بسم الله الرحمان الرحيم :
من هنا كثر الجدال والنقاش منذ القدم إلى يومنا هذا حول اللغة المستعملة في المسرح ومن
المعروف أن المسرح هو أحد الفنون الأدبية الأدائية الذي يعتمد أساسا على ترسيخ الأفكار
وطرحها أمام الجمهور المتعطش لفن الخشبة في ظرف زمني محدد.
وتلعب اللغة دورا أساسيا في تجسيد هذه الأفكار إلا أننا قد لاحظنا أن كتاب المسرح العربي
عامة والجزائري خاصة يلجأ إلى الترجمة والاقتباس من المسرح الغربي (الأوربي). حيث أنهم
اختلفوا في استعمال اللغة لترجمة هذه النصوص المسرحية الأوربية.
وانطلاقا من هذه الفكرة نستطيع أن نحدد نوعيتها مع المراعاة الثقافة ومستوى غالبية
الشعب، لأن الكتاب يعرفون جيدا المستوى الثقافي هذا الشعب، وذلك لتأسيس لغة مسرحية نابعة
من ثقافة الشعب العربي ومعبرة عن هويته وتراثه لكي يتميز هذا المسرح عن الشكل المسرحي
الأوربي الدخيل.
ومن هنا يظهر لنا جليا أن معظم المترجمين يستعملون اللغة الفصحى، التي تعتبر أداة
تساعد المترجم على الإبداع. وهذا ما يعني تقيد المترجم بالفصحى مثلما فعل "محمد مسعود" في
ترجمته لمسرحية "الجاهل المتطبب"، وكذلك ما فعله نجيب حداد في تعريبه لبعض النصوص
المسرحية الأوربية. وهذا راجع إلى الطاقة الفنية التي يحتوى عليها هذا المترجم، لأنه يهدف إلى
توضيح عمله المسرحي وتبسيطه لغويا وفكريا، ليتلاءم مع المستوى اللغوي والفكري للجمهور مع
حفاظه على المضمون الذي يحتويه النص الأصلي، مثل ما حدث للمترجمين المسرحيين العرب
الذين ترجموا للكاتب المسرحي الفرنسي "موليير" بعض أعماله المسرحية بحيث أن العديد منهم
حافظ على النص الأصلي المولييري، فنرى جل هؤلاء المترجمين العرب يستعملون اللغة الفصحى
في ترجمة الأعمال المسرحية، وذلك لأن المترجم مطالب بأن يستعمل هذه اللغة العربية الفصيحة
السليمة حتى تتعدى حدود القومية، وتصبح لغة مشتركة بين جميع أقطار الوطن العربي.تحديد هوية لغة المسرح الجزائري من خلال الأشكال الماقبلية:
إن مسألة الهوية في لغة المسرح الجزائري تؤول إلى مسألة أكبر وهي الهوية الجزائرية
ذاتها كما يقدمها المسرح الجزائري من خلال استعمال اللغة العامية الثالثة المستلهمة من التراث
الشعبي والأشكال المسرحية الماقبلية كلغة (القوال، المداح، الحلقة...). هذا المصطلح الشائع عند
عدد لا يستهان به من الباحثين العرب المغاربة والمشارقة على السواء.
ولهذا حاول رواد المسرح الجزائري تأسيس هوية هذا المسرح المتميز عن الأخر الأوربي
من خلال رجوعهم إلى توظيف التراث الشعبي واستعمال اللغة الثالثة لأنها لغة مسرحية شعبية
نابعة من احتفالاتنا وفنوننا التقليدية، قريبة من الوجدان الشعبي المحلي. كما أن تراثنا الشعبي
الشفاهي يحتوي على لغة شعبية عامية يستلزم استعمالها في الأعمال المسرحية الجزائرية من أجل
التأسيس والتأصيل.
إن العودة إلى التراث الشعبي تكسب الكاتب المسرحي لغة أصلية، لغة ثرية بثراء الفكر
الذي يعبر عنه فإذا ما استوعب هذا الكاتب معطيات اللغة، وفجر طاقاتها عند ذلك تفجرت لديه
.( مكنونات الأفكار( 1
ولهذا نجد رواد المسرح الجزائري والمهتمين بشؤونه قد استعملوا اللغة التي يفهمها
الجمهور وينفعل معها، ونلاحظ هذا في مسرحية (جحا) لعلا لو الذي استعمل اللغة الثالثة التي
نادى بها معاصروه من رجال المسرح العربي في ذلك الوقت، وعلى رأسهم الكاتب توفيق الحكيم
الذي يقول: "يجب الاقتراب قدر الإمكان من اللغة العامية التي تتطلبها حياة بعض الشخصيات
العادية... إنها تجربة النزول باللغة العربية الفصحى، كما يقول إلى أدنى لتلاصق العامية دون أن
تكون هي العامية، والارتفاع مستوى العامية دون أن تكون هي الفصحى، إنها اللغة الثالثة التي
.( يمكن أن يتلاقى عندها الشعب كله"
وهو نفس الكلام تقريبا الذي يقوله علالو فيما يلي: "كنت أكتب باللغة العامية المفهومة من
( طرف الجميع ولكن ليست باللغة السوقية الرديئة فهي لغة عربية ملحونة ومنتقاة...
وبهذا أراد "علالو" أن يطور المسرح الجزائري وذلك عن طريق مخاطبة الجمهور بلغته
التي يتكلم بها في حياته اليومية والمعبرة عن هويته وثقافته التي ينتسب إليها بعيدة كل البعد عن
الشكل المسرحي الأوربي الذي حاول أن ينمط الجمهور الجزائري، ويجعله متأثرا ومقلدا لهذا
المسرح.
........منقول: حوليات التراث- بوعلام مباركي- المركز الجامعي سعيدة