منتدى الحضنة للعلم والمعرفة
اهلا بك في منتدي الحضنة للعلم والمعرفة
منتدى الحضنة للعلم والمعرفة
اهلا بك في منتدي الحضنة للعلم والمعرفة
منتدى الحضنة للعلم والمعرفة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى الحضنة للعلم والمعرفة

free
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  تسجيل دخول الاعضاءتسجيل دخول الاعضاء  
 photo ss-6.gif
قرآن كريم
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
walid
قراءة جديدة لقصيدة أراك عصي الدمع ـــ د.ثائر زين الدين Vote_rcapقراءة جديدة لقصيدة أراك عصي الدمع ـــ د.ثائر زين الدين Voting_barقراءة جديدة لقصيدة أراك عصي الدمع ـــ د.ثائر زين الدين Vote_lcap 
aramnet
قراءة جديدة لقصيدة أراك عصي الدمع ـــ د.ثائر زين الدين Vote_rcapقراءة جديدة لقصيدة أراك عصي الدمع ـــ د.ثائر زين الدين Voting_barقراءة جديدة لقصيدة أراك عصي الدمع ـــ د.ثائر زين الدين Vote_lcap 
Soumonov ALLIA
قراءة جديدة لقصيدة أراك عصي الدمع ـــ د.ثائر زين الدين Vote_rcapقراءة جديدة لقصيدة أراك عصي الدمع ـــ د.ثائر زين الدين Voting_barقراءة جديدة لقصيدة أراك عصي الدمع ـــ د.ثائر زين الدين Vote_lcap 
malik yahya
قراءة جديدة لقصيدة أراك عصي الدمع ـــ د.ثائر زين الدين Vote_rcapقراءة جديدة لقصيدة أراك عصي الدمع ـــ د.ثائر زين الدين Voting_barقراءة جديدة لقصيدة أراك عصي الدمع ـــ د.ثائر زين الدين Vote_lcap 
issam boutaraa
قراءة جديدة لقصيدة أراك عصي الدمع ـــ د.ثائر زين الدين Vote_rcapقراءة جديدة لقصيدة أراك عصي الدمع ـــ د.ثائر زين الدين Voting_barقراءة جديدة لقصيدة أراك عصي الدمع ـــ د.ثائر زين الدين Vote_lcap 
zaki zidane
قراءة جديدة لقصيدة أراك عصي الدمع ـــ د.ثائر زين الدين Vote_rcapقراءة جديدة لقصيدة أراك عصي الدمع ـــ د.ثائر زين الدين Voting_barقراءة جديدة لقصيدة أراك عصي الدمع ـــ د.ثائر زين الدين Vote_lcap 
أمين المقراوي
قراءة جديدة لقصيدة أراك عصي الدمع ـــ د.ثائر زين الدين Vote_rcapقراءة جديدة لقصيدة أراك عصي الدمع ـــ د.ثائر زين الدين Voting_barقراءة جديدة لقصيدة أراك عصي الدمع ـــ د.ثائر زين الدين Vote_lcap 
laidm88
قراءة جديدة لقصيدة أراك عصي الدمع ـــ د.ثائر زين الدين Vote_rcapقراءة جديدة لقصيدة أراك عصي الدمع ـــ د.ثائر زين الدين Voting_barقراءة جديدة لقصيدة أراك عصي الدمع ـــ د.ثائر زين الدين Vote_lcap 
عبد الحميد بدار
قراءة جديدة لقصيدة أراك عصي الدمع ـــ د.ثائر زين الدين Vote_rcapقراءة جديدة لقصيدة أراك عصي الدمع ـــ د.ثائر زين الدين Voting_barقراءة جديدة لقصيدة أراك عصي الدمع ـــ د.ثائر زين الدين Vote_lcap 
azize el madrigal
قراءة جديدة لقصيدة أراك عصي الدمع ـــ د.ثائر زين الدين Vote_rcapقراءة جديدة لقصيدة أراك عصي الدمع ـــ د.ثائر زين الدين Voting_barقراءة جديدة لقصيدة أراك عصي الدمع ـــ د.ثائر زين الدين Vote_lcap 
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
تصويت
التبادل الاعلاني
المواضيع الأكثر نشاطاً
مكتبة الجرائد الجزائرية
Adobe Premiere Pro 2.0 Portable برابط ميديافاير يعدعم الاستكمال mediafire
تحميل برنامج Avira Internet Security 2012 12.0.0.860
تحميل كتاب مذكرات taher zbiri هنا(نصف قرن من الكفاح)
طريقة صنع كحل جدتي وأمي
الله يهدينا على الفيس بوك واش دار فينا
لغز من يحله؟
مذكرات سنة اولى ابتدائي
يا ليت الزمن يعود الى الوراء
اقسم بالله انك ستلبسين الحجاب
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 4 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 4 زائر

لا أحد

أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 63 بتاريخ السبت يوليو 20, 2019 5:35 am
مايو 2024
الإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبتالأحد
  12345
6789101112
13141516171819
20212223242526
2728293031  
اليوميةاليومية

 

 قراءة جديدة لقصيدة أراك عصي الدمع ـــ د.ثائر زين الدين

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
Soumonov ALLIA
عضو برونزي




الاوسمة : وسام التميز
عدد المساهمات : 425
نقاط : 791
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 05/09/2011
العمر : 37

قراءة جديدة لقصيدة أراك عصي الدمع ـــ د.ثائر زين الدين Empty
مُساهمةموضوع: قراءة جديدة لقصيدة أراك عصي الدمع ـــ د.ثائر زين الدين   قراءة جديدة لقصيدة أراك عصي الدمع ـــ د.ثائر زين الدين Icon_minitimeالثلاثاء يونيو 12, 2012 7:33 pm

بسم الله الرحمان الرحيم
السلام عليكم

إحدى أهم ميزات الشعر العظيم هو ثباته أمام اختبار الزمن، هذا الثبات الذي لا يتأتى من حفظه في الكتب، أو أرشفته في الأراشيف المختلفة، وأرقاها اليوم ذاكرة الحواسيب بل من قابليته للقراءات المتجددة، فإذا بالمتلقي -وفي كل فترة زمنية- كالغواص الذي لا بد من أن يخرج بالدرر واللآليء مع كل "غطسة" في جوف البحر.
وروميات أبي فراس الحمداني من هذا النوع، والروميات أو الأسريّات هي تلك القصائد التي كتبها الشاعر خلال أسره في بلاد الروم وأرسلها إلى ابن عمه سيف الدولة ووالدته وإخوانه. والحارث بن سعيد بن حمدان المكنّى بأبي فراس، شاعر بني حمدان وفارسهم وقد كان مولده في الموصل في العام 320هـ -932م.
واغتيل أبوه وهو ابن ثلاثة أعوام، وكيفية ذلك أن حمدان جد الشاعر أراد أن يقتطع لنفسه ولعشيرته بعضاً من مقاطعات الدولة العباسية التي دبّ فيها الضعف لكن المنية عاجلته قبل ذلك فقام ابنه عبد الله (والد سيف الدولة) بتحقيق ذلك فاقتطع الموصل وأورثها لابنه الحسن ناصر الدولة، مما أوغر صدر سعيد والد أبي فراس، وهو يرى أنه أحق بالإمارة، فسعى مع الخليفة العباسي الراضي بالله لأجل توليه الموصل وديار ربيعة، فما كان من ابن أخيه ناصر الدولة إلا أن قتله.
وحين آلت مقاليد الدولة الحمدانية إلى سيف الدولة أحاط ابن عمه اليتيم بالعطف والعناية، حتى أنساه شبح الجريمة، وقد عبّر أبو فراس عن ذلك مراراً:
هيهات لا أجحد النعماء منعمها خلقت يا ابن أبي الهيجاء في أبي
أو نراه يقول:
أراني كيف أكتسبُ المعالي وأعطاني على الدهر الذماما
وربّاني ففقتُ به البرايا وأنشأني فسدتُ بهِ الأناما
وقد حظي أبو فراس في بلاط ابن عمه بثقافة حسنة ودربة على أساليب الفروسية، ثم ولاه على منبج وحران وأعمالها، فكان على الشاعر أن يصد غارات القبائل البدوية من جهة، وأن يتابع عن كثب تحركات الروم، وقد تمكن الشاعر من تأديب الكثير من القبائل التي وجهه سيف الدولة إليها كبني قريع وقشير والمهنا وبكر وكعب وعامر وغيرها وخلد ذلك في شعره، أسره الروم مرة أو اثنتين، وكان أسره الأول سنة 348هـ وله من العمر 28عاماً، في مكان يسمى مغارة الكحل ونقل على الأرجح إلى حصن خرشنة على شاطئ الفرات قرب ملطية حيث يقول في ذلك:
إن زرتُ خرشنةً أسيرا فلقد حللتُ بها مُغيرا
ولقد رأيتُ النارَ تلتهبُ المنازلَ والقصورا
وإن كان أبو فراس قد وفّق فعلاً إلى الهرب من خرشنة بتلك الصورة الرائعة، التي لا بد أن الخيال الشعبي العربي قد رسمها(1)، فسيكون قد أُسر مرة ثانية، وإلا فإنه قد أُسر مرة واحدة، ونُقل بعد حصن خرشنة إلى بيزنطة والذي يعنينا من كل ذلك هي تلك القصائد الرائعة التي كتبها الشاعر في بلاد الروم، حاملة كل ما يتحلى به صاحبها من شجاعة وعزة نفس وإباء وصبر وحنان.
"ولا بد من القول إن لأسره يداً على خلوده، وعلى الأدب معاً، فلولا رومياتة لما كان له في سائر شعره ما يتميز به من الشعراء العاديين، ولولا أسره وشقاؤه لما جرى طبعه بهذه القصائد الرائعة، فجاء بها ذوب العاطفة المتألمة وعصارة النفس الكليم، فكتب اسمه في سفر الخلود"(2).
ولعلي لا أجانب الحقيقة لو قلت إن أبا فراس استطاع أن يُدخلَ على الأدب العربي لوناً جديداً من ألوانهِ، هو فن الرسائل، حيث كان يوجهها إلى ابن عمه ووالدته وإخوانه، زاخرةٌ بما يحدث له من حوادث، وما يعانيه في أسره من ألم، وما يطفح به فؤاده من شوق ولوعة وحنين إلى مرابع الحرية والعز والأمجاد.
لقد كانت هذه الرسائل أشبه بيوميات أسير، يحلم كل يوم بالحرية ويطلب إلى ابن عمه أن يعجِّل بافتدائه وابن العم يتباطأ، ولقد ذهب الدارسون مذاهب شتى في تبيان أسباب تقاعس الأمير، فمنهم من التمس العذر له لأن تلك الأيام (كانت أحلك أيام حكمه ابتداء من سنة 351هجرية وما بعدها حين تمكن الروم من أخذ زمام المبادرة في الحرب واستطاعوا بقيادة (الدُمستُق نقفور)، أن يكتسحوا المقاطعات الشمالية لمملكة الحمدانين، ثم سقطت حلب نفسها في 22 كانون الأول سنة 962م، وصِيح في حجرات قصر سيف الدولة نهبا وسلبا وحرقا وتراجع الأمير إلى ميافارقين على الفرات.. وعندما أتيح لسيف الدولة أن يتنفس الصعداء بعض الشيء بادر إلى افتداء أبي فراس الحمداني مع رفاقه”(3). بينما رأى آخرون أن السبب هو خشية سيف الدولة من طموح أبي فراس، على ولي عهده وابنه أبي المعالي(4) -وأراني أميل لهذا الرأي- هذه الخشية التي كان يضمرها الكثيرون من بني حمدان، ومنهم ناصر الدولة، كلما رأوا إلى الفارس الشاب يبرز في ميادين السياسة والأدب(5)، ولقد عبر الشاعر نفسه عن ذلك في غير مكان، كقوله مخاطباً قومه:
تمنيتُمُ أن تفقدوني وإنما تمنيتموا أن تفقدوا العز أصيدا
أو كقوله في مخاطبة سيف الدولة:
قد كنتَ عدتَي التي أسطو بها ويدي إذا اشتد الزمانُ، وساعدي
فرميتُ منكَ بغير ما أملتُهُ والمرءُ يشرقُ بالزلال الباردِ
فصبرت كالولد التقى لبره أُغضي على ألم لضرب الوالدِ
تضمنت الروميات التي بلغت 45قصيدة مختلف الفنون الشعرية المعروفة آنذاك، كالنسيب والرثاء ومديح سيف الدولة، لكن قسمها الأكبر يقوم على الشكوى والعتاب والفخر بالذات والقبيلة، وطلب الفداء دون تذلل أو تصاغر، وقصيدة أبي فراس (أراك عصي الدمع شيمتك الصبر)- والتي أود الوقوف عندها- واحدة من أهم رومياته وقبل أن أدخل إلى رحاب هذه القصيدة لا بد لي أن أقتبس بضعة أسطر من مذكرات شاعر ألماني معاصر، هو رينر ماريا ريلكة، يقول فيها: "ما الأشعار، كما يتخيل الناس، مشاعر ليس غير، إنها تجارب، وابتغاء أن ينظم المرء قصيدة واحدة يحتاج أن يرى مدناً كثيرة، وأناساً كثيرين، وأشياء كثيرة، يحتاج إلى أن يتعرف إلى الحيوانات، وطيران الطيور، والإيماءات التي تلوح بها الأزهار الصغيرة وهي تتفتح عند الصباح".
يحتاج الإنسان أن يكون قادراً على العودة في فكره إلى طرق في أصقاع مجهولة، وإلى لقاءات مفاجئة، وإلى توديعات حدس بها قبل وقوعها بوقت، إلى أيام الطفولة التي تظل مبهمة، إلى الوالدين...".
ويسهب ريلكه في ذكر الأشياء التي على الشاعر أن يكون قد امتلكها حتى يقول: "ينبغي أن يكون ثمة ذكريات لليال كثيرة من ليالي العشق، وكل ذكرى مباينة للأخرى، ذكريات صرخات النساء في المخاض، على الإنسان أيضاً أن يكون قريباً من الموت، عليه أن يجلس بجانب الميت في حجرة ذات نوافذ مفتوحة وضجيج متقطع، ولا يزال ذلك غير كاف لامتلاك الذكريات، عليه أن يكون قادراً على تناسيها حين تكون كثيرة، وعليه أن يصبر كثيرا لانتظار حضورها ثانية، فالذكريات نفسها هي تلك المادة. وحين تستحيل دما يسري في جملة النسغ وحين تستحيل إيماضة وإيماءة لا اسم لها، ولا قدرة على تميزها عن ذواتنا حينئذ فحسب، قد يحدث في ساعة نادرة أن تنبثق في غمرة هذه الذكريات الكلمة الأولى من قصيدة(6)".
فما قول رينر ماريا ريلكه لو أضفنا لكل ما حدده أعلاه معاناة الأسر لسبع سنوات، بما فيها من عمل شاق، وأصفاد وإذلال، بما فيها من انتظار عبثي للحرية، وتسقط أخبار أم عجوز تنتظر ولدها بفارغ الصبر وتسأل عنه الركبان، بما فيها من شماتة الشامتين، وتنكر الأهل والأقرباء وفرح الأعداء..
لقد اجتمع لأبي فراس كل ذلك مع نفس أبيه رقيقة شديدة الحساسية، وفيه حتى لمن خانها.
على ضوء ما سبق ندخل رحاب (أراك عصي الدمع)، تلك القصيدة التي كتبها الشاعر بعد مضي زمن طويل عليه في الأسر، أوشك خلاله على الاستسلام لقضائه، أما الشرارة التي فجرت ينبوع هذه القصيدة، فهي تلك العبارة التي قالها الروم: "ما أسرنا أحدا لم نسلب ثيابه وسلاحه غير أبي فراس". تقع القصيدة في أربع وخمسين بيتاً، أفرد سبعاً وعشرين منها للحديث عن معشوقته الغادرة، ومثلها ضمنها قصة أسره، ومناقبه وخصاله ورؤيته لأشياء كثيرة: منها الغنى والموت وغيرها.
ولقد أجمع معظم من مر بهذه القصيدة من الدارسين أن أبا فراس، وفق فيها إلى نظم الأبيات الرقيقة المستظرفة(7)، وأنه أبدع فيها من حيث الصور والتلاوين والنفس الشعري العالي، مظهراً شوقه ولوعته للمحبوب بتستر (8،9) وإن كان قد طغى رأي أعتبر مقدمة القصيدة استهلالاً بالغزل على طريقة القدماء،
فالشاعر لم يقصد الغزل لذاته، بقدر ما اتخذ منه مطيةً إلى موضوعه.
على أنك قد تجد دارساً تناول القصيدة بمنظار آخر، فوفق إلى رؤية مختلفة مفادها أن "هذه القصيدة ليست غزلاً محضاً، ولا هي فخر محض: إنها سورة ذكريات تبريرية لنفس عالقة على مشارف مجد مفقود، وسعادة مأسورة، وما الحسناء التي يحاورها الشاعر متغزلاً، سوى رمز من رموز تشامخه، وفتوته ومعايشته للجمال الأميري، أيام كان فتى طليق الجناحين، يثير حوله إعجاب الرجال والنساء على السواء.."(10).
ولا أخفي أنني فرحت حين وقعت على هذا الرأي، لأنه لامس شيئاً من هواجسي التي ما برحت تدور في خاطري كلما قرأت هذه القصيدة، أو سمعت بعضها بصوت أم كلثوم، فأنا أشارك صاحب هذا الرأي رأيه، في أن الحسناء التي يحاورها الشاعر ليست سوى رمز، وإن كنت أراها رمزاً لشيء آخر، وسأبين ذلك.
لعل من الخطأ البالغ تقسيم القصيدة إلى جزأين أو أكثر تبعاً للأفكار والأغراض التي تناولتها، إلا بهدف الدراسة، وذلك لأن أجزاء القصيدة جاءت منسجمة كل الانسجام، ونمت وتطورت بعضها من بعض، بحيث أفضى كل بيت إلى تاليه. وسيحس قارئ هذه القصيدة أن هناك اتصالاً نفسياً عميقاً بين المقطع الأول (الأبيات من 1 حتى 27) والمقطع الثاني (الأبيان من 28 حتى 54)، حيث استطاع المقطع الأول أن يكون مفتاحاً للحالة النفسية الغالبة على هذه الرومية.
-الشاعر ومحبوبته المتعنتة:
1-أراك عصي الدمع، شيمتك الصبر أما للهوى نهي عليك ولا أمرُ؟(11)
2-بلى، أنا مشتاق، وعندي لوعة ولكن مثلي لا يذاع له سر
3-إذا الليل أضواني بسطت يد الهوى وأذللت دمعا من خلائقه الكبر
4-تكاد تضيء النار، بين جوانحي إذا هي أذكتها الصبابة والفكر
5-معللتي بالوصل والموت دونه إذا مت ظمانا، فلا نزل القطر
6-حفظتُ وضيعتِ المودة بيننا وأحسنُ من بعض الوفا ذلك الغدر
7-وما هذه الأيام إلا صحائف لأحرفها، من كف كاتبها، بشر
8-بنفسي، من الغادرين في الحي غادة هواي لها ذنب، وبهجتها عذر
9-تروغُ إلى الواشين فيَّ، وإن لي لأذناً بها، عن كل واشيةٍ، وقرُ
10-بَدوتُ وأهلي حاضرونَ، لأنني أرى أن داراً، لستِ من أهلها، قفرُ
11-وحاربتُ قومي في هواك، وإنهم وإياي، لولا حبك، الماء والخمر
12-فإذا كان ما قال الوشاة ولم يكن فقد يهدم الإيمان ما شيد الكفر
13-وفيت -وفي بعض الوفاء مذلة- لآنسة في الحي شيمتها الغدر
14-وقورٌ وريعان الصبا يستفزها فتأرن، أحيانا، كما يأرن المهر؟
15-تسائلني: من أنت؟ وهي عليمة! وهل بفتى مثلي على حاله نكر؟
16-فقلت -كما شاءَتْ، وشاءَ لها الهوى- قتيلُكِ، قالت: أيهم؟ فهم كثُر
17-فقلت لها: لو شئت لم تتعنتي ولم تسألي عني وعندك بي خبر
18-فقالت: لقد أزرى بكَ الدهرُ بعدَنا! فقلت: معاذ الله! بل أنتِ لا الدهرُ
19-وما كان للأحزان -لولاك- مسلك إلى القلب، لكن الهوى للبلى جسر
20-وتهملك بين الهزل والجد مهجة إذا ما عداها البين عذبها الهجر
21-فأيقنت أن لا عز بعدي لعاشق وأن يدي مما علقت به صفر
22-وقلبت أمري لا أرى لي راحة إذا البين أنساني ألح بي الهجر
23-فعدت إلى حكم الزمان وحكمها لها الذنب لا تُجزى به ولي العذر
24-كأني أنادي دون ميثاء، ظبية على شرف، ظمياء، حلأها الذعر
25-تجفَّل حينا، ثم تدنو كأنما تنادي طلا بالواد، أعجزه الحضر
26-فلا تنكريني -يا بنة العم! إنه ليعرف من أنكرته البدو والحضر
27-ولا تنكريني إنني غير منكر إذا زلت الأقدام، واستنزل النصر
من المعروف أن أبا فراس لم يقصر غزلَهُ على امرأة معينة، فقد ذكر عمرة وأم عمرو فقط، ولعله أخفى أسماء الأخريات من أميرات عربيات وغيرهن، وما يذكره الشاعر علي الجارم في قصته الطريفة "فارس بني حمدان"، من أن هذه القصيدة موجهة لزوجه نجلاء (12)، ما هو إلا خيال قاص بهي يملأ الثغرات التي تركتها كتب التاريخ والأدب على هواه.
وسواء كانت هناك امرأة حقيقية خلف هذه القصيدة أولاّ، فالأمر لا يغير شيئاً من وجهة نظري، بل لعل أبا فراس حين بدأ قصيدته كان يتحدث عن امرأة ما، أو كان خيال امرأة معينة يخفق أمام ناظريه، وهذا ما تشعر به عند قراءة الأبيات الأربعة الأولى، لكن لا شعوره ما يلبث يتسللُ شيئاً فشيئاً ليُلبِسَ هذه المرأةَ كثيراً من صفاتِ وخصالٍ عشيرةِ الشاعر وأقربائِه، وعلى رأسهم سيف الدولة ذاته، فكم حفظَ ودّهُم، وكم كان وفياً لهم وقابلوه بغدرهم وجحودهم (البيت السادس)، وسيراكم الشاعر على صفة الغدر عند هذه المرأة، مقدماً ذلك بصياغات مختلفة (البيتان الثامن والتاسع)، وكأني به يريدُ أن يفرّغَ كل ما بداخله من أسى وحنق على عشيرته التي أنكرت وفاءه وماله أياد بيضاء عليها، من خلال هذه المرأة الغادرة، وسيبدو
ما ذكرتُهُ منطقياً حين نتذكر أن أبا فراس خاطبَ سيفَ الدولةِ، بما يشبه ذلك، وفي أكثر من مكان وقد جاء بعضه بلبوس الغزل، حتى تظن أن الشاعر يخاطب محبوبَةً، وإن جاء الخطاب بصيغة المذكر:
وكم لكَ عندي من غَدْرَةٍ وقولٍ تكذبه بالفعالْ
ووعدٍ يعذَبُ فيه الكريمُ إما بخلفٍ، وإما مطالْ
صبرنا لسخطكَ صبرَ الكرامِ فهذا رضاكَ، فهل من نوالْ
وذقنا مرارةَ كأسِ الصدودِ فأين حلاوةُ كأسِ الوصالْ
بعد ذلك يقدم لنا الشاعرُ حبيبتَهُ الغريبة وهي تلح في إنكاره وتجاهله منذ سؤالها المؤلم: "من أنت؟" وصولاً إلى قولها: "لقد أزرى بك الدهر بعدنا"، ولو لاحظنا مدى التهكم والإذلال في سؤالها السابق، بالنسبة لأمير وفارس وشاعر ذاع حديثه في البلاد، كأبي فراس لأدركنا مدى الغصة التي يحملها قلبُ الشاعر لحظةَ كتابة القصيدة، والتي تبلغ ذروتها عندما تخاطبه قائلةً: "لقد أزرى بك الدهر بعدنا"، بمعنى: حقرك وهونك وقصر بك فيجيبها الشاعر: "ليس الدهر من فعل بي ذلك، بل أنتِ"، فهل يسمح فتى كأبي فراس لامرأةٍ -مهما كانت- أن تحقّرهُ وتذلّه، أعتقد أن الجواب: (لا) وهذا ليس جوابي أنا بل جواب الشاعر نفسه في معظم ما عرفناه من غزله، ذلك الغزل العصي على التذلّل أو التصاغر أمام المحبوب، الطافح بالكبر والأنفة، إنه جواب شاعرٍ اعتاد في كثير من الأحيان، أن تكون شكواه من غير الحب، ولكنه يستخدم الحبّ وسيلة لبث همومه:
واللهِ ما شببتُ إلا عُلالةً ومن نار غير الحبِّ قلبي يضرمُ
ألم يعتد الشاعر العربي القديم أن يعبر "عن الشقاق والخلاف، والسلم والحرب، والقطيعة والوصل بالغزل(13)؟ ألم يفلح الشاعر الجاهلي -مثلاً- بتقديم رؤيته للزمان وتقلباته وغدره من خلال قصة امرأة يشبب بها(14)؟
أما عرفنا شاعراً إسلامياً يبدأ قصيدته بمطلع عاطفي، على غرار القصيدة الجاهلية لكننا نحسُ فيه -شأنُهُ شأنُ المطالع الجاهليةِ لكبارِ الشعراء- أن وراءَ التعبيرِ المباشرِ عن همومِ الشاعرِ من الحبِ، رمزاً خفياً لهم يتصل بطبيعة الموضوع الذي يصوره فيما بعد"(15).
وفي حالتنا هذه أليس من المرجّح أن يخاطب الشاعرُ سيفَ الدولةِ من خلالِ هذه المرأة الغادرة الناكرة لفضائله وجمائله؟ وهل أزرى بهذا الفارس -من وجهة نظره- إلا تباطؤ سيف الدولة وتقاعسه عن افتدائه؟ وسندرك مدى عمق جرح الشاعر، حين نرى إلى إصراره على دفع تهمة النكر والخمول عن نفسه مخصصاً لذلك ستة أبيات هي (15-16-17-18-26-27)، ومن اللافت للانتباه أن الشاعر يكثر من الحديث في هذا الموضوع معرّضاً بنكران ابن عمه له، أو نكران وده في قصائد كثيرة، فها هو يقول:
تنكَّرَ سيفُ الدينِ لما عتبتُهُ وعرَّضَ بي تحتَ الكلام وقرّعا
فقولا له: يا صادقَ الودِ إنني جعلتُكَ ممَ رابني منك مفزعا
وفي مكان آخر:
بني عمنا ما يصنع السيف في الوغى إذا فل منه مضرب وذبابُ
بني عمنا لا تنكروا الود، إننا شداد على مر الهوان صلابُ
أمن بعد بذل النفس فيما يريدُهُ أثابُ بمرِّ العَتْبِ حينَ أثابُ
والحقيقة إن إصرار الشاعر -في القصيدة موضوع البحث- على دفع تلك الصفة الشائنة عن نفسه يذكرنا بالحكاية التي رواها الثعالبي، وذكرها ابن خالويه، ومفادها أن أبا فراس "كتب يقول إلى سيف الدولة: مفاداتي أن تعذرت عليك، فأذن لي في مكاتبة أهل خراسان أو مراسلتهم ليفادوني، وينوبوا عنك في أمري. فأجابه سيف الدولة: ومن يعرفك بخراسان. فآلمت الشاعر نسبته إلى الخمول، فكتب إليه بقصيدة يقول فيها:
فلا تنسبنَّ إليَ الخمولَ عليكَ أقمتُ فلمْ أغتربْ
وأصبحتُ منكَ فإن كانَ فضلٌ وإن كانَ نقصٌ فأنتَ السببْ
وإن خراسانَ إن أنكرتْ عُلايَ، فقد عرفتها حلبْ
ومن أينَ ينكرني الأبعدونَ أمن نقصِ جدٍ، أمن نقصِ أبْ؟(16)"
فهل سبقت هذه الحادثة كتابة القصيدة، فاختزنها قلبه المرهف الرقيق، وسكبها لا شعوره في ثنايا هذه
الرائية الشهيرة، جاعلاً من حسنائه الجميلة قناعاً يخفي بعض مواقف وخصال سيف الدولة؟ أم أنه حدس الشعراء الذين يقبضون بالشعر على خيوطِ المستقبل؟ الحقيقة أنني لا أملك الإجابة الحازمة، وإن كنت أرجح الاحتمال الأول. والذي يشجعني على هذا الرأي ويدعمه -إضافة للأسباب السابقة- هو غياب أي ذكر صريح لسيف الدولة، أو توجه إليه بالخطاب، بل غياب طلب الفداء تماماً، حتى تلك الإشارات المباشرة وغير المباشرة التي حفلت بها رومياته، والتي كان يتركها هنا وهناك في أشطر أبياته مذكراً بأغلاله ونسيانه خلف القضبان، كما فعل في البيت الأخير من مرثيتهِ في أخت الأمير الكبرى:
هذا الأسير المُبقّى لا فداءَ له يفديكَ بالنفسِ والأهلين والولدِ
نجدها قد اختفت بالقصيدة.
ولو عدنا إلى صيغة الخطاب في البيتين (26-27) حين يصف المرأة بابنة العم- والتي لا يعول عليها كثيراً في غير هذا الموضع، لأنها عند العرب قد لا تعني حقيقةً أن المخاطبةَ أو المخاطبَ من أبناءِ العم الحقيقيين -وربطناها بما نسبه الشاعر لسيف الدولة من تنكر لوده وإنكار لأياديه البيضاء على سلطانه في مواضع أخرى، لوجدناها على غاية من الأهمية في إثبات ما ذهبتُ إليه.
وبالتالي أستطيع القول: إن ذلك الخطاب الموجه إلى تلك المرأة المجهولة، والذي استغرق من الشاعر أكثر من نصف أبيات قصيدته، وامتصَ منهُ فورَةَ انفعالهِ، بما فيها من غضب وعتاب وأسى، تاركاً جزءاً من هذا الفوران النفسي لفخر الشاعر، لم يكن في حقيقة الأمر إلا خطاباً موجهاً لصورة أخرى تقبع خلف
وجه المرأة، (والتي لا نرى من صفاتها الأنثوية شيئاً) سواء أدرك أبو فراس ذلك، أم لم يدرك. حتى تلك الأبيات التي تبدو للوهلة الأولى غزلاً محضاً"، نستطيع أن نقرأها بطريقة أخرى، حين نغوص إلى أغوار أبعادها النفسية، أليست أفضل القراءات هي تلك التي يحسن القارئ فيها الظن بموهبة الشاعر ووحيه، فحين يقولُ مثلاً:
معللتي بالوصل، والموت دونه إذا مت ظمآنا فلا نزل القطر
لا أستطيع أن أفهم من هذا البيت أن المقصودَ مجردُ الوصالِ المعروفِ بين عاشقين، وأن وصال الحبيبة صعب المرام ما دامت ممن تتلاعب بهن أقوال الوشاة(17)، مما يدفع الشاعر إلى مثل ذلك التمني الجائر، ولكنني أفهم أن هذا التعلل بالوصال، ما هو إلا الوعد بافتداء الشاعر الأسير، ويصبح الوصال معادلاً للحرية التي يترقبها، ثم يرى أنها مجرد مطالٍ سيسبقه الموت، فيهدر بتلك الرغبة الغريبة "إذا مت ظمآنا فلا نزل القطر" التي تلقفها البعض فرأوا أنها تمثل أنانية أرستقراطية، وربما كرها للآخرين بعد أن عزلوها عن ظرفها الموضوعي، متناسين كل أبيات الشاعر السابقة واللاحقة حين يتألق فيها مدافعاً عن قومه يحميهم ويدفع المال والروح فداء لهم في الخطوب غير آبه بإساءاتهم وحقد عصبة منهم:
وإن حاربوا كنتُ المجنَّ أمامهم وإن ضاربوا كنتُ المهندّ واليدا
وإن نابَ خطبٌ أو ألّمت ملمةٌ جعلتُ لهم نفسي وما ملكت فِدا
أوليسَ هو القائل:
ومن مذهبي حبُّ الديار لأهلها وللناسِ فيما يعشقونَ مذاهبُ
وأشعارهُ ومواقفهُ التي تنفي أنانيتهُ كثيرة.
وسيحسنُ أبو فراس الانتقال من فكرةٍ إلى أخرى ضمن وحدة نفسيّة تنظم النص بأسره، وسيقدمُ من خلالِ رده على (ابنة العم) التي تنكرهُ، وعرضهِ لخصالهِ ومناقبهِ "منظومة كاملةً من القيم التي ظلت سائدة على مدى عصور الازدهار العربي"(18).
-شجاعة الشاعر وإقدامه:
28-وإني لجرار لكل كتيبة معودة أن لا يخل بها النصر
29-وإني لنزال بكل مخوفة كثير إلى نزالها النظر الشزر
30-فأظمأ حتى ترتوي البيض والقنا وأسغب حتى يشبع الذئب والنسر
31-ولا أصبح الحي الخلوف بغارة ولا الجيش ما لم تأته، قبلي النذر
32-ويا رب دار، لم تخفني، منيعة طلعت عليها بالردى، أنا والفجر
33-وحي رددت الخيل حتى ملكته هزيماً، وردتني البراقعُ والخمر
على رأس تلك القيم التي ذكرتها: الشجاعة والإقدام، والشاعر لا يفخر بها كونها سائدة، بل لأنه تحلى بها فعلاً حتى نكاد نجد في سيرته الذاتية شاهداً على كل فكرة تحملها هذه القصيدة، ولعل هذا الأمر هو الذي أنقذ تلك المعاني المكرورة، فلشدة إحساس الشاعر بها منحها صياغة جديدة خاصة به وحده. وأبو فراس إلى شجاعته تلك لا يقبل الغدر، إنه ينذر أعداءه بغاراته ولا يأخذهم على حين غرة (البيت 31)، حتى إذا تحقق له النصر كان نبيلاً عفيفاً ترده "البراقع والخمر" فإذا استجارت به نساء المغلوبين وهب لهن المال الذي غنمه.
-عفة الشاعر وكرمه:
34-وساحبة الأذيال نحوي لقيتها فلم يلقها جهم اللقاء، ولا وعر
35-وهبت لها ما حازه الجيش كله ورحت ولم يكشف لأثوابها ستر
36-ولا راح يطغيني بأثوابه الغنى ولا بات يثنيني عن الكرم الفقر
37-وما حاجتي بالمال أبغي وفوره إذا لم أَفِرْ عرضي فلا وَفَرَ الوفْرُ
لقد أعادتني هذه الأبيات إلى تلك المعركة بين الشاعر وبين بني زرارة، ولا شك عندي أن أبا فراس عندما بدأ ينظمها كان يستعيد أحداث تلك الوقعة، يوم خرج على رأس جنده مُغيراً على فرسان بني زرارة الذين تعرضوا لبعض نواحي الشام، فهزمهم وأسر بعضهم، وغنم أموالهم، فخرجت عليه امرأة تدعى أم بسام في مجموعة من نساء القبيلة، تناشده الرأفة بالقوم، فوهب لها "ما حازَهُ الجيش كله"، بل أطلق أسرى القبيلة ومما قاله يوم ذلك:
... بالمرج إذ أم بسام تناشدني بنات عمك يا حار بن حمدان
فبت أثني صدور الخيل ساهمة بكل مضطغن بالحقد ملآن
ونحن قوم، إذا عدنا بسيئة على العشيرة، أعقبنا بإحسان
وإن كانت هذه شيمة الشاعر، فهل سيكون من البخلاء الذين يكنزون الذهب والفضة فيبخلون به على أنفسهم وإخوانهم ويجنون العار والسبة؟!
-قصة أسره:
الحقيقة أن فروسية الشاعر -بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى- هي التي كانت وراء أسره، ألم يكن هناك خيار آخر أقتُرِحَ عليهِ فأباه مصمماً على لقاء الموت في قلةٍ من صحبهِ:
38-أُسرتُ وما صحبي بعزل لدى الوغى ولا فرسي مهر، ولا ربه غمْرُ
39-ولكن إذا حمّ القضاء على امرئٍ فليس له بر يقيه ولا بحر
40-وقال أصيحابي الفرار أم الردى فقلت هما أمران أحلاهما مر
41-ولكنني أمضي لما لا يعيبني وحسبك من أمرين خيرهما الأسر
42-يقولون لي: بعت السلامة بالردى فقلت: أما ولله، ما نالني خسر
ويظهر في هذا المقطع إيمان الشاعر بالقضاء والقدر، فهو لا يذهب بعيداً في تحليل سبب وقوعه في الأسر، لكنه يعلل ذلك بسطوة القضاء الذي لا راد له، حتى ولو كان المرءُ فارساً خبيراً في شؤون الحرب وذا فرس اعتادت الكر والفر، وها هو الفتى الحمداني "يبيع السلامة بالردى" ويكون رابحاً، فما دام الموت حاضراً في كل شيء، وفي كل لحظة حول الإنسان، فلمَ لا يختار ميتة كريمة، رافضاً أن يدفع "الردى بمذلة" كما فعل ذات يوم عمرو بن العاص، حين أكره على مبارزة علي بن أبي طالب:
43-وهل يتجافى عني الموت ساعة إذا ما تجافى عني الأسر، والضر
44-هو الموت فاختر ما علا لك ذكره فلم يمت الإنسان ما حيي الذكر
45-ولا خير في دفع الردى بمذلة كما ردها يوماً، بسوءته عمرو
وعلى الروم بعد الآن أن لا يتباهوا بكرمهم مع الأسير، حين لم يسلبوا سلاحه ولم يترعوا ثيابه، فثيابه التي يتباهى بها -والتي ليست لهم أن ينزعوها- هي دماؤهم التي سفحها فغطت جسده، وسلاحه: هو سيفه الذي انغرس في أجساد أبطالهم، ورمحه الذي حطم صدورَهم، فأية حكمة أو فائدة من سلب هذه الأشياء الآن؟
46-يمنون أن خلوا ثيابي وإنما علي ثياب من دمائهم، حمر
47-وقائم سيف فيهم اندق نصله وأعقاب رمح، فيهم حطم الصدر
وبعد أن يفرغ الشاعر من قصة أسره التي كان للقدر اليد الطولى فيها، وتوشك القصيدة على الانتهاء يذكّر قومه بأن فقدهم فادح، ومصيبتهم عظيمة:
48-سيذكرني قومي، إذا جدَّ جدُّهم وفي الليلة الظلماء يفتقد البدرُ
49-فإن عشت فالطعن الذي يعرفونه وتلك القنا، والبيض، والضمّر والشقرُ
50-وإن مت فالإنسان لا بد ميتٌ وإن طالت الأيام، وانفسح العمرُ
51-ولو سد غيري ما سددت اكتفوا به وما كان يغلو التبر، لو نفق الصُّفرُ
وحين نعلم أن عجز البيت الأول لعنترة الذي قال يوماً:
سيذكرني قومي إذا الخيل أقبلت وفي الليلة الظلماء يفتقد البدرُ(19)
سنتساءل لماذا أختار الشاعر هذا الشطر ولعنترة تحديداً؟ وسيكونُ من قبيل السذاجة أن نجيب إن هذا العجز جاء مناسباً للمعنى الذي يريده الشاعر، وعلى وزن قصيدته وقافيتها، لأن حفظةَ الشعر يعلمون أن هناك عشرات الأبيات البديلة، وربما أكثر وعلى البحر الطويل والقافية نفسها، ولقد كان أبو فراس من رواة
الشعر وقصته مع المتنبي في بلاط سيف الدولة معروفةٌ، إذاً لا بد من إجابة أخرى تغوص إلى أعماق الشاعر، وتلتقط جوهر لحظتهِ الانفعالية، وظني أن وراء هذا التضمين، أو التمثل بقول عنترة -والذي هو أقرب بلغتنا المعاصرة إلى استحضار الشخصية -دافع نفسي عميق يصب في ذلك المجرى الذي شقه المقطع الأول من القصيدة، أليس هناك قاسم مشترك بين أبي فراس وعنترة؟ ألم يكن الثاني فارس القبيلة الذي طالما تناساه القوم في السراء، بل أنكروا عليه نسبه، فإذا ما أقبلت خيل الأعداء، جاء سادة عبس يطلبون رفدهُ، وناداهُ فرسانها "ويكِ عنترَ أقبلِ"، وحين يرد الأعداء، يعود القوم إلى سابق عهدهم، ألا يحس أبو فراس ولو في أعماق لا شعوره أن حظه مع أهله كحظ عنترة؟
بلى وها هي ذي الروح الأميرية تثب في صدره ليعلن -وهو من سادة تغلب وابن عم الأمير- أن لا أحد يسد مسده، وأن الأيام لن تعوض سيف الدولة عنه، ولن يكون للزمان أن يجود بفتى حمداني مثله.
ثم نجده في الأبيات الثلاثة الأخيرة -ورغم ما سبق الإشارة إليه- ينتقل من الفخر بنفسه إلى الفخر ببني حمدان، بل قل بقبيلته كلها، وحين ننتبه إلى أن الشاعر أسير الأعداء الروم فسيكون لنا أن نقول -دون أن نجانب الصواب- إن الشاعر يفخر بعروبته، وبشعبه العربي وإليكم الأبيات:
52-ونحن أناس لا توسُّط عندنا لنا الصدر دون العالمين أو القبرُ
53-تهون علينا في المعالي نفوسنا ومن خَطَبَ الحسناءَ، لم يَغْلُهُ المهرُ
54-أعز بني الدنيا، وأعلى ذوي العلا وأكرم من فوق التراب، ولا فخرُ
-ملامح فنية:
وختاماً لا بد لي من التأكيد على أن عاطفة الشاعر العميقة الصادقة وشدة انفعاله -بشكل عام- حالا دون انطلاق خياله إلى عوالم جديدة لم يسبق إليها، فكانت مظاهر الابتكار في التشبيه والمجاز واللغة الشعرية قليلة في هذه القصيدة، وإن كنتَ تقعُ هنا وهناك على بعض الصور الجميلة، فها هو ذا يستعيرُ للهوى يداً في البيت الثالث: "بسطت يد الهوى"، ويستعير لنفسه ما للفجر من سطوة وقوة وحتمية، مستخدماً في ذلك حرف العطف (الواو):
ويا رب دار لم تخفني منيعة طلعتُ عليها بالردى، أنا والفجرُ
وقد تسعفه أحياناً كناية ذكية كما في قوله: "وردتني البراقع والخمر" (البيت 33)- وستكثر الطباقات والمقابلات في النص خاصة في النصف الأول منه، ولا غرابة في ذلك فالشاعر يقارن بين خصاله وشيمه وخصال وشيم تلك المرأة، حتى يكاد لا يخلو بيت منها:
-ظمآنا، القطر (البيت 5)
-ذنب، عذر (البيت Cool
-بدوت، حاضرون (البيت 10)
-الإيمان، الكفر (البيت 12)
-الوفاء، الغدر (البيت 13)
-تسألني، عليمة، نكر (البيت 15)
-الهزل، الجد (البيت 20)- ومثلها كثير
والجانب الفني الهام في هذه القصيدة والذي لا يجوز إغفاله، هو الجانب الموسيقي ولعله من أهم الأسباب التي نهضت بها، إضافة إلى ما حاولتُ إثباته في متن القراءة.
لقد تميزت هذه القصيدة بملاءمة الألفاظ للمعاني والمشاعر التي تحملها، واستطاع تكرارُ مجموعةٍ من المفردات والحروفِ في مجمل النص أو في بعض أبياته أن يخلق لدى المتلقي إحساساً غامضاً بالإيقاع المؤثر، الرديف لإيقاع البحر الطويل الذي شكل هيكلاً موسيقياً خارجياً.
ولو تأملنا معظمَ أبيات القصيدة فسنجدُ غلبةَ أحد الحروف على غيرهِ في كل بيت، وكأن الأمر أقرب إلى ظاهرة خاصة جاءت عفو الخاطر عند الشاعر لتنبيء عن شيء نفسي خفي فقد كرر الشاعر حرف التاء كثيراً في أبيات القصيدة كقوله:
فقلت لها: لو شئت لم تتعنتي ولم تسألي عني وعندك بي خبر
حيث نلاحظ تكرار هذا الحرف ست مرات، أما في قوله:
وتهللت بين الهزال والجد مهجة إذا ما عداها البين عذبها الهجر
فهو يكرر الهاء ست مرات أيضاً، والأمثلة على مثل هذا التكرار كثيرة جداً، وسيكون حظ النون هو الأكبر خاصة إن جمعنا إليها التنوين، ففي البيت (26) يتردد هذا الحرف ست مرات، وفي البيت (27) ثمان مرات، وفي البيت (29) سبع مرات وفي البيت (52) تسع مرات، وفي الذي يليه ست مرات. وقد يجمع الشاعر إلى ما سبق تكرار حروف المد التي نتتابع متشابهة أو غير متشابهة كقوله:
وقالَ أُصيحابي الفرار أم الردى فقلت: هما أمران، أحلاهما مر
يمنون أن خلو ثيابي وإنما عليّ ثياب من دمائهم حمر
وإن انتقلنا من تكرار الحروف إلى تكرار المفردات فسنلاحظ أن لدى أبي فراس حالة مزمنة بهذا الشأن: على صعيد البيت الواحد، والقصيدة كلها.
في معظم أبياته سيكرر مفردة بعينها مرتين وغالباً في الصدر والعجز أو في أحدهما ساعياً على ما يبدو إلى نقل حالته الانفعالية بصدق وعفوية إلى السامع، مرسخاً في ذهنه معنى ما وشعوراً ما، ومعززاً إيقاعاً صوتياً يعكس إيقاعاً نفسياً خاصاً بالشاعر، ويضمّ دفتي القصيدة اليمنى واليسرى إلى بعضهما:
معللتي بالوصل والموت دونه إذا متُ ظمآناً فلا نزل القطرُ
فقالت: لقد أزرى بك الدهر بعدنا فقلت معاذ الله! بل أنتِ لا الدهرُ
وحي رددت الخيل حتى ملكته هزيماً وردّتني البراقع والخمرُ
والأمثلة على هذا اللون من التكرار وفيرة جداً في القصيدة، ولا حاجة لذكرها جميعها.
هذا على صعيد البيت الواحد، أما على صعيد القصيدة فيمكن للقارئ المتأني أن يلاحظ تكرار بعض
المفردات في جسد النص كله، مع إصراري على الانتباه للبعد النفسي لهذه المفردات:
-الموت يكررها أربع مرات، كلها في المقطع الثاني أي عندما يتحدث عن بطولاته وقصة أسره.
-نكر يكررها الشاعر خمس مرات كلها في المقطع الاول.
-الردى يكررها أربع مرات، كلها في المقطع الثاني.
-الهوى يكررها الشاعر ست مرات، في المقطع الأول.
-الغدر يكررها الشاعر مرتين في المقطع الأول
-الوفاء يكررها ثلاث مرات في المقطع الأول.
والحقيقة أن الظواهر السابقة من التكرار لا تخص قصيدة أبي فراس فقط (20) لكنها هنا على عفويتها وجمالها شديدة الوضوح، مما يجعلها صفة مميزة لهذه القصيدة استطاعت أن ترقى بها موسيقياً، وأن تجعلها قريبة من القراء، محببة إليهم وإن كان بعضهم لا يدرون سبباً لذلك.
 الهوامش:
1-انظر: خليل شرف الدين، أبو فراس الحمداني، الموسوعة الأدبية الميسرة (4)، دار مكتبة الهلال، بيروت 1982 ص28.
2-بطرس البستاني، شعراء العرب، دار مارون عبود، بيروت 1979، ص(373-374).
3-خليل شرف الدين، مصدر سابق، ص38.
4-حنا الفاخوري، تاريخ الأدب العربي، المطبعة البولسية، ط9، بيروت، مغفل التاريخ، ص648.
5-جورج غريب، أبو فراس الحمداني، دراسة في الشعر والتاريخ، دار الثقافة، بيروت، ط1، 1966، ص(17-21).
6-هربرت ريد، طبيعة الشعر، ترجمة د. عيسى علي العاكوب، وزارة الثقافة السورية، دمشق 1997، ص(135-136).
7-حنا الفاخوري، مصدر سابق ص650
8-جورج غريب، مصدر سابق، ص64
9-بطرس البستاني، مصدر سابق، ص370
10-خليل شرف الدين، مصدر سابق ص182
11-انظر: ديوان أبي فراس الحمداني، دار إحياء التراث العربي، بيروت، مغفل التاريخ، ص(11-14).
12-علي الجارم، فارس بني حمدان، دار المعارف بمصر، القاهرة، مغفل التاريخ، ص(131).
13-د. وهب رومية، الرحلة في القصيدة الجاهلية، مؤسسة الرسالة، بيروت ط2- 1979، ص(173).
14-انظر: د. عدنان محمد أحمد، قراءة أخرى لقصيدة البردة لكعب بن زهير، الموقف الأدبي، العدد 285، كانون الثاني 1995، دمشق، ص(25-42).
15-انظر: د. عبد القادر القط، في الشعر الإسلامي والأموي، دار النهضة العربية، بيروت 1987، ص46.
16-نقلاً عن جورج غريب، مصدر سابق، ص(34-35).
17-جورج غريب، ص64.
18-د. حسام الخطيب وآخرون، اللغة العربية (لغير المختصين)، الكتاب الثالث، ج2 منشورات جامعة تشرين اللاذقية، 1992، ص29.
19-ديوان عنترة بن شداد، تحقيق بدر الدين حاضري ومحمد حمامي، دار الشرق العربي، بيروت ط1 1992. ص193.
20-سبق إلى ذكر هذه الظاهرة كيلاني حسن سند في كتابه "ذو الرمة. شاعر الطبيعة والحب" وكذلك عبد القادر القط في كتابه "الشعر الإسلامي والأموي" /مصدر سابق/

مجلة الموقف الأدبي - مجلة أدبية شهرية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق - العدد 346 شباط 2000

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
walid
مؤسس الموقع

walid


الاوسمة : المدير
عدد المساهمات : 1209
نقاط : 2278
السٌّمعَة : 3
تاريخ التسجيل : 12/12/2010
العمر : 37

قراءة جديدة لقصيدة أراك عصي الدمع ـــ د.ثائر زين الدين Empty
مُساهمةموضوع: رد: قراءة جديدة لقصيدة أراك عصي الدمع ـــ د.ثائر زين الدين   قراءة جديدة لقصيدة أراك عصي الدمع ـــ د.ثائر زين الدين Icon_minitimeالأربعاء يونيو 13, 2012 11:10 am

شكرا لك على موضوعك المفيد اختى دمت رائعة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://magra.ahlamontada.net
Soumonov ALLIA
عضو برونزي




الاوسمة : وسام التميز
عدد المساهمات : 425
نقاط : 791
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 05/09/2011
العمر : 37

قراءة جديدة لقصيدة أراك عصي الدمع ـــ د.ثائر زين الدين Empty
مُساهمةموضوع: رد: قراءة جديدة لقصيدة أراك عصي الدمع ـــ د.ثائر زين الدين   قراءة جديدة لقصيدة أراك عصي الدمع ـــ د.ثائر زين الدين Icon_minitimeالأربعاء يونيو 13, 2012 1:44 pm

العفو اخي شكرا على ردك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
قراءة جديدة لقصيدة أراك عصي الدمع ـــ د.ثائر زين الدين
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» أراك عصي الدمع ل أبو فراس الحمداني
» قراءة في كتاب قلق المسرح العربي
» قراءة ..تفسير.. تحميل القرأن الكريم
» الحلقة 14:فضيحة الكتّاب والكتب الماسونية ، جرجي زيدان يزعم أنّ صلاح الدين ماسوني!
» قراءة في رواية "الدقلة في عراجينها" للبشير خريف من تونس ـــ الأخضر الزاوي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الحضنة للعلم والمعرفة :: منتديات الثقافة والادب :: النقد العربي-
انتقل الى: