا خالف المقلِّد، وهو من هذا الشرك.
ومنهم مَن يغلو في ذلك ويعتقد أنَّ الأخذ بالدليل ـ والحالة هذه ـ يُكره، أو يَحرُم؛ فعظُمت الفتنة؛ ويقول: <هم أعلم منَّا بالأدلة، ولا يأخذ بالدليل إلاَّ المجتهد>؛ وربّما تفوَّهوا بذمِّ مَن يعمل بالدليل؛ ولا ريب أنَّ هذا من غربة الإسلام.
فتغيَّرت الأحوال وآلت إلى هذه الغاية؛ فصارت عند الأكثر عبادة الرهبان هي أفضل الأعمال، ويُسمُّونها ولاية؛ وعبادة الأحبار هي: العلم والفقه.
ثُمَّ تغيَّرت الحال إلى أن عُبِد مَن ليس من الصالحين، وعُبِد بالمعنى الثاني مَن هو من الجاهلين> انتهى كلامه ـ رحمه الله تعالى ـ.
قلت: صَدَقَا وربِّ الكعبة ـ رحمة الله عليهما ـ؛ فبدل أن يُجعَل كلام العلماء ـ رحمهم الله ـ طريقًا إلى معرفة المسائل، ويُعرض على الكتاب والسنَّة حتى يعرف مَن منهم أسعد بالدليل فيُتَّبع ويُؤْخَذ بقوله، عكست القضية، وأوجب على الناس أن يتبعوا أقوال الرجال، وحُرِّم عليهم الأخذ بالدليل، بل تجاوز هؤلاء المقلِّدة الغلاة
الحد فذهبوا يذمُّون مَن يأخذ بالدليل ويعمل به ويدعو إلى ذلك، كما قال الإمام عبد الرحمن بن حسن ـ رحمه الله ـ: فما أشبه الليلة بالبارحة، وما أشبه هؤلاء الذين تحدَّث عنهم الشيخ سليمان بن عبد الله والشيخ عبد الرحمن بن حسن وغيرهم مِمَّن نقلتُ عنهم بأهل أيامنا هذه، وصدق مَن قال: <لكلِّ قوم وارث>.
إلاَّ أنَّ هؤلاء الورَّاث الجُدُد في هذا العصر كالكوثري، والبوطي، والدِّيُوبَنْدِيِّين، ومَن كان على شاكلتهم، ومَن تدثَّر بدَثَارِهم وتلبَّس بشعارهم وليس منهم في قبيل ولا دبير ولا قليل ولا كثير، وليس هو في العير ولا في النفير، مِمَّن لهم مقاصد وأهداف يعرفها مَن عايشهم؛ أَلبَسوا هذه القضية ثوبًا جديدًا، وسَمَّوها بغير اسمها، حتى يُروَّج باطلهم على مَن لم يعرف حقيقة الأمر وعلى السُّذَّج والبسطاء مِمَّن يسمعونهم، فقاموا برفع لواء <اللامذهبية>، وصوَّروا مَن( ) يدعو إلى الأخذ بالكتاب والسنَّة بأنَّه محارب للأئمَّة، وللفقه، وكتب الفقه، ووصفوهم بأنَّهم خوارج.
فقال بعض جهلتهم: <من لم يكن حنبليًّا فهو خارجي جهيماني>.
فلمَّا أورد عليه: ومَن كان شافعيًّا أو مالكيًّا أو حنفيًّا ماذا يكون؟ فما كان منه إلاَّ أن حاص حيصة الحُمُر في الدَّسْكَرَةِ.
ثمَّ وسَّع الدائرة ليرقِّع خَرْقَه ويغطي خَرَقَه، فقال: <كلُّ مَن لم يكن على مذهب من المذاهب الأربعة فهو خارجي جهيماني>.
وقال أيضًا: <هؤلاء الذين يقولون: الكتاب والسنَّة.. الكتاب والسنَّة.. هؤلاء خوارج، وسوف يخرجون بكرةً علينا في الحرم كما فعل جهيمان> !!
فيا لله العجب ! ويا سبحان الله ! هل سبق هذا الجاهل إلى هذا الجهالة سابق ؟ كلاَّ ـ والله ـ لم يسبقه إليها سابق، ولا أظنُّ أنَّه سيلحقه فيها لاحق، وإنَّما هذا قول مَن لا يدري ولا يدري أنَّه لا يدري، فهو الجاهل المركب، فينطبق عليه وعلى أمثاله:
قال حمار الحكيم توما
لأنَّني جاهل بسيط
لو أنصفوني لكنت أَركب
وصاحبي جاهل مركَّب

بل هذا قول صاحب الزيغ والهوى، والهلاك والردى. نعوذ بالله من ذلك.
أمَّا أهل العلم والفقه في الدين الموقعين عن ربِّ العالمين أئمَّة الهدى ومصابيح الدجى؛ فاسمع إلى جوابهم في ذلك:
فهذا سلطان المسلمين الأمير المعظم والعلامة المفخم: الإمام عبد العزيز ابن محمَّد بن سعود ـ رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته ـ، سُئِل عن: رجل عَبَدَ اللهَ على ظاهر دين الإسلام؛ يأتي بالواجبات، ويترك المقبَّحات، ولا يُقلِّد في دينه أحدًا من أرباب هذه المذاهب المشهورة، بل إن كان فيه أهلية النظر في أدلَّة الكتاب والسنَّة عمل بها، وإلاَّ سأل مَن وجد من العلماء؛ فهل هذا ناجٍ أم لا ؟
فأجاب ـ رحمه الله ـ بقوله: <الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. قال الله تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا( )، فأخبر الله ـ سبحانه ـ أنَّ مَن أطاع اللهَ ورسولَه من الأولين والآخرين فهو ناجٍ من العذاب، ويحصل جزيل الثواب، وهذا أمر مجمع عليه بين الأمَّة ـ ولله الحمد ـ، لا اختلاف فيه، لكنَّ الشأن في تحقيق ذلك، وتصديق القول بالعمل بما في كتاب الله وسنَّة رسوله ـ عليه من الله أفضل الصلاة والسلام ـ...>.
إلى أن قال ـ رحمه الله ـ: <إذا عرفتم ذلك، فنقول في جواب المسألة الكبرى: مَن عَبَدَ اللهَ وحده لا شريك له، فلم يستغث إلاَّ بالله، ولم يدع إلاَّ الله وحده، ولم يذبح إلاَّ لله وحده، ولم ينذر إلاَّ لله وحده، ولم يتوكَّل إلاَّ عليه، ويذبُّ عن دين الله، وعمل بما عرف من ذلك بقدر استطاعته فهو ناجٍ بلا شك، وإن لم يعرف هذه المذاهب المشهورة>( ).
فانظر إلى كلام هذا الإمام العادل، والسلطان العالم العامل، وإلى كلام هذا العاطل الباطل، المتهوِّك الجاهل، المنادي على نفسه بالزيغ في كلِّ المحافل، لترى النتيجة..
إن النتيجة هي: أنَّ الإمام عبد العزيز بن محمَّد بن سعود رحمه الله تعالى قد جعل سبب النجاة السبب الذي نصَّ الله عليه في كتابه، وهو: طاعة الله سبحانه وتعالى وطاعة رسوله ، حيث صدر الجواب بقوله تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا( ). ثمَّ قال: <فأخبر الله سبحانه أنَّ مَن أطاع اللهَ ورسولَه من الأولين والآخرين فهو ناج من العذاب، ويحصل جزيل الثواب، وهذا أمر مجمع عليه بين الأمَّة ـ ولله الحمد ـ، لا اختلاف فيه؛ وأنَّ مَن أخلص العبادة لله، وذبَّ عن دين الله، وعمل بما عرف من ذلك بقدر الاستطاعة؛ فهو ناج بلا شك، وإن لم يعرف هذه المذاهب المشهورة>.
قلت: فضلاً عن أن يكون مقلِّدًا لواحد منها. وصدق ـ رحمه الله تعالى ـ في ذلك، فنصُّ كتاب الله تعالى ناطق به، وهو غاية في الوضوح.
قال الشيخ العلامة الإمام عبد الرحمن بن حسن رحمه الله تعالى: <فمَن أراد النجاة: فعليه بالتمسك بالوحيين، الذَيْنِ هما حبل الله؛ ولْيَدَعْ عنه بُنَيَّاتِ الطريق، كما قال تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ( )، وقد مثَّل النبي  الصراطَ المستقيمَ وخطَّ خطوطًا عن يمينه وعن شماله، وقال: <هَذِهِ هِيَ السُّبُلُ، وَعَلَى كُلِّ سَبِيلٍ شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ> والحديث في <الصحيح>( ) وغيره عن عبد الله بن مسعود.
وكلُّ مَن زاغ عن الهدى، وعارض أدلة الكتاب والسنَّة بزخرف أهل الأهواء فهو شيطان> انتهى كلامه ـ رحمه الله ـ( ).
هذا هو كلام هذين الإمامين العالمين الجليلين وغيرهما من أهل العلم، بل هو نصُّ كلام الله تعالى، وعليه إجماع الأمَّة، لا اختلاف فيه بينهم ـ كما قال ذلك الإمام عبد العزيز بن محمَّد بن سعود ـ رحمه الله تعالى ـ.
بينما هذا العاطل، المتهوِّك الجاهل؛ يجعل سبب النجاة والعصمة من الهلاك في وجوب اتِّباع مَن يجوز عليه الخطأ، وترك متابعة مَن لا ينطق عن الهوى، بل ليته بذلك اكتفى، وعنده وقف وانتهى، لكنَّه بغى وطغى، وأدبر وتولَّى، وراح يتفوَّه بذمِّ أهل الهدى، السالكين سواء السبيل، والمتبِّعين للدليل، ويزعم أنَّ:
<اتباع الكتاب والسنَّة يهدي إلى مذهب الخوارج ومذهب جهيمان>.
فأيُّ خذلان بعد هذا الخذلان ؟ وأيُّ نُكْصَان بعد هذا النُّكْصَان ؟
فإنَّ الله تعالى يقول: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا( ).
وهذا المتهوِّك يعارض كلام الله ويعانده، ويجعل سبب الهلاك والشقاء هو اتِّباع كتاب الله وسنَّة رسوله ، فهل سمع العقلاء بزيغ مثل هذا الزيغ ؟ وجنون مثل هذا الجنون ؟ كلاَّ ـ والله ـ.
وصدق الله القائل: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ وَاللهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ( )، والقائل: فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى القُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ( ). فاللَّهمَّ سلِّم سلِّم: رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الوَهَّابُ( ).
<اللَّهمَّ يا مقلِّب القلوب ثَبِّتْ قلوبنا على دينك>.
نقل العلامة ابن القيم رحمه الله في <المفتاح>( ) عن محمَّد بن فضل الصوفي أنَّه قال: <ذهاب الإسلام على يَدِ أربعة أصناف:
صنف: لا يعملون بِما يعلمون.
وصنف: يعملون بِما لا يعلمون.
وصنف: لا يعلمون ولا يعملون.
وصنف: يَمْنَعون الناس من التعلم.
قلت ـ القائل هو ابن القيم ـ:
<الصنف الأول: مَن له علم بلا عمل. فهو أضرُّ شيء على العامَّة؛ فإنَّه حُجَّة لهم في كلِّ نقيصة ومنحسة.
والصنف الثاني: العابد الجاهل. فإنَّ الناس يحسنون الظنَّ به لعبادته وصلاحه؛ فيقتدون به على جهله.
وهذان الصنفان هم اللذان ذكرهما بعض السلف في قوله: <احذروا فتنة العالم الفاجر، والعابد الجاهل؛ فإنَّ فتنتهما فتنة لكلِّ مفتون>.
فإنَّ الناس إنَّما يقتدون بعلمائهم وعبَّادهم، فإذا كان العلماء فجرةً والعُبَّاد جهلةً عمَّت المصيبة بهما، وعظمت الفتنة على الخاصَّة والعامَّة.
الصنف الثالث: الذين لا علم لهم ولا عمل، وإنَّما هم كالأنعام السائمة.
الصنف الرابع: نُوَّابُ إبليس في الأرض. وهم الذين يُثبِّطون الناس عن طلب العلم والتفقُّه في الدين. فهؤلاء أضرَّ عليهم من شياطين الجنِّ، فإنَّهم يحولون بين القلوب، وبين هدى الله وطريقه.
فهؤلاء الأربعة الأصناف: هم الذين ذكرهم هذا العارف رحمه الله تعالى، وهؤلاء كلُّهم على شفا جُرُفٍ هَارٍ، وعلى سبيل هلكة، وما يلقى العالم الداعي إلى الله ورسوله ما يلقاه من الأذى والمحاربة إلاَّ على أيديهم، والله يستعمل مَن يشاء في سَخَطِه، كما يستعمل مَن يُحبُّ في مرضاته إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ( ). ولا ينكشف سرُّ هذه الطوائف وطريقتهم إلاَّ بالعلم؛ فعاد الخير بحذافيره إلى العلم وموجبه، والشر بحذافيره إلى الجهل وموجبه> انتهى كلام ابن القيم ـ رحمه الله ـ.
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن عن كلام ابن القيم هذا: <هذا من أنفع ما رأيت في تحقيق التوحيد والمتابعة، فيا سعادة مَن عَقَلَه، وصار على باله>( ).
قلت: فإذا كان مَن يُثبِّط الناس عن طلب العلم والتفقُّه في الدين من نُوَّاب إبليس في الأرض، وهو أضرَّ عليهم من شياطين الجنِّ؛ لأنَّه يحول بين القلوب وبين هدى الله وطريقه؛ فليت شعري ماذا يكون مَن يزعم أنَّ: <مَن اتَّبع الكتاب والسنَّة فهو خارجي جهيماني> !! لعلَّه هو إبليس نفسه، لكنَّه جاء في صورة إنسان.
فالله المستعان، وعليه التكلان، ونسأله بحوله وقوَّته أن يعيذنا وسائر إخواننا المسلمين من الشيطان.
وهل بعد هذا الصدِّ والتثبيط عن تعلُّم الكتاب والسنَّة ـ وهما هدى الله وطريقه ـ صدٌّ أو تثبيط ؟
لا والله، ليس بعد ذلك من الصدِّ مثقال حبَّة خردل.
وإذ قد سمعت أخي طالب العلم هذا المقالة الآثمة الظالمة من هذا الجاهل العاطل فهنا مسائل تطرح نفسها ـ كما يقال ـ، وهي:
س1/ هل يجب على الناس تقليد شخص مُعيَّن سواءً كان من الأئمَّة الأربعة أو غيرهم ؟
س2/ وهل الحق محصور في المذاهب الأربعة حتى يكون من ليس مقلِّدًا لواحد منها خارجًا عن السنَّة ؟
س3/ وما حكم التقليد ؟ وما هو المحرَّم منه ؟ وما الواجب ؟ وما السائغ ؟
س4/ وما الذي يجب على طالب العلم في هذا الباب ؟
وإليك الجواب عن كلِّ هذه المسائل، وبالله التوفيق.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
walid
مؤسس الموقع

walid


الاوسمة : المدير
عدد المساهمات : 1209
نقاط : 2278
السٌّمعَة : 3
تاريخ التسجيل : 12/12/2010
العمر : 37

الإقناع بما جاء عن أئمَّة الدعوة من الأقوال في الإتباع _ محمَّد بن هادي بن علي المدخلي Empty
مُساهمةموضوع: رد: الإقناع بما جاء عن أئمَّة الدعوة من الأقوال في الإتباع _ محمَّد بن هادي بن علي المدخلي   الإقناع بما جاء عن أئمَّة الدعوة من الأقوال في الإتباع _ محمَّد بن هادي بن علي المدخلي Icon_minitimeالسبت يوليو 23, 2011 12:23 pm

مشكور اخي على مساهمتك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://magra.ahlamontada.net
 
الإقناع بما جاء عن أئمَّة الدعوة من الأقوال في الإتباع _ محمَّد بن هادي بن علي المدخلي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» محاذير ومخالفات في الدعوة إلى الله عبر شبكة الإنترنت

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الحضنة للعلم والمعرفة :: المنتدى الاسلامي :: القرآن الكريم-
انتقل الى: